ماذا بعد تولي باراك أوباما الرئاسة؟ فالح الطويل هذا هو السؤال الذي ما انفك يطرحه الناس في بلادنا يوما بعد آخر منذ ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية قبل عشرة أيام، وأجابوا عليه كل من موقعه وتجاربه والقناعات السياسية التي ورثها أو اكتسبها. وقد طرحه الدكتور محجوب الزويري، الخبير في الشؤون الإيرانية، في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، يوم الأربعاء 12 الجاري، أمام نخبة من الأكاديميين والدبلوماسيين والمهتمين، تناول فيه، فيما تناول من موضوعات، كافة السيناريوهات المحتملة لمستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية. وفي السياق، طرح المحاضر السؤال الأشمل، وهو ما إذا كان الرئيس الأمريكي الجديد سيضع قواعد جديدة لتعامله مع قضايا السياسة الأمريكية الخارجية الثلاث الأكثر إلحاحا، وهي قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وإيران وكوريا، أم سيبقى أسيرا للأجندات القديمة. كان واضحا من تعليقات بعض المشاركين في الحوار، وفي مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، بشكل خاص، ميلهم للاعتقاد بعجز الرئيس عن تغيير قواعد السياسة الأمريكية الحالية بفعل التأثير الطاغي للوبي الصهيوني حوله. أي أنهم يرفضون تصديق شعار أوباما في الحملة الانتخابية حول التغيير في تلك السياسة، فيختصرون الطريق فلا يبحثون في احتمالاته جملة وتفصيلا، وخاصة بعد تسميته رحم إيمانيويل ذي الأصول الإسرائيلية رئيسا لموظفي البيت الأبيض. كنت شخصيا مع إيلاء هذا الأمر اهتماما خاصا فنتناول الشعار وإمكانات تطبيقه من قبل الرئيس ومدى ونطاق التطبيق وفرصه في النجاح، والتوقف قليلا عند الأسماء المقترحة للمناصب في البيت الأبيض والحكومة الأمريكية، علنا نجد مدخلا للتأثير فيها سواء في الاتصالات المباشرة أو غير المباشرة لزعمائنا وسياسيينا وإعلاميينا وأكاديميينا مع الإدارة الجديدة. ذلك ضروري لأسباب كثيرة واضحة منها:. أولا، يعني وصول أوباما للبيت الأبيض إخراج المحافظين الجدد من مواقع صنع القرارالتي كانوا يستولون عليها في واشنطن أثناء إدارة بوش. وقد وقف هؤلاء، جميعا، ضد أوباما والديمقراطيين. وقد ذكر جهاد الخازن في مقال له في جريدة الحياة مؤخرا بعضا من الذين كانوا أشد تأثيرا في الإعلام، ومنهم وليام كريستول في الويكلي ستاندرد، وحليفه أرنون ميشكين في نفس الجريدة، والصهيوني دانييل بايبس وهوروفيتش. وقد رأينا ديك تشيني يدافع عن ماكين أثناء الانتخابات؛ ونائبته سارة بيلين واتهاماتها أوباما بكونه إرهابيا أو مسلما أو اشتراكيا وهكذا. وينضوي تحت لواء المحافظين الجدد آخرون كثيرون تساندهم مجموعات ضغط، تقف منظمة الإيباك على رأسها، أثرت في مواقف أمريكا من قضايانا؛ كما أوصلوا أمريكا للورطة المتعددة الجوانب التي تعاني منها اليوم. وقد أعلن أوباما أثناء حملته الانتخابية بأنه سيحد من سلطة مجموعات الضغط هذه. ثانيا، يعتبر أوباما، من قبل الذين عرفوه عن قرب وتعاملوا معه، مثقفا كبيرا لم يصل مثله للبيت الأبيض منذ 150 عاما على أقل تقدير. فهو شخصية كارزمية واثق من نفسه، متماسك سياسيا يحرص على رؤية الحقائق مباشرة ودون وسيط كما هي على الأرض. وقد لوحظ بأنه قادر على الخروج من الدائرة الضيقة حين يُوضع في واحدة فيقف خارج محيطها ليمسك بزمام الأمور التي يديرها باتجاه موقفه المتسم دائما بنظرة أشمل وأصح خلقيا. مثل هذا الشخص لن يستطيع أحد خداعه في حقيقة أن إسرائيل دولة احتلال تستخدم التمييز العنصري منهجا وتمارس الأبارثهايد ضد الفلسطينيين وتخرج على القانون الدولي والإنساني خروجا سافرا. ثالثا، يظن البعض أن مثل هذا التقييم لا يتفق وتعيينه رحم إيمانيويل رئيسا لموظفي البيت الأبيض وهوابن لأب إسرائيلي وتطوع في خدمة الجيش الإسرائيلي في حرب الخليج الثانية سنة 1991. يعني التساؤل، بطبيعة الحال، أن إيمانيويل سيكون هو الرئيس الأمريكي فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي. بمعنى أن أوباما سيكون أسيرا لرأي رئيس موظفيه. وفي هذا ظلم للرئيس أوباما ولثقافته وقدراته غير العادية التي يعترف بها الجميع. لا يحمل مثل هذا الرأي سوى بعض العرب الذين يبحثون عن سبب لليأس يريحهم من العمل المتواصل للتأثير في الأحداث. رابعا، من المفيد الانطلاق من مقولة أن سياسات التغيير التي يطرحها أوباما سياسات جدية، والتصرف وفق ذلك؛ وأنه يستهدف تصحيح الصورة السيئة لأمريكا، التي صنعتها إدارات المحافظين الجدد، وخاصة في منطقتنا؛ وأن الطريقة المثلى لتصحيح الصورة هي في اعتماد واشنطن سياسات توازن المصالح بينها وبين دول العالم. لا يجب أن تكون أمريكا سوى مشروع دولة صديقة للعرب مطروح عليهم تنفيذه. القعود عن ذلك، أو رفضه، يصب في خدمة إسرائيل ويمينها المتطرف. عن صحيفة الرأي الاردنية 15/11/2008