شحتة رجلٌ بسيط، لا يعرف في علم الاقتصاد أو التخطيط، ودائماً ما يميل الي المشي بجوار (الحيط) أو إن ساءت الظروف داخل (الحيط)، لأنه مواطن عادي وبسيط، لا يهوي الفهلوة أو السياسة أو (التنطيط).
يسكن شحتة في منطقةٍ يُطلق عليها المتخصصون عشوائية، يُفزع ويُروع أهلها ليلا ونهارا اللصوص والبلطجية، والمياه تنساب من (حنفية) منزله مختلطة بالرمل والحصى فتصير بلية.
لم يكن شحتة يوماً من هواة التصفيق أو المديح أو التهليل لذوي السلطة والجاه أو الأذناب والذيول أو حتى الفلول، لأنه ليس انتهازياً، أو متملقاً، أو برجوازياً، ويعشق (البساطة)، ويكره (القلاطة)، ولم يذق أبدا الحلويات لا شرقيةٍ ولا غربيةٍ، ولم يعرف طعم الشيكولاتة.
لم ينعم شحتة يوما – سوي في عيدٍ أو مناسبة - بطعمِ اللحمِ، وكان يكتفي بالنظر اليها عند الجزار شذراً، ويدعوها راجياً بملءِ فِيهِ أن تزوره طوعاً لا كرهاً، فهو لن يستطيع بعد جوعٍ وفقرٍ وقهرٍ أن يتنظرها دهراً.
حتي الأسماك يا سادة لم يعرف مذاقها كالعادة، وارتضي بالسمع عن الجمبري والاستاكوزا خيراً، لأنهما بالنسبة لمن هم في مثل حاله، رؤيتهما شراً، وأكلهما مضراً.
أما الطيور يا أحباب، فلم يكن يعرف منها الا الدجاج عند زيارة الأهل والأقارب والأصحاب، ولم يدخل بيته يوماً بطةٌ أو وزة، لأنه فشل أن يؤزهم أزاً لزيارة زوجته عزة.
وبالنسبة للفاكهة والخضار، فقد قاطعهما شحتة مجبراً مرغماً لأن أسعارهما نار.
وتبقي البقول من فصيلة الفاصوليا واللوبيا والعدس والفول، فقد دعا شحتة بالليل ربه أن يحفظهم من جشع التجار، وألا ترتفع اسعارهم لتصبح نار، مثل الفاكهة والخضار.
وأخيرا، بالنسبة للجبن والألبان، والتي هي غذاءٌ للعقول، ومفيدةٌ للجسم والأذهان، فيري شحتة انها أصبحت طعام اولاد الذوات، لان أسعارهما تصيب ميزانية الأسرة بالعجز، وتقضي علي نقود الحوافز والعلاوات.
وللأمانة لم يشتكي شحتة من ارتفاع سعر انبوبة الغاز لأنه أصلا لا يملك بوتاجاز، واشتكي فقط من عدم قدرته علي إشعال (البابور) لاختفاء السولار أو الجاز.
ولكل ما سبق، فقد أصبح لشحتة من اسمه نصيبا، وفاز بجدارة بلقب شحات، ويرفض رفضا باتا أن يكون هذا اللقب من نصيبه حتى الممات.
ثلاثون عاما مضت، وشحتة يعاني ونحن معه من الاحتكار وجشع التجار وغلاء الأسعار، فكلما زاد الراتب جنيها، أكله التجار برفع الأسعار.
لقد حاول المخلوع يوما في حديثٍ مملٍ وطويل أن يقنعنا أن أسرة مكونة من 4 أفراد (أب وأم وطفلان) يستطيعون العيش ب 300 جنيها شهريا.
وابشروا فقد جعلتهم الحكومة 700 جنيها شهريا، أي أن شحتة سيستطيع أن يلمس بدلا من الرؤية فقط ما حُرم منه طيلة 30 عاما.
وبالطبع، هذا بعيدا عن مشاكل أنبوبة البوتاجاز أو الكهرباء أو التليفونات أو الجاز.
أعلم علم اليقين أن الحكومة لا تملك حلولا سحرية لمواجهة الأوضاع المعيشية المتردية التي عاني منها الشعب المصري خلال فترة الحكم البائد، خاصة وأن حوالي 70 % من المصريين حاليا يعيشون تحت خط الفقر.
ولكن اعتقد أننا نحتاج نوعاً من الحلول الفورية وغير التقليدية التي تساهم في تحسين الأوضاع، وعلاج الصداع، الذي نُصاب به كلما جلسنا أول كل شهر لحساب الميزانية، وذلك قطعاً في حالة وجود النقدية.
نطمع نحن ال70% من شعب مصر حتى نشعر بالتغيير - ولن ننزل ميدان التحرير - أن تكون هناك حلولا اقتصادية عاجلة وفورية، حتى نستطيع ضبط الميزانية.
*كاتب من مصر مدير التوثيق التليفزيوني "أربيا انفورم"