"إن التصريحات الأخيرة لوزيرة الخارجية الأمريكية واكبتها تغطية إعلامية غير مناسبة، إلا أنها لا تترجم سياسة مختلفة من قبل إدارة أوباما، وسياسة حكومة الولاياتالمتحدة منذ عقود هي: كفي استيطانًا والأمر ليس جديدًا علي هذه الإدارة". هكذا تحدث روبرت جيتس المتحدث باسم البيت الأبيض، وهكذا اضطر أن يتحدث ليزيل الالتباس الذي اكتنف التصريحات التي أدلت بها هيلاري كلينتون في إسرائيل التي وصفت فيها التجميد الوهمي للاستيطان بأنه إجراء غير مسبوق يستحق نتانياهو التحية عليه، وهو ما عادت وكررته بألفاظ أقل عاطفية في المغرب أيضًا. وتصريح المتحدث باسم البيت الأبيض يثير سؤالاً حول التنسيق ما بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية، خاصة في ظل أقاويل كثيرة متناثرة هنا وهناك تلقي بظلالها حول هذا التنسيق، فحينما يضطر المتحدث باسم البيت الأبيض لأن يدلي بتصريحات يوضح فيها تصريحات لوزيرة الخارجية فهذا معناه أن شيئًا خطأ في علاقة البيت الأبيض بالوزيرة. ويزيد من ذلك ما يتعمد أن يقوله المقربون من أبومازن حول ضيقه من السيدة هيلاري كلينتون بسبب ما لديه من معلومات من أنها هي التي أقنعت الرئيس الأمريكي أوباما بأن يخفف موقفه من مسألة تجميد الاستيطان والقبول بالتجميد الوهمي أو الجزئي والناقص. ومن المعروف أن هيلاري كلينتون حينما كانت تخوض المنافسة مع أوباما للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للترشيح للرئاسة الأمريكية لم تكن تشاطر منافسها آراءه حول منطقة الشرق الأوسط، خاصة قضايا الصراع العربي- الإسرائيلي وقضية الملف النووي الإيراني، ولا كانت تشاطر أوباما حماسه الذي أظهره للانفتاح علي العالم الإسلامي.. وهذا يعني أن ثمة اختلافًا في الرؤي والتوجهات والآراء بخصوص قضايا الشرق الأوسط. وقد بدا ذلك واضحًا منذ أن دخل أوباما البيت الأبيض ومارس صلاحياته كرئيس للولايات المتحدة، فهو حرص علي أن يتصدي بنفسه للقضايا الرئيسية المؤرقة لأمريكا ابتداء من العراق وانتهاء بالصراع العربي- الإسرائيلي، مرورًا بالملف النووي الإيراني. وكان لافتًا للانتباه أن أوباما سارع بتعيين مبعوث أمريكي في منطقة الشرق الأوسط أخذ علي عاتقه شخصيا إدارة المباحثات والمفاوضات بين الأطراف المختلفة في الملتقي، كما أن المقايضة بين العرب والإسرائيليين الخاصة بتجميد الاستيطان والتطبيع الجزئي الذي طرحها هو الرئيس الأمريكي أوباما. وخلال زيارتها الأخيرة التي كانت الأولي لإسرائيل بدا أن السيدة هيلاري كلينتون تتعامل بود ظاهر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو الذي لم يستطع الرئيس أوباما أن يخفي ضيقه منه.. ففي الوقت الذي أسهبت فيه هيلاري في الإشادة بنتانياهو فإن أوباما حرص علي أن يؤخر رده نحو الثلاثة أسابيع علي طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي الالتقاء به في واشنطن أثناء حضوره المؤتمر السنوي للمنظمات اليهودية، كما حرص أوباما علي أن يحظي هذا اللقاء بأقل قدر من التغطية الإعلامية. هناك إذن تفاوت واختلاف في أسلوب كل من أوباما وهيلاري كلينتون في التعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.. ظهر هذا الخلاف في تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية التي اضطر المتحدث باسم البيت الأبيض لتقديم إيضاحات لها، يحاول بها طمأنة العرب والفلسطينيين الذين أثارت تصريحات هيلاري انزعاجهم. ونحن لا نتوقع بالطبع ألا تكون هناك خلافات في الرؤي داخل الإدارة الأمريكية، بل إننا ندرك أنها موجودة بالنسبة لكل القضايا التي تخص منطقتنا.. ولكن ما يهمنا هو مواقف أمريكية عملية متوازنة تؤكد أنها تسعي لتحقيق سلام في منطقتنا وسلام دائم والأهم عادل.