الحجاب يشعل الخلافات بين العلمانيين والإسلاميين في تركيا محيط وكالات أنقرة: فجر الحجاب أزمة جديدة بين العلمانيين والاسلاميين في تركيا بعد دعوى النائب العام للمحكمة الدستورية إلى حظر حزب العدالة والتنمية الحاكم بذريعة قيامه بإجراءات من شأنها الإضرار بالعلمانية بعد محاولته رفع الحظر عن الحجاب بالجامعات التركية, الأمر الذي أعتبره الاسلاميون انقلاباً على الديموقراطية, ومخالفةً واضحة لإرادة الشعب التركي. وكان "عبد الرحمن يالتشين" النائب العام التركي - وهو الشخص الوحيد الذي يحق له رفع الدعاوى لإغلاق الأحزاب السياسية - قد صرح بأن رفع الحظر المفروض على الحجاب من شأنه دفع القوى الإسلامية، والعرقية، والانفصالية داخل الجامعات للقيام بأفعال من شأنها الإضرار بالعلمانية وبث الفرقة والتمييز بين أبناء الوطن الواحد. دهشة بالغة وتلقى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان خبر دعوى إغلاق حزبه بدهشة بالغة، وعقد على الفور اجتماعًا طارئً مع القانونيين من نواب الحزب, مشيراًَ الى أن الدعوى التي رفعها النائب العام بإغلاق حزب العدالة ليست موجهة ضد الحزب لكنها موجهة ضد إرادة الشعب التركي وضد الديمقراطية بأنقرة. وقال أردوجان رداً على الدعوى التي أقامها المدعي العام واتهم فيها الحزب بأنه أصبح بؤرة للأنشطة المناهضة للمبادىء العلمانية بالبلاد:" إن الحزب الذي حصل على أصوات 16.5 مليون ناخب في 22 يوليو الماضي يكافح من أجل الديمقراطية في تركيا، وليس من المعقول أن يشكل بؤرة لمناهضة العلمانية". وأضاف:" أنني أقولها بوضوح إن التطور الذي حدث بالأمس (المطالبة باغلاق الحزب) هو خطوة ضد إرادة الشعب التركي وضد الديمقراطية فى تركيا لا ضد حزب العدالة والتنمية", أما عبد الله جول رئيس الجمهورية التركي فقد وصله الخبر بينما كان في قمة المؤتمر الإسلامي بداكار، وقال:" إن رفع دعوى إغلاق ضد حزب سياسي يمتلك كل هذه الأغلبية داخل البرلمان لهو أمر يدعو كافة الأطراف إلى التفكير جيدًا؛ ماذا ستربح تركيا؟.. وماذا ستخسر؟". إجراءات قانونية ومن جانبه, أكد رئيس المحكمة الدستورية في تركيا "هاشم كيليتش" أن المحكمة ستتبع الخطوات القانونية في قضية المطالبة بإغلاق حزب العدالة والتنمية الحاكم أسوة بالقضايا السابقة الخاص بإغلاق الأحزاب السياسية, وقال كيليتش إنه سيتم فحص المذكرة المقدمة من المدعى العام الجمهوري لمحكمة الاستئناف عبدالرحمن يالتشين كايا لإغلاق الحزب أولا، وقيد القضية، ثم إرسال المذكرة الى حزب العدالة والتنمية لإعداد دفاعه القانوني. وأضاف أن القانون يمنح الحزب مهلة شهرا لإعداد الدفع القانونى الأولى، ثم ترسل القضية الى مكتب المدعي العام لابداء الرأي القانوني فيها، ثم تمنح الفرصة لحزب العدالة والتنمية للمرافعة القانونية الشفوية، كما تمنح الفرصة للادعاء لتقديم مرافعته أيضا", ويذكر أنه يتعين أن يوافق 7 أعضاء من بين 11 عضوا في المحكمة الدستورية على إغلاق الحزب حتى يتم إصدار الحكم بإغلاقه. وكان جول عضوًا بحزب العدالة والتنمية المنبثق من التيار الاسلامي ووزيرا للخارجية في حكومة اردوغان قبل استقالته الصيف الماضي من المنصبين لتولي رئاسة الجمهورية, ودان الحزب الطلب، معتبرا أنه يمس بالديموقراطية, كما أعتبر نائب رئيس حزب العدالة محمد مير دنجير فرات أن المستهدف في هذه القضية ليس حزب العدالة والتنمية، بل الديموقراطية التركية والشعب التركي"، مضيفا:" هذه المحاولة تثير تساؤلات حول حال ديموقراطيتنا, وأنه أكبر ظلم ضد تركيا وديموقراطيتنا وارادة امتنا وسلامنا واستقرارنا وسمعتنا في العالم". قرار برلماني وجاء تحرك المدعي العام في وقت اقر البرلمان بشباط/فبراير قانونا يسمح بارتداء الحجاب بالجامعات بعدما كان ممنوعا منذ حوالى عشر سنوات بموجب قرار للمحكمة الدستورية, ويخشى المدافعون عن العلمانية الذين يتمتعون بنفوذ كبير بالمؤسسة العسكرية والقضاء والادارة الجامعية، من اسلمة متنامية للمجتمع في تركيا، البلد العلماني الذي يشكل المسلمون اكثر من 99% من سكانه. ومنذ وصوله الى السلطة في 2002، اي بعد سنة واحدة من تأسيسه، يتعرض حزب العدالة والتنمية وزعيمه اردوجان الذي سبق له ان سجن لادلائه بتصريحات مناهضة للعلمنة، لانتقادات بسبب مشاريع مثيرة للجدل, وبين هذه المشاريع الحكومية، تجريم الزنى وحظر الكحول في الأماكن العامة والسماح بالحجاب. ولم يتمكن الحزب من اقناع العلمانيين بتوجهاته غير الاسلامية عبر اقرار مشاريع اصلاحية تنطبق مع المعايير المطلوبة في الاتحاد الاوروبي, واصدرت المحكمة الدستورية قرارات اخرى تحظر احزابا دينية بتهمة القيام بانشطة غير علمانية, ومنذ انشاء المحكمة في 1961، حظرت اربعة احزاب بالدافع نفسه آخرها حزبا الرفاه في 1998 والفضيلة في 2001. وقد تخرج مسؤولو حزب العدالة والتنمية سياسيا من هذين الحزبين الاسلاميين. ووقع جول على تعديلات دستورية لتصبح قانونا ساري المفعول يسمح للنساء بارتداء غطاء الرأس داخل الجامعات, وتخشى النخبة العلمانية التركية من أن يؤدي القانون إلى إضعاف الفصل بين الدولة والدين في تركيا وأجاز البرلمان التعديلات المقترحة بأغلبية كبيرة قبل أسابيع قليلة. وكانت السلطات التركية فرضت حظرا صارما على ارتداء غطاء الرأس داخل الجامعات منذ عام 1997, وجاء فرض الحظر بعد أن مارس الجيش ذو التوجهات العلمانية الصارمة ضغوطا للإطاحة بالحكومة التي كانت في السلطة آنذاك والتي اعتبر أنها ذات توجهات إسلامية مبالغ فيها. وتذكر التعديلات الدستورية التي أدخلت على القانون أنه لن يسمح سوى بأغطية الرأس التقليدية التي تربط بشكل فضفاض تحت الذقن داخل الجامعات. ولا يزال الحظر ساريا على أغطية الرأس التي تغطي العنق، وبالمثل لا يزال البرقع الذي يغطي الرأس وأجزاء من البدن محظورا. قضية الحجاب وترجع أساس المشكلة إلى إلغاء الحجاب كأحد إجراءات الثورة التركية، التي قادها مصطفي كمال أتاتورك، في عشرينيات القرن العشرين، لذلك حينما بدأ الحجاب يعود للمجتمع التركي علي استحياء، منذ عدة سنوات وانزعج الأنصار والأوفياء "للثورة الكمالية"، وفي مقدمتهم المؤسسة العسكرية التركية، التي تعتبر نفسها الحارس الأول والأخير للعلمانية لذلك سارعوا في ثمانينيات القرن العشرين، إلي استحداث نص دستوري وسن عدة قوانين لمحاصرة ظاهرة الحجاب بين النساء التركيات, ومن ذلك الحرمان من التعليم والعمل بمؤسسات الدولة لمن ترتدي منهن الحجاب (غطاء الرأس) ولكن ذلك لم يمنع بعض النساء التركيات من التصميم علي والاستمرار في ارتداء الزي الإسلامي. ثم انفجر الموضوع من جديد في العام الماضي، حينما رشح حزب العدالة والتنمية الذي يقوده رجب طيب أردوغان، وله أكثرية برلمانية، أحد أعضائه، وهو عبد الله جول، رئيساً للجمهورية ورغم أن منصب رئيس الجمهورية في تركيا هو منصب رمزي، أي بلا سلطات تنفيذية، إلا أن هذا الترشيح أثار زوبعة شديدة. والسبب هو أن زوجة عبد الله جول ترتدي غطاء رأس منذ عدة سنوات وكان انتخابه يعني أن السيدة الأولي المنتظرة التي تصر علي ارتداء الحجاب ستكون قدوة لملايين غيرها من البنات والنساء التركيات. وأعتبر العلمانيون الأتراك ذلك "شراً مستطيراً" لذلك نظموا المظاهرات الاحتجاجية العارمة ولجأوا للمحكمة الدستورية، واستصدروا حكماً منها، بعدم جواز دستورية وجود سيدة أولي محجبة في القصر الرئاسي، حيث إن ذلك يعتبر تقويضاً لأحد أعمدة العلمانية التي أرساها مصطفي كمال، والتي عمّدها الدستور التركي وبناء علي ذلك قاطع النواب العلمانيون جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، فلم يتحقق النصاب المطلوب لقانونية الجلسة. وسحب الحزب الحاكم الترشيح. واختار الحزب بدلاً عن ذلك أن يقوم أولاً بتعديل الدستور ذاته، لكي يجعل انتخاب رئيس الجمهورية التركية بالتصويت السري الحر المباشر للمواطنين الأتراك، وليس بواسطة النواب في البرلمان وتم عرض الأمر لاستفتاء عام، فوافقت الأغلبية علي تعديل الدستور ثم تلي ذلك انتخاب جول رئيساً للجمهورية بالاقتراع الشعبي المباشر, وهو ما اعتبره المراقبون هزيمة معنوية شديدة للعلمانيين، بما في ذلك للمؤسسة العسكرية التركية، والعكس صحيح أي أن التيار الإسلامي التركي المعتدل قد أحرز انتصاراً مؤكداً. ومن المفارقات أن حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، رغم نفيّه المستمر لذلك علي لسان زعيمه أنه "حزب إسلامي"، وجد حليفاً خارجياً هاماً، وغير متوقع، وهو الاتحاد الأوروبي حيث أن أحد شروط هذا الأخير لانضمام أعضاء جدد إليه بما في ذلك تركيا، خضوع المؤسسة العسكرية فيها للسيطرة المدنية وهذا الخضوع العسكري للسيطرة المدنية هو ممارسة راسخة ومستقرة بالبلدان الديمقراطية، ولكنه ممارسة غير معتادة في الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي. اشكالية سياسية ومن الاشكاليات السياسية التى تواجهها تركيا التركيبة السياسية للبلاد حيث حصلت على مكانتها القوية في الفترة التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى الآن، بتقديم المزيد من التسهيلات لأمريكا والغرب خلال فترة الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي, بعد انضمامها بشكل مبكر لحلف شمال الأطلطني "الناتو" وتقديم دور القاعدة العسكرية والاستخبارية الأمنية المتقدمة لأمريكا وحلفائها, فضلاً عن دعمها أنقرة ترابطها مع أمريكا والغرب عن طريق ترابطها مع إسرائيل. واستخدمت ووظفت النخب التركية مفهوم العلمانية، كمبرر لتجاوز نسق القيم الشعبي التركي القائم على العقيدة الإسلامية السنية, فالسير في طريق العلمانية من جانب الدولة التركية، ونمو الإسلام السني السياسي، أوصل تركيا إلى نقطة حرجة أدخلتها في نفق إشكالية الأمن السياسي، والذي بدأت مواجهاته تتضح وتبرز أكثر فأكثر، فحزب العدالة مسنوداً بأغلبية الشعب التركي الذي ينتمي إلى الإسلام السني.. أصبح يقف في مواجهة المؤسسة العسكرية، حامية العلمانية مسنودة بالنصوص الدستورية، وبالأقليات التي فقدت رصيدها في الشارع التركي خلال الفترة السابقة. وبسبب توجهات حزب العدالة والتنمية المرتبطة بقاعدة الإسلام السني التركي، وما هو أهم مواقفه إزاء الصراع العربي- الإسرائيلي والوجود الأمريكي بالعراق، والعلاقات المنفتحة مع الدول العربية وبلدان آسيا الوسطى، أصبحت الإدارة الأمريكية، وإسرائيل وحلفاؤهما الغربيين ينظرون لسيطرة حزب العدالة والتنمية على مقاليد الأمور في تركيا باعتبارها نقطة البداية المؤدية لقيام تركيا بإدارة ظهرها لأمريكا وإسرائيل والغرب.. وبسبب التأييد الذي يتمتع به الحزب وحلفاؤه داخل البلاد، فقد بدأت المؤسسة العسكرية تلميحاتها باستخدام فيتو العلمانية ضد النظام القادم.