خطوة تهدد بإشاعة عدم الاستقرار السياسي في البلاد، هذا ما وصف به التحرك المفاجئ الذى أقدم عليه للمدعي العام التركي عبد الرحمن يالتشينكايا عندما قدم عريضة للمحكمة الدستورية التركية الجمعة 14 مارس/آذار الجارى، طالب فيها بحظر حزب العدالة والتنمية متهماً الحزب بالعمل من أجل تقويض العلمانية بما يخالف مواد الدستور التركية . المدعي العام لمحكمة التمييز التركية طلب أيضاً من المحكمة الدستورية، حظر النشاط السياسي ل71 عنصرا في الحزب بينهم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والرئيس عبد الله جول والرئيس السابق للبرلمان بولند ارينتش لمدة خمس سنوات. واتهم قيادة الحزب الممثلة في جول وأردوغان بالعمل من أجل تقويض الديمقراطية . المدعى العام التركى ارجع أتهاماته للحزب بسبب وقوفه وراء إصدار التشريعات والتعديلات القانونية الجديدة التي تستهدف تقويض العلمانية ومن أبرزها السماح بارتداء الحجاب في الجامعات والمدارس على النحو الذي يمهد لظهور التيارات الأصولية الإسلامية في المؤسسات التعليمية والأكاديمية التركية، والتى أجازتها الحكومة التركية مؤخراً. وفي حال وافقت المحكمة الدستورية على هذا الطلب، سيتعين على حزب العدالة والتنمية تحضير ملف الدفاع في اطار اجراءات تستغرق عدة اشهر . ويذكر ان الاحزاب التركية المحظورة قد وصل عددها الى الآن24 حزباً ، وتضم احزاب اليسار المتطرف والاحزاب الموالية للاكراد والاحزاب الموالية للإسلاميين بسبب انشطتها المناهضة للعلمانية. اردوغان من ناحيته ردّ بعنف على اتهامات المدعي العام، محذراًمن أن هذه الاتهامات ستلحق الضرر بتركيا، وأنها خطوة ضد إرادة الأمة، التي أسست حزب العدالة والتنمية الوحيد المتمثل نيابيا في 80 من محافظات تركيا ال81 . ووعد الأمة بأنه سيدافع عنها حتى النهاية. وخاطب المدّعي العام، قائلا «إلى هذا رخيصة أصوات 16 مليون ونصف مليون مواطن أعطوا أصواتهم إلى العدالة والتنمية؟ إن من لا يعتبر إرادة الأمة لا يمكن أن يقيم دولة القانون». المعارضة التركية بدورها،انقسمت إلى قسمين: الأول يضم الأحزاب اليسارية العلمانية، مثل الشعب الجمهوري واليسار العلماني ودعت إلى عدم التدخل في العملية القضائية. وقد تذرّع نائب رئيس (الشعب الجمهوري)اونور اويمين بدساتير الدول الأوروبية التي تسمح بإغلاق الأحزاب، وهو ما حصل في اسبانيا، ولم يعترض احد هناك، موضحا انه ضد إغلاق الأحزاب لكن على الجميع التقيد بالدستور. أما القسم الثاني فقد كان متحفظا وليس معترضا على قرار المدعي العام. وقال زعيم (الحركة القومية) دولت باهتشلي انه يجب عدم إغلاق الأحزاب، بل معاقبة الأشخاص، وانه على استعداد للمضي في تعديل دستوري في هذا الاتجاه. وشدد على أن الأمة، وليس أي جهة أخرى، هي التي تصفي وتعاقب الأحزاب، محذرا من العواقب الخطيرة لإغلاق حزب العدالة والتنمية بمعزل حتى عن جوانبها القانونية. واعتبر حزب (المجتمع الديموقراطي) الكردي، الذي يحاكم أمام القضاء، في دعوى لإغلاقه أيضا أن عملية إغلاق الأحزاب أصبحت روتينية في تركيا، لكن عندما فتح القضاء دعوى لإغلاق حزبنا لم يتحرك احد معترضا، فأين المدافعون عن الحزب الحاكم من الدعوى لإغلاق حزبنا؟ وحذرمعظم المحللين الاتراك من تأثير إغلاق الحزب الحاكم على الاستقرار في تركيا. وقال الكاتب العلماني المعروف ديريا سازاك إن أنقرة تواجه خطرا حقيقيا، ولا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وفوضى تطبيق قانون الحجاب والابتعاد عن هدف الاتحاد الأوروبي والإضرابات العمالية. وأشار إلى أن تركيا لن تجني شيئا من إغلاق الأحزاب، وقد جرّب الجيش والقضاء منع انتخاب جول رئيسا للجمهورية عبر الانقلاب الالكتروني فماذا حدث؟ إن من يأتي عبر الانتخابات يجب أن يذهب فقط عبر الانتخابات. وأسف المعلق الإسلامي المعروف فهمي قورو، موضحا أن تركيا لم تتعظ بعد من أن إغلاق الأحزاب لن يفيد بشيء، متسائلا ما إذا كانت البلاد أمام عملية جديدة على غرار مرحلة 28 فبراير1997 التي أطاحت بنجم الدين اربكان وكانت وبالا على الإسلاميين. رد فعل واشنطن بدا معترضاً، فقد دعا رئيس دائرة أوروبا في وزارة الخارجية تشايز بيمير إلى احترام المؤسسات والقواعد الدستورية، واحترام إرادة الأمة في انتخابات 22 يوليو/تموز الماضي. وقال مسؤول شؤون توسيع الاتحاد الأوروبي أولي رين إن السياسة في الديموقراطيات الأوروبية لا تقرر في المحاكم بل في الانتخابات، موضحا أن على الحكومة ألا تتأخر في تسريع مسارات الإصلاح وفق الإطار الأوروبي. ويذكر ان هناك ثلاثة خيارات أمام المحكمة الدستورية: - الأول هو إغلاق الحزب من أساسه، وهذا يحتاج إلى موافقة سبعة من أعضاء المحكمة الأحد عشر بعدما كان القانون سابقا يقول بموافقة ستة فقط. - الثاني هو فقط قطع المساعدة المالية من الدولة كليا أو جزئيا عن الحزب. - الثالث هو رفض الدعوى وكأن شيئا لم يكن. *المحكمة الدستورية التركية: اسست في عام 1962 وتضم 11 قاضيا واربعة قضاة احتياطيين،يعينهم رئيس الجمهورية، ومهمتها التحقق من ان القوانين التي يتم تبنيها في البرلمان مطابقة للدستور، وتتحقق المحكمة من تطابق القوانين ومشاريع القوانين والترتيبات الداخلية للجمعية الوطنية مع الدستور، وهي تراقب مدى ملائمة التعديلات الدستورية في الشكل حصرا، كما ان المحكمة الدستورية مخولة بحظر الاحزاب السياسية. أحزاب اسلامية سبق حظرها: - اول الاحزاب الاسلامية التي تم حظرها في 1971، حزب النظام الوطني الذي اسسه نجم الدين اربكان اول رئيس وزراء اسلامي في تاريخ تركيا، الذي مارس مهامه لمدة عام قبل ان يجبر على الاستقالة في يونيو 1997 تحت ضغط الجيش حارس القيم العلمانية في تركيا. - حزب الانقاذ الوطني، ثاني حزب اسسه اربكان،اصبح محظورا أيضاً منذ الانقلاب العسكري في 1980. - حزب الرفاه،وهو ثالث حزب اسسه اربكان،واصبح محظورا في 1998 . - ثم حزب الفضيلة في 2001، ومن صفوف هذه الاحزاب تدرج عدد من كبار المسؤولين في حزب العدالة والتنمية بينهم رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان والرئيس التركي عبدالله جول. ويذكر أن أولى محاولات الصعود الإسلامي السياسي كانت في عام 1995م عندما أحرز حزب الرفاه الإسلامي النصر في الانتخابات البرلمانية وأصبح زعيمه نجم الدين أربكان رئيساً للوزراء في عام 1996م على خلفية التحالف الذي جمع حزب الرفاه مع حزب الطريق القويم الذي تقوده الزعيمة تانسو شيلر. ولكن هذا التحالف لم يستمر طويلاً فقد نجحت المحكمة الدستورية في حظر حزب الرفاه وزعيمه أربكان بتهمة معاداة العلمانية. ولم تتوقف محاولات الإسلاميين الأتراك، واستطاع الثنائي عبد الله جول – رجب طيب أردوغان في 14 اغسطس 2001م تكوين حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي كحزب إسلامي محافظ – معتدل، قادر على التعايش مع العلمانية والتقاليد الليبرالية الغربية. واستطاع الحزب أن يحقق صعوداً سياسياً كبيراً في انتخابات عام 2004م عندما حصل على 42% من الأصوات، وفي انتخابات 22 يوليو/تموز 2007م حصل على 46.6% من الأصوات بما أتاح له السيطرة على 341 مقعداً من إجمالي مقاعد البرلمان التركي البالغ عددها 550 مقعداً. السند الشعبي الكبير لحزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي أتاح له السيطرة على البرلمان ومنصبي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء إضافة إلى الحقائب الوزارية الرئيسية، وعلى مستوى قاعدة الحكم استطاع الحزب السيطرة على 71% من البلديات التركية. ويرى المراقبون أن حزب العدالة والتنمية بالرغم من نفيه عن نفسه الصفة الإسلامية، وتأكيده احترامه للنظام العلماني في تركيا الذي يكرّس الفصل الحادّ بين الدين والدولة وهيمنة الدولة على الدين،إلا أن هناك عوامل تجعله يصنف كحزب إسلامى منها: أن الحزب خرج من عباءة حزب الرفاه الإسلامي، ثم وريثه حزب الفضيلة اللذين أسّسهما نجم الدين أربكان أحد رموز التيار الإسلامي في تركيا. كما أن معظم قيادات حزب العدالة والتنمية وكوادره الوسيطة لها تاريخ معروف كناشطين أو رموز للتيار الإسلامي حتى قبل تأسيس حزب الرفاه ويأتي على رأس هذه القيادات رجب طيب أردوغان وعبد الله جول وبولنت أرينج وعبد اللطيف شنر.. وأيضًا يتخوف غلاة العلمانية في تركيا من حزب العدالة والتنمية، ويرون أنه يخفي أجندته الإسلامية؛ لأنه استفاد من تجربة صدام حزب الرفاه مع السلطة، والذي انتهى بحملة عام 1998 بعد تدخل الجيش ضده في فبراير 1997. وأيضًا الحزب لا يشبه الأحزاب العلمانية القائمة، ومن ثم فإنه يتجاوز التصنيفات القائمة..