لبنان وفوهة البركان عبدالله حموده هل حان الوقت الآن لطرح سؤال خطير، بشأن ما إذا كان حال لبنان وصل إلى فوهة البركان؟ فقد تزامن اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم الأحد، لبحث الأزمتين اللبنانية والفلسطينية، مع تبادل إطلاق النار بين متظاهرين - حاول البعض القول أنهم تابعون لحزب الله - مع قوة للجيش اللبناني، في منطقة الشياح الواقعة على الطريق إلى مطار رفيق الحريري ( بيروت) الدولي، بالقرب من الضاحية الجنوبية - التي تعتبر المعقل الرئيسي لحزب الله - وترددت تصريحات على الفور عقب ذلك ، تتساءل عما إذا سيكون هناك علاقة مستقرة بين حزب الله والجيش ، بعد أن "أصبح بينهما دم". لكن مثل هذه التصريحات تبدو مغرضة ، ويمكن إرجاعها إلى خصوم حزب الله، الذين يريدون إحداث وقيعة بينه وبين الجيش اللبناني، تبرر لهم الضغط من أجل تحقيق مطلبهم بشأن "نزع سلاح المقاومة اللبنانية". حدثت واقعة إطلاق النار على قوة الجيش، عندما كانت تلك القوة تزيل عن الطريق إطارات سيارات محترقة ، أشعل المتظاهرون فيها النار لوقف الحركة على الطريق ، تعبيرا عن احتجاجهم على انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار المنتجات الغذائية والأساسية. ولم يترتب على هذه الواقعة إصابات بشرية أوخسائر في الأرواح من جانب الجيش ، مما يخيب آمال أولئك الذين أرادوا الوقيعة بين الجيش اللبناني وحزب الله. وكان أحد الضحايا شاب في التاسعة عشرة من العمر اسمه علي حسن حمزة ، ينتمي سياسيا إلى حركة أمل، وكان يضطلع بمهمة ضابط اتصال مع الجيش ، لتسهيل مهمته في إعادة فتح الطريق. وربما كان اختيار هذا الموقع للاحتجاج مهما بسبب وقوعه على الطريق إلى المطار ، فضلا عن أن منطقة الشياح - التي تقطنها أغلبية من الشيعة، تؤيد حركة أمل التي يتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه بري - تقع بين منطقتين تقطنهما أغلبية مسيحية، هما مارميخائيل وعين الرمانة. وكانت كنيسة مارميخائيل هي مكان توقيع وثيقة التحالف بين التيار الوطني الحر وحزب الله، بواسطة زعيميهما الجنرال ميشيل عون والشيخ حسن نصرالله. ويشير ذلك إلى أن سكان هذه المنطقة - بمسيحييها ومسلميها الشيعة في أغلبيتهم - من مؤيدي المعارضة. لكن من يعرف طبيعة توزيع التركيبة السكانية جغرافيا في لبنان، يعلم انه يستحيل أن يكون التأييد لقوة سياسية في منطقة معينة مائة في المئة. ومن ثم يمكن أن يحدث اختراق من جانب أي قوة سياسية لمناطق نفوذ القوى الأخرى. ولذلك يمكن - من وجهة نظر المعارضة - تفسير ماجرى من إطلاق نار في منطقة للمعارضة على قوة للجيش - خاصة وأن المتظاهرين من أنصار المعارضة - بأنه محاولة مدبرة للوقيعة بينهما، وهناك من المواقف السياسية السابقة والمعروفة مايبرر ذلك. ولم يكن ماجرى في منطقة الشياح هذه واقعة فريدة من نوعها، فقد حدث بعد يوم إضراب عام نفذته النقابات العمالية في مجالات عديدة، وظهر أثره في مختلف المناطق اللبنانية، احتجاجا على ارتفاع الأسعار، وتجاهل الحكومة الحاجة إلى زيادة الرواتب، إضافة إلى وجود مشكلات عديدة تكبل قدرة القطاع الخاص في العمل وتحقيق أرباح تساعد مؤسساته على الاستمرار في نشاطها. ومن هذه المشكلات التكرار المتواصل لانقطاع التيار الكهربي، الذي تقول الدوائر الشعبية المؤيدة للمعارضة أنه يستهدف مناطقها على وجه الخصوص. وكذلك كانت هناك احتجاجات مماثلة في مناطق بعلبك بوسط لبنان، وفي الجنوب على طريق الدوير النبطية وطريق صيدا صور. ويذهب البعض إلى أنه نوع من العقاب الجماعي ضد مؤيدي المعارضة من جانب الحكومة، ويقارنون بينه وبين العقاب الجماعي الذي تفرضه إسرائيل على مواطني قطاع غزة الفلسطينيين، بسبب انتخابهم حركة حماس لتشكيل حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية، واستمرارهم في تأييدها. يتفق الجميع على أن التظاهر والاحتجاج يعتبر السبيل الأخير للتعبير عن التذمر من أوضاع غير مقبولة، لأن الخروج إلى الشارع العام في تظاهرة يمكن أن تترتب عليه مواجهات وأعمال عنف. ويتم السماح بهما في المجتمعات الديمقراطية وفق ضوابط محددة لتفادي ذلك، وفي كل الأحوال تضطلع قوات من الشرطة والأمن بمرافقة المتظاهرين، بغرض حراستهم في حال تعرضهم لمواجهة من جانب الرافضين لموقفهم، وكذلك لفرض النظام على مسيرة تظاهرتهم، والتأكيد على سلميتها. وفي ضوء حقيقة أن طبيعة بعض المتظاهرين قد تدفعهم إلى الحدة في التعبير عن مواقفهم، مما يخلق فرصة لاستفزازهم لاقتراف خروج على القانون، فقد شدد قادة النقابات وزعماء المعارضة على ضرورة أن تظل الاحتجاجات والتظاهرات سلمية، وأعلنوا ضرورة التعاون مع الجيش وقوات الأمن لتحقيق ذلك، وكانت هذه الإعلانات والتصريحات رسائل واضحة لخصومهم السياسين، تؤكد الاجتهاد لتفويت الفرصة على كل من يحاول استغلال مثل هذه المناسبة لاقتراف أعمال عنف. وقد أثبتت المعارضة - في اعتصامها المستمر لأكثر من عام في وسط بيروت - أنها قادرة على فرض الانضباط والتزام القانون على مؤيديها. إذا لماذا يأتي اشتعال الموقف الآن؟ لقد تأجل اجتماع مجلس النواب اللبناني لانتخاب رئيس للجمهورية للمرة الثالثة عشرة حتى الآن، ومبادرة الجامعة العربية لحل الأزمة السياسية في بيروت تواجه صعوبات تحول دون نجاحها من جانب طرف أوآخر، وتفاقم الموقف خلال الأيام الأخير نتيجة اغتيال الرائد وسام عيد - ضابط المعلومات في أمن الجيش، الذي كانت لديه معلومات مهمة عن وقائع الاغتيالات السياسية - وفسر البعض هذه الجريمة - التي جاءت بعد جريمة اغتيال اللواء فرانسوا الحاج، الذي كان مرشحا لخلافة العماد ميشيل سليمان في قيادة الجيش، إذا انتخب هذا الأخير رئيسا للجمهورية - بأنها تؤكد استهداف الجيش بالاغتيالات في الفترة الراهنة، بعد استهداف النواب البرلمانيين والقادة السياسيين والصحفيين من قبل، لأن الجيش اللبناني أصبح المؤسسة الوحيدة والأخيرة التي تمثل الوحدة الوطنية، ويبدو أن الوقت حان لستهدافها، من أجل ضرب وحدة لبنان وتفتيتها. وتزامن اغتيال الرائد عيد مع إضراب النقابات والاحتجاجات الشعبية، ليوفر المفجر المطلوب للأزمة الساخنة الموقوتة. وهذا مايريده أعداء لبنان في الداخل والخارج. فهل حان الأوان لكي يصل لبنان إلى فوهة البركان؟! عن صحيفة الوطن القطرية 29/1/2008