هل تشعر بالإحباط؟.. سؤال لم يعد فى حاجه إلى إنتظار إجابات شفهية،لاسيما بعدما بات يكفي فقط التوقف لإلقاء نظرة سريعة على وجوه جميع من حولنا سواء فى المنزل أو الشارع أو وسيلة المواصلات أو العمل.. من الأهل أو الأقارب أو الأصدقاء أوالجيران، وببساطه شديدة سنجد إنه قد أصبح سمة جديدة من سمات الوجه المصرى الحديث، التى يستطيع أى شخص إستنباطها بسهولة نظرا لمدى وضوح أعراضها وتأثيراتها على الجميع مع إختلاف الأعمار والمستويات التعليمية والطبقات الإجتماعية.. كبار أو صغار.. شيوخ و شباب..
الكل أصبح يشعر به. بل وللمزيد من التأكد حاول إنتهاز أى فرصة للتوقف فى أى مكان وطرح أية قضية متعلقة سواء بشأن داخلى أو خارجى للمناقشة.. فلن يصلك إلا هذا الإحساس، وهو ما يطرح السؤال الأخر: لماذا هذا الكم من الأحباط المترسب فى النفوس؟!!!..
الحقيقة تفيد أن الشعور بالإحباط لا يأتى وليد اللحظة ولا ينمو فى الفراغ، لكنه نتاج مجموعة من الأسباب المتداخلة والمتشابكة، التى ترتبط إرتباطا وثيقا بطبيعة المناخ العام داخل البيئة المحيطه به، وهو ما يؤكده علم النفس، الذى يشير إلى إنه تلك الحالة التي تواجه الفرد عندما يعجز عن تحقيق رغباته بسبب عائق ما.
وقد يكون هذا العائق خارجيا كالعوامل المادية والاجتماعية والاقتصادية أو قد يكون داخليا كعيوب نفسية أو بدنية أو حالات صراع نفسي يعيشها الفرد تحول دونه ودون إشباع رغباته ودوافعه..
وبالنظر إلى الواقع المحيط نجد بالفعل العديد من المشاهد التى تؤكد هذا العجز، منها على سبيل المثال لا الحصر إرتفاع نسب البطالة مع إنخفاض سقف الطموحات الفردى ومن ثم الجماعى، وتنامى ظاهرة الهجرة الغير شرعية مع تردى الأوضاع المعيشية وبالأخص الإقتصادية، ذلك فى ظل إنهيار مؤسسات التنشئة الإجتماعية وأبرزها الأسرة التى أصبحت تعانى التفكك وإفتقاد التواصل ما بين أعضائها، كذا سقوط المنظومة التعليمية والتربوية تحت شعار(لا تربية.. ولا تعليم).
ضف إلى ذلك إنتشار مظاهر السلبية واللامبالاة مع إنخفاض نسب المشاركة المجتمعية فى شتى مناحى الحياة كنتيجة مباشرة لضعف درجة الإنتماء لدى بعض الشباب من شرائح المجتمع المختلفة، ذلك فى إنعكاس واضح لإنتشار العديد من المظاهر والظواهر الغريبة والمتطرفة الخارجة عن السياق التاريخى العام للمجتمع المصرى، التى أحدثتها مجمل التطورات والمتغيرات السريعة الغير مسبوقة المارة بالمجتمع خلال السنوات الماضية، وساهمت فى إصابة منظومة القيم الإجتماعية الموروثة بخلل كبير ظهر جليا فى غلبة القيم المادية فى المجتمع والنظر للمال على إنه الالية التى تمكن الفرد من تحقيق طموحاته وإشباع حاجاته بغض النظر عن مصدره، وتغليب روح الفهلوة بدلا من روح العلم.
تسلل الشعور بالإحباط إلينا ومن رواء ظهرانينا عبر العديد من أوجه القصور، التى تولدت نتيجة تراكمات طبيعية لتطبيق أشباه السياسات والخطط المرحلية التى لم ترتقى لتستوفى أى من متطلبات المرحلة المنشوده.. عبر قوانين مليئة بالثغرات ليستفيد منها المجرمون وأصحاب النفوذ والسلطة.. إعلام "لا يشفع ولا ينفع" ويضر لا يفيد.. عبر صفر المونديال.. عبر طوابير العيش والبنزين والآلاف من مرضى التأمين الصحى - هذا المشروع العظيم الذى نفخر بأننا البلد الوحيد الذى يطبقه!!- فى إنتظار العلاج.
وجد الطريق مفتوح أمامه من خلال سياسة تبوير الأراضى وتجفيف البحيرات وردم الترع والمصارف وتحويلها إلى مقالب زباله مع إنتشار الأغذية المسرطنه..عبر تغليب المصلحة الشخصية على العامة واستشراء الفساد والغش والسرقه وسيادة الغير موهبين من فاسدى الذمم وبائعين ضمائرهم..
وهذا الكم من الإحباط المتولد جراء ما ذكر هو ما أوجد التربة الخصبة لنمو بذرة الإرهاب الخبيثة بكافة أشكاله ومختلف أنواعه وصوره فى المجتمع مثل إنتشار البلطجة و إرتفاع معدل الجريمة وإدمان المخدرات..إلخ.
\فالإرهاب هو مرادف للإحباط، الذى هو مرادف للإحساس بالظلم.. والظلم يولد الإنفجار، وهى حقيقة وتأكيد على ما ذكرناه. فالإحباط هو شعور بأن كل ما تفعله وما تقوله يساوى لا شىء..وأن هدفك فى الحياة.. لا شىء. إنه لا شىء.. يسعدك أو يحزنك أو يرضيك، بل ولا تستطيع أن تفعل أى شىء تجاه كل هذا..
أنا هنا لا أرتدى ثوب المحقق لأوجه أصابع الإتهامات إلى أى أحد أيا كان .. ولا أدعى كونى عالم نفسانى يمتلك مفاتيح فهم النفس البشرية، لكن فقط أحاول الوقوف للإشارة إلى ما أعتبره المنبع الرئيسى لمختلف ما نعانيه، ومن ثم ضرورة التعرف على كيفية تجفيفه وتحويله إلى قوة دافعة للنجاح، ذلك من أجل قطع الطريق على من يتخفون وراء أحصنة طروادية..
ذئاب يتسللون من وراء ظهرانينا كلما سنحت لهم الفرص متخفين بثياب الحملان، قاصدين عمدا وعن سابق تصور نحر رقابنا، وبقر بطوننا ووضع اليد على ممتلكاتنا، وتدنيس كل ما هو طاهر لدينا، وزيادة معاناتنا.