معركة الحجاب في تركيا: الأصالة والحداثة محمد نورالدين عاشت تركيا لحظات تاريخية الأسبوع المنصرم. فالمشكلة التي أرّقتها على امتداد أربعين سنة وكانت في أساس معظم التوترات السياسية والاجتماعية خلال العشرين سنة الماضية بل كانت في أساس إغلاق العديد من الاحزاب ومنها حزب الرفاه، يبدو أنها بدأت تسلك طريقها الى الحل. للمرة الأولى يعثر الحجاب في تركيا على من يحتضنه ويرعاه.وللمرة الأولى تبادر مؤسسة دستورية الى طرق باب أحد الأبواب المحظورة في بلد المحظورات. ولمرتين يصوّت البرلمان التركي على تعديل يتيح ضمنا السماح بارتداء الحجاب في الجامعات. وكما سهّل حزب الحركة القومية انتخاب عبدالله غول رئيسا للجمهورية في آب/أغسطس الماضي بتوفير نصاب الثلثين ها هو يوفّر مرة ثانية غالبية الثلثين ليس للنصاب بل لتأييد اقتراح التعديل الدستوري. وفي الواقع اذا كان حزب الحركة القومية ينطلق من بعض الحسابات السياسية الداخلية في التنافس على القواعد المحافظة للمجتمع الا انه من الواضح أنه مع حزب العدالة والتنمية ولا سيما بعد انتصاره الكاسح في انتخابات الصيف الماضي ما عاد ممكنا استمرار الحظر على حجاب يعارض أكثر من ثمانين في المائة من الشعب التركي حظره. ومن هذا المنطلق كان مشروع الدستور الجديد الذي أعده حزب العدالة والتنمية الذي يعزز الحريات ويفكك الدولة العميقة التي تحكمت بجبروت القوة بالحياة السياسية والاجتماعية في تركيا على امتداد عقود. الفارق ان التعديل الدستوري الحالي يخفض من فترة انتظار السنة تقريباً لإقرار الدستور الجديد. وما كان يمكن ايضا للتعديل الدستوري الجديد أن يمر أيضاً بصعوبات أقل لولا الدعم الفريد الذي قدّمته فئات واسعة من العلمانيين الليبراليين الذين حالوا دون استقطابات ثنائية بين إسلاميين وعلمانيين. كذلك كان لتأييد حزب المجتمع الديمقراطي الكردي دور في منع المزيد من الاستقطابات رغم أن الحزب كان مرتبكا في الموقف من التعديل ومنقسما في التصويت في البرلمان. وكذلك كان لموقف الجيش المبتعد عن اتخاذ موقف واضح معارض دور في تمرير المشروع من دون توترات اضافية. بالطبع تبقى الكلمة الأخيرة للمحكمة الدستورية التي قد تعيد الموضوع الى نقطة الصفر في حال قالت ان التعديل مخالف للدستور الذي يقول ان تركيا دولة علمانية. وفي الواقع هذا يحيل الى مسألة تعريف العلمانية وما إذا كانت تعني منع ارتداء الحجاب في الجامعات وغير الجامعات. وفي الواقع ان هذه مشكلة الطبقة المتشددة من العلمانيين في تركيا التي فسّرت العلمانية بما ينسجم مع مصالحها الضيقة في حين انه في اعرق الدول العلمانية مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا ليس من حظر على الحجاب في الجامعات وفي بعضها ليس من حظر حتى في المدارس والدوائر الحكومية. وقد حظي التعديل الدستوري بتأييد ضمني من الاتحاد الأوروبي مثل المستشارة الألمانية انجيلا ميركل وقالت أوساط أوروبية ان السماح بارتداء الحجاب لن يؤثر في مفاوضات العضوية بين تركيا والاتحاد الأوروبي. إن أي قرار للمحكمة الدستورية في اتجاه رفض التعديل الدستوري سيدخل البلاد في توترات جديدة. لكنه لن يوقف مسيرة تعزيز الحريات والديمقراطية في البلاد التي بدأت مع وصول العدالة والتنمية الى السلطة قبل ستة اعوام. إن أخذ التعديل الدستوري مجراه الى التطبيق سيكون خطوة نحو الاستقرار الاجتماعي وينهي مشكلة كبيرة مصطنعة ويفتح امام مصالحة فعلية بين الدولة ومجتمعها، بين النظام العلماني والهوية الاسلامية لمجتمع 99 في المائة منه مسلم. لا شك أن خطوة السماح بارتداء الحجاب ستواجه إرباكات في تطبيقها في المرحلة الأولى لكنها ستكون إحدى أهم الخطوات من أجل إرساء نموذج جديد في الحداثة يجمع بين القيم المعاصرة المكتسبة وبين الهوية الثقافية للمجتمع في بلد كان ولا يزال مختبراً لتغيّر الهويات التي تغيرت ثلاث مرات في اقل من قرن.فهل تعثر تركيا أخيراً على خلطتها الثقافية الخاصة بها والتي تنسجم مع أصالتها من جهة وتحديات ومتطلبات الحياة الحديثة من جهة أخرى؟ عن صحيفة الخليج الاماراتية 13/2/2008