هل تذكرون أحد دروس المرحلة الابتدائية كان بعنوان " الثعلب المكار " وكان بالكتاب فى صفحة هذا الدرس الجميل صورة للثعلب وهو يرتدى الجبة والقفطان ، وكان من روائع أمير الشعراء أحمد شوقى هذا الشعر العظيم
برزالثعلب يوما في ثياب الواعظين يمشى في الأرض يهدى ويسب الماكرين و يقول الحمد لله إله العالمين يا عباد الله توبوا فهو كهف التائبين وازهدوا فإن العيش عيش الزاهدين و اطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا فأتى الديك رسولا من إمام الناسكين عرض الأمر عليه و هو يرجوا أن يلينا فأجاب الديك عذرا يا أضل المهتدين بلغ الثعلب عني عن جدودي الصالحين عن ذوى التيجان ممن دخلوا البطن اللعين أنهم قالوا و خير القول قول العارفين مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا
والحق أقول حينما رأيت هذا المتبختر فى مشيته " أوباما " وهويصول ويجول فى مسجد السلطان حسن ومعه ست الحسن " هيلارى " بسرعة فائقة عادت بى الذاكرة إلى درس " الثعلب المكار " لا أستطيع أن اقول أن أوباما كان يتصنع إعجابه بمسجد السلطان حسن فالبناء لمن لديه حس فنى أو حس معمارى لا يجد أمامه إلا أن ينحنى أمام هذا الفن الراقى وتلك الهندسة المعمارية التى تأخذ بلب العقول وإن دلت على شئ فإنما تدل على زمن العروبة والإسلام زمن المجد والفخار الذى كدنا أن نتخلى عنه وحولناه إلى زمن الخزى والعار والاحتلال .
وهنا كنت أضع يدى على ذر التسجيل فلربما يدخل أوباما محراب الصلاة ليؤدى ركعتى تحية المسجد ، لكن فات علىّ أنه لم يرتدى الجبة والقفطان كما ارتداها " الثعلب المكار " ومن قبل أن يصل الأخ أوباما إلى القاهرة وعقب وصوله إلى البيت الأبيض شرع هذا الرجل فى كيفية تقمص دور " الثعلب المكار " فلم يجد ما يؤيد به فكرته الثعلبية إلا أن يعين ضمن الجوكة التى حوله سيدة مسلمة ترتدى الحجاب الأخت " داليا مجاهد " التى ظن البعض أنه انتصار وفتح مبين .
وقد سبقته بالطبع لمعرفة وتقصى الرأى العام فى مصر حول نظرة الشارع المصرى إلى " أوباما " ليكون دليله فى الخطاب ولأن المصريين شعب متدين بطبعه وبكلمة دين بسيطة تجعله يترك الدنيا وما عليها وما فيها وبخاصة هؤلاء الذين لم يصابوا بنفاق السلطة ، لأن هناك من الناس يستخدمون الدين حسب المواقف كما قال رب العالمين فى محكم كتابه " وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ " النور 49 .
فجماعة المطبلين والمزمرين والراقصين لخطاب أوباما الذى يشبه خطبة الجمعة فى مسجد عمرو بن العاص لم يفعلوا ذلك لأن أوباما استشهد بآيات قرآنية فى خطابه و هؤلاء أول من يصد عن المد الدينى فى مصر وغير مصر ، لكن لأن أوباما ارتدى عباءة الدين فيجب علينا أن نصدقه لأنهم لا يريدون المواجهة ولا هم أهل لها بل يريدون العيش بجوار الحاكم يقتاتون بنفاقهم له منتظرين هباته ورضائه عليهم ولتذهب الأمة إلى الجحيم طالما أن السلطان بخير ويغدق عليهم .
هناك من البشر من أنعم الله عليهم بمواهب كثيرة من تلك المواهب موهبة التمثيل التى أجادها السيد أوباما باقتدار ولو كان الأمر بيدى لجعلته يملأ الفراغ الذى تركه الرائع أنتونى كوين وكان سيكون أشهر من رئيس أمريكى ولن يواجه بهذا الكم من النقد اللاذع الذى تعرض له وسيتعرض له مستقبلا فحينما يبدأ أوباما بتحية الحضور " السلام عليكم " التى تشبه فى نطقها مع الداعية الأفريقى " أحمد ديدات " مع فارق التشبيه فإنما يضفى نوعا من التأكيد على " ثعلبيته " ولا عتاب على الذين افتتنوا بخطابه من العامة من شعب مصر.
لكن عتابى على هؤلاء الذين تصوروا أن يكون هذا الخطاب سيتعدى مرحلة الكلام ، وهنا أقصد بهم أصحاب الاتجاهات الإسلامية التى كانت متشددة فمنهم من كان يطالبه بالإفراج عن الدكتور الضرير الشيخ عمر عبدالرحمن فك الله أسره ، ومنهم من يكتب فى صحف حكومية ليعلمنا كيف ننظر إلى خطاب أوباما بإيجابية وكانوا من قبل يلعنون كل ما هو أمريكى أو غربى بل وكل من يتقرب إليهم من الحكام والمحكومين فما الذى تغير أمريكا أم نحن ؟!
مثل هؤلاء ليسوا بمخدوعين ولا غير فاهمين بل هم ينظرون من بعيد إلى رؤية سياسة الدولة فإن كان النظام راض عن الزيارة فكلهم خلف النظام يقولون آمين والعكس ، ومن الناس من يريد أن يقدم عربون صداقة مع أمريكا ظنا منه أن فى النار للظمآن ماء.
هناك من يرى أن فى خطاب أوباما بعض التصريحات الإيجابية نقول : أفلح إن صدق على الرغم من أن تصريح أوباما عن علاقته بإسرائيل أنها علاقة قوية وغير قابلة للانكسار إذا كان الأمر كذلك وأنها غير قابلة للانكسار فما فائدة اللف والدوران هل يظن أوباما أن بتلاوته لبعض آيات القرآن سيخدعنا والله لو أن أوباما أنشأ قناة فضائية دينية فى البيت الأبيض وأتى بكل شيوخ الفضائيات الذين سيرحبون بالفكرة ويعتبرونه فتحا عظيما .
أقول : لو حدث هذا فلن نصفك إلا بالثعلب المكار أيضا ، وأن من يصدقك كمن يصدق المسيخ الدجال فتصريحاتك سابقا فى أمريكا تناقض تماما ما قلته فى مصر وكأنك تتعامل مع سذج .. والسذج فقط هم الذين ينخدعون بكلام أوباما إذا أخذوه على عواهنه وظنّوا أنه صادق فيما يقول اللهم إلا من رأى أن يأخذ عليه أقواله بأنها حجة عليه ويجب على حكام الأمة أن يحاسبوه عليها .
بلغ أوباما عني عن جدودي الفاتحين .. . عن ذوى التيجان ممن دخلوا الاحتلال اللعين
أنهم قالوا و خير القول قول العارفين ... مخطئ من ظن يوما أن للأمريكى دينا
مع خالص الاعتذار لتحريف كلمات أمير الشعراء أحمد شوقى .