أسباب الحروب الدينية في القرن الحادي والعشرين! سليم نصار صيف 2003 أصدر اوري افنيري، مؤسس «كتلة السلام» في اسرائيل، كتاباً جمع فيه مقالاته المختارة حول النزاع في فلسطين. وركز في معظم مقالاته على موقف الولاياتالمتحدة المنحاز لاسرائيل، معتبراً أن الدولة الكبرى وصنيعتها الصغرى تتماثلان في الماضي والحاضر. والشاهد حسب رأي افنيري أن اسرائيل تعامل الفلسطينيين، أصحاب الأرض، مثلما عامل الأميركيون الهنود الحمر، أي بإبادتهم أو دفعهم الى الهرب والنزوح. واتهم افنيري أوروبا بأنها صمتت طويلاً بسبب عقدة ذنب «المحرقة». وبدلاً من أن تتدخل لإحقاق الحق، وتثبيت العدالة، تخوفت من شبح «اللاسامية» وسمحت لضحايا النازية بأن يكرروا جرائم مضطهديهم. وأمام هذا الحائط المسدود، يعترف المعارض الاشكنازي الأصل، بأن المراهنين على غلبة قوة التطرف الديني انتصروا على طالبي الحوار من كلا الجانبين. ومن هذا الواقع اندلعت الانتفاضة الثانية وتفككت «كتلة السلام» في اسرائيل. علماً بأن اوري افنيري كان أول اسرائيلي يتجرأ على لقاء ياسر عرفات متحدياً الحظر الرسمي. وقد زاره في بيروت المحاصرة سنة 1982. ثم زاره في مقره المحاصر في رام الله شتاء 2002. منذ سنة تقريباً دل استطلاع رأي أجري في اسرائيل، ان ما لا يقل عن 36 في المئة من اليهود، يعتبرون أنفسهم أفضل شعوب العالم قاطبة، حيث أنهم الأكثر ذكاء وتفوقاً وقدرة ونجاحاً. وعلق المذيع وهو يقدم النتائج، بقوله: إن اليهود يحملون أفكاراً عنصرية معيبة لأن 40 في المئة منهم يؤيدون إقدام الجيش على احتلال أراض عربية في فلسطين وسورية والأردن ولبنان. ويرى الكاتب والمؤرخ اسرائيل شاحاك، ان هذه الآراء تكدست عبر السنين وأصبحت من المؤثرات الايديولوجية العميقة. وهو يروي في كتابه الشهير عن «تاريخ الديانة اليهودية»، حادثة استثارته ودفعته الى الاحتجاج والاعتراض. قال: «شاهدت بأم عيني يهودياً متعصباً يرفض السماح باستعمال هاتفه يوم السبت لاستدعاء سيارة إسعاف لفلسطيني انهار في ضاحية مجاورة للقدس. وبدلاً من أن أنشر الحادثة في الصحف، طلبت اجتماعاً مع عدد من أعضاء المحكمة الدينية في القدس، وسألتهم عما إذا كان هذا السلوك يتوافق مع تفسيرهم للتعاليم الدينية اليهودية. وأجابوا بأن اليهودي كان مصيباً في تصرفه وتقياً. ودعموا حججهم بالاشارة الى مختصر معتمد للقوانين التلمودية». بعد نشر هذه الفضيحة في الصحف، أصدرت المحكمة المدنية حكماً يسند حكم المحكمة الدينية، مفاده: إن انتهاك حرمة السبت مصرح به فقط إذا كان من شأن نتائج الرفض تعريض حياة اليهود للخطر. واستنتج شاحاك، أن الغطاء السياسي العلماني الذي تختبئ تحته العقيدة اليهودية، ليس أكثر من مجموعة قوانين تلمودية تنظم علاقات اليهود مع غير اليهود. من هذا المنطلق يمكن فهم ممارسات التمييز العنصري التي يتسم بها الحكم الاسرائيلي للمناطق المحتلة. وعندما تستخدم الدوافع الدينية لتغذية العنصرية والتمييز وكره الغير وكل المؤثرات الموجهة ضد غير اليهود، تصبح شكلاً من اشكال «اللاسامية»، لهذا كان مبدأ كون اسرائيل «دولة يهودية» ذا أهمية فائقة لدى بناة الدولة. وعندما ظهرت أوائل الثمانينات، أقلية يهودية تعارض هذا المفهوم، صدر قانون دستوري، سنة 1985، يحظر على أي حزب معارضة هذا المبدأ، ان يشارك في انتخابات الكنيست. عقب احتلال العراق من قبل القوات الأميركية، أجرى مراسل صحيفة «صانداي تايمز» جون سوان، حديثاً مع روبرت ماكنمارا حول الذرائع القانونية التي تبناها جورج بوش، للقيام بهذه المغامرة. وقال المراسل انه اختار ماكنمارا لكونه خدم في إداراتي جون كينيدي ولندون جونسون، طوال حرب فيتنام. لذلك استوضحه عما إذا كانت اسباب الحربين متشابهة. وفوجئ المراسل سوان بالجواب الذي أعطاه الوزير السابق، كأنه يعتذر عن الماضي ويطالب بتصحيحه. قال له: ان جورج بوش لا يختلف كثيراً عن كينيدي أو جونسون من حيث مفهومه لفكرة الرسالة الخاصة التي صبغت المبادئ الاميركية بالصبغة الايديولوجية. فالثلاثة يعتقدون ان الولاياتالمتحدة هي وطن فريد ومميز ورائع واستثنائي. والمؤسف ان القيادات الاميركية، غرست في عقول الشعب مفهوماً خاطئاً خلاصته ان الديموقراطية الاميركية هي صناعة خاصة يجب تصديرها الى سائر الشعوب ولو عن طريق القوة. وقد نتج عن هذا الشعور بالتفوق والاستعلاء، تطرف جامح بضرورة استخدام القوة العسكرية من أجل ايصال الرسالة. وهذا ما يفسر اعتماد مبادئ الانجيلية الأصولية من قبل جورج بوش، متذرعاً بأهمية نشر الديموقراطية في العراق بعد صدام حسين. ويستنتج من هذا الكلام، ان ماكنمارا كان يدعو الى الغاء هذه الذرائع التي تنتج العداء لبلاده بحيث تتخلص من وطأة عقدة التشاوف. وهذا ما اقترحه افنيري كحل لوقف العمليات الانتحارية الفلسطينية. وهو يرى أن ظاهرة «الإرهاب» لا يمكن التخلص منها من دون علاج سياسي لأسبابها. وعليه نصح بأن التخلص من «القاعدة» يكون بإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية - الاسرائيلية ولسائر المشاكل المعلقة في الشرق الأوسط. حول هذا الموضوع، أصدر الوزير اللبناني السابق جورج قرم كتاباً بالفرنسية عنوانه: «المسألة الدينية في القرن الحادي والعشرين». وقال إنه لا يجوز حصر موجة العنف بالإسلام الأصولي، لأن الإسلام ليس قومية وليس مكاناً معيناً. الإسلام هو دين يتصف بالعالمية كالمسيحية. وفي ضوء هذه الحقيقة، دعا قرم الى البحث عن أسباب «الإرهاب»، خصوصاً في الشرق الأوسط. وقال إنها موجودة في الاحتلال العسكري الغربي لشعوب المنطقة... وفي الاستعمار الصهيوني لفلسطين... وفي سوء التوزيع الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة. وعن الأصولية المسيحية، كتب جورج قرم يقول: إنها متمثلة بالمحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة، وبمعتقداتهم الداعية الى حرب الحضارات عن طريق استنفار الصراع الديني. من المؤكد أن الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا واسبانيا والمانيا وهولندا، بدأت تشعر بالقلق من تنامي تيارات المعارضة التي تتخذ من الجاليات المسلمة مصدراً للتطرف والشغب. وقد سبق لاسبانيا اذ نظمت سنة 2005 مؤتمراً في قرطبة كان الهدف منه تشجيع مبادئ التعايش والحوار. وفي أكثر من مناسبة عقد رئيس وزراء بريطانيا غوردون براون، اجتماعات مع زعماء الجاليات الاسلامية بغرض التنسيق معهم حول طرق الاندماج وتجنيب الشباب الانزلاق نحو نشاطات غير شرعية. ومعنى هذا ان مساعي الحكومات الاوروبية منصبة على تصحيح الانطباعات الخاطئة ومواجهة موجة التطرف عن طريق الحوار والاحترام والفهم المتبادل. بعد الاعلان عن موعد مؤتمر حوار الأديان الذي عُقد برعاية الأممالمتحدة، وبمبادرة من الملك عبدالله بن عبدالعزيز، قامت القوات الاسرائيلية بعملية دهم لطرد سكان 28 منزلاً في حي الشيخ جراح الواقع شرق القدس. وكانت وكالة غوث اللاجئين قد ساعدت على بناء هذه البيوت مطلع الخمسينات بعد طردهم من منازلهم. واللافت ان الوكالة استأجرت الارض من الحكومة الاردنية. ولكن محكمة العدل العليا الاسرائيلية أصدرت قراراً بإخلائها. إضافة الى هذه الإجراءات الاستفزازية المتواصلة، فإن سلطات الاحتلال قامت الشهر الماضي بافتتاح أكبر كنيس على بعد خمسين متراً من المسجد الأقصى. وناشد وزير الأوقاف الفلسطيني جميع المنظمات الدولية والاسلامية، التدخل لوقف هذه الممارسات التي تؤسس لانتفاضة ثالثة. ويرى بعض المحللين ان توقيت هذه التعديات مرتبط بعملية تعكير الأجواء السياسية في المنطقة قبل مغادرة جورج بوش البيت الابيض. ويعتبر آخرون ان الهدف من رفع حدة الاستفزازات من قبل اسرائيل، هو محاولة استكشاف موقف الرئيس الجديد باراك أوباما، من مستقبل القدس. اي من المسألة التي بقيت غامضة في نظر أولمرت وليفني ونتانياهو، لأن أوباما وعد بدعم بقاء القدس عاصمة موحدة لاسرائيل، ثم تراجع عن وعده أمام موجة الاحتجاج، معتبراً ان هذه المشكلة متروكة للتفاوض! عن صحيفة الحياة 15/11/2008