هل يمكن انتشال باكستان من الهاوية؟ خيرالله خيرالله هل لا يزال في الأمكان انتشال باكستان من الهاوية التي أوصلها إليها الجهل والتطرف الديني والانفجار السكاني؟ ذهبت بنازير بوتو ضحية رفضها أن تأخذ علماً بالتدهور الذي طرأ على الوضع الداخلي في بلدها وسقوطها في هاوية الإرهاب التي تعتبر نتيجة طبيعية للجهل والتطرف الديني والانفجار السكاني الذي لا ضابط له. ذهبت ضحية رفضها ذلك، متغاضية عن خطورة ما شهدته باكستان في السنوات الأخيرة من تحولات على الصعيد الداخلي بدأ الأميركيون يتحدثون عنها في الأسابيع القليلة الماضية عبر وسائل الأعلام... وكأن لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بما آل إليه وضع البلد منذ فترة لا بأس بها. في أواخر أكتوبر الماضي، وعلى نحو يترافق مع عودة بنازير إلى كراتشي من منفاها في دبي وتعرضها إلى محاولة اغتيال أسفرت عن مقتل نحو مئة وأربعين شخصاً، نشرت مجلة «نيوزويك» تحقيقاً عن باكستان. اختارت المجلة الأميركية أن يكون عنوان غلافها الآتي: «إن الأمة الأخطر في العالم ليست العراق... إنها باكستان». ما يطرحه اغتيال بنازير بوتو، ابنة العائلة الإقطاعية، يتجاوز بكثير شخصية المرأة المثقفة التي درست في هارفارد وأوكسفورد والتي لعبت دوراً محورياً في الإطار الباكستاني الداخلي، خصوصاً في مرحلة ما بعد إعدام والدها في العام 1979. ما هو على المحك الآن ومنذ أشهر عدة مصير باكستان، حيث الأجهزة الأمنية التابعة للدولة تعمل لحسابها الخاص. كيف يمكن للأجهزة الأمنية لدولة ما أن تفشل في حماية شخصية وطنية وهي على علم تام بأن هذه الشخصية مهددة؟ ألا يعني ذلك أن باكستان لم تعد دولة قابلة للحياة بعدما صارت الأجهزة الأمنية فيها دولة داخل الدولة، وصار ولاؤها لجهات لا تؤمن بالدولة ولا بالخط السياسي الذي تتبعه؟ تولت بنازير موقع رئيس الوزراء في العام 1988 ولم تكن تجاوزت وقتذاك الخامسة والثلاثين من عمرها، وعادت إلى الموقع في العام 1993 لتخرج منه بعد ثلاث سنوات في ظل اتهامات بالفساد ظلت تلاحقها إلى ما قبل فترة قصيرة. كان مطلوباً أن تبقى ابنة ذو الفقار علي بوتو خارج باكستان. لم يسمح لها الرئيس برويز مشرف بالعودة إلا بعدما تأكد أنه لم يعد قادراً على سد المنافذ الحدودية في وجهها. كان واضحاً أن بنازير مصرة على تحدي الإرهاب بعدما بدأت تدرك خطورته على مستقبل باكستان. بدت مشكلتها واضحة. إنها تكمن في أنها لم تستوعب أن السنوات الثماني التي أمضتها في الخارج كانت كفيلة بتغيير طبيعة المجتمع الباكستاني. لم يعد مقبولاً أن تخوض امرأة الأنتخابات وأن تصير رئيساً للوزراء في المستقبل القريب. عادت بنازير وفي ذهنها أن باكستان لم تتغير وأن باكستان في 2007 هي باكستان العام 1988 عندما تولت رئاسة الوزارة للمرة الأولى منتقمة لوالدها الذي أعدمه ضابط اسمه ضياء الحق وثق به ذو الفقار علي بوتو فرقّاه وقدمه على الضباط الآخرين وجعله رئيسا للأركان. حصل ذلك، قبل أن يرد له ضياء الحق الجميل بخلعه من موقع رئيس الوزراء وسجنه وإعدامه... استناداً إلى اتهامات أقل ما يمكن أن توصف به أنها مركّبة. مع اغتيال بنازير بوتو التي يظهر أنها رفضت تصديق أن المجتمع الباكستاني تغير إلى حد كبير، لم يعد فيه مقبولاً أن تكون هناك امرأة في موقع رئيس الوزراء، صار السؤال هل لا يزال في الإمكان إنقاذ باكستان أم فات أوان ذلك؟ تكمن المشكلة، التي كان اغتيال بنازير بوتو أفضل تعبير عنها، في أن باكستان لم تعد باكستان. نشأ جيل جديد من الباكستانيين لا علاقة له بالدولة الديموقراطية التي انفصلت عن الهند، والتي أسسها محمد علي جناح الذي قدم صورة حضارية وحقيقية عن الإسلام، الدين المتسامح الذي يعترف بالآخر ويقبل به. كان الهدف من قيام باكستان وانفصالها عن الهند حماية للمسلمين وليس تحول تلك الدولة إلى ملجأ للمتطرفين الذين لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بالإسلام. للأسف الشديد، شهدت باكستان منذ مجيء ضياء الحق إلى السلطة في العام 1977تغييراً في العمق ترافق في مرحلة لاحقة مع تدفق المسلحين العرب على بيشاور من أجل «الجهاد» في أفغانستان. حصل ذلك ابتداء من مطلع الثمانينات حين تحولت باكستان قاعدة خلفية ل «الجهاد» في أفغانستان. نما في باكستان غول اسمه الاستخبارات العسكرية. صار هذا الجهاز أكبر من الدولة التي اسمها باكستان. إنه الجهاز نفسه الذي سمح بقيام «طالبان» ابتداء من منتصف التسعينات في وقت كانت بنازير رئيساً للوزراء ومن دون معرفتها بما يفعله ضباط الجهاز. سيطرت «طالبان» تدريجياً على أفغانستان، بمباركة أميركية، بحجة أن هناك حاجة إلى استقرار في هذا البلد الجار، وأنه لا بد من إقامة طرق آمنة لخطوط النفط الذي مصدره جمهوريات آسيا الوسطى المطلة على بحر قزوين... من دون المرور بالأراضي الروسية. لم تكن «طالبان» سوى نتاج للاستخبارات العسكرية الباكستانية. لم تكن سوى نتاج للمدارس الدينية في باكستان التي خرجت مئات الآلاف من أشباه الأميين الذين صاروا، بدعم أميركي وغير أميركي، في خدمة أسامة بن لادن. في العام 2001، في الحادي عشر من سبتمبر من ذلك العالم تحديداً، حين انقلب السحر على الساحر. تبين أن أفغانستان التي أصبحت في عهدة «طالبان»، بمباركة باكستانية وأميركية أولاً، ملجأ آمناً لكل ما له علاقة بالإرهاب. ما فات الذين دخلوا أفغانستان، من أميركيين وغير أميركيين، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لإزاحة «طالبان» وملاحقة أسامة بن لادن، إثر «غزوتي» نيويورك وواشنطن، أن جذور المشكلة في باكستان. فات هؤلاء أن منطقة الحدود الباكستانية الأفغانية في حاجة إلى من يسيطر عليها في حال كان مطلوباً التخلص من «طالبان» ومن أسامة بن لادن. ما العمل الآن؟ لا شك أن الولاياتالمتحدة التي تعاني من المأزق الأفغاني اكتشفت بعد اغتيال بنازير بوتو أن لا علاج حقيقياً وفي العمق للوضع في أفغاستان من دون التعاطي مع المشكلة التي اسمها باكستان. لا يكفي القول أن الرئيس الباكستاني برويز مشرف مهدد من الإرهابيين، وأنه معرض يومياً للاغتيال لتأكيد أنه على استعداد لمواجهة مشاكل البلد. لا بد من العودة إلى الجذور، أي إلى المدارس الدينية التي حوّلت المجتمع الباكستاني مصنعاً للإرهاب والإرهابيين. باكستان الحالية لم تعد لها علاقة بباكستان مؤسس الدولة الليبرالي محمد جناح. هناك «طالبان» في باكستان. هناك ما يمكن تسميته «طالبان» باكستان، أي الأجهزة التي صنعت «طالبان». إنها الأجهزة نفسها التي قتلت بنازير بوتو. هل في الإمكان أنقاذ باكستان من نظام «طالبان»؟ أم أن المجتمع في هذا البلد الذي يمتلك السلاح النووي لم يعد قابلاً للإصلاح بعدما انتشرت ظاهرة المدارس الدينية وبعدما اخترق المتشددون والمتطرفون الأجهزة الأمنية، بل صاروا يشكلون العمود الفقري للأجهزة الأمنية، أي أنهم دولة أقوى من الدولة في باكستان... بل الدولة الفعلية في باكستان؟ لا شك أن علاج المشكلة الباكستانية سيكون أكثر صعوبة من معالجة مشكلة «طالبان» في أفغانستان. ستكون حاجة أميركية، وحتى بريطانية، إلى الذهاب إلى الجذور، أي إلى محاولة إصلاح مجتمع ربما لم يعد قابلاً للإصلاح. عن صحيفة الرأي العام الكويتية 29/12/2007