الانتخابات والديمقراطية حسين العودات لم تمارس معظم مجتمعاتنا العربية الديمقراطية بمعناها الحديث والمعاصر منذ قيام دولها المستقلة، ولم نستطع إحداث تراكم في ثقافتنا الديمقراطية كي تصبح سلوكاً فردياً وأسرياً واجتماعياً وسياسياً، ولم تتح معظم أنظمتنا السياسية الفرصة للحريات الفردية كي تؤدي مهمتها وتساعد على بناء هذه الأنظمة على أسس ديمقراطية .
وتبرر معاداتها لها بذرائع متعددة ليس آخرها ادعاء الخصوصية والحرص على التقاليد والقيم الخاصة بنا والتي تكونت تاريخياً وتجاهل القيم الإنسانية العامة والأسس العامة للدولة الحديثة والبناء السياسي الحديث وخلاصة ما توصل إليه التطور الإنساني في هذا المجال.
لهذا فإن المواطنين في مجتمعاتنا وربما أيضاً بعض القوى والأحزاب السياسية وبعض الشرائح الاجتماعية وأحياناً قطاعاً من النخب الثقافية فهمت الديمقراطية على أنها إجراء انتخابات لاختيار ممثلي الشعب فقط وصار النظام السياسي الذي يعقد انتخابات دورية في بلادنا يزعم بصريح العبارة وبالصوت الملآن أنه نظام ديمقراطي ينسجم مع معايير الدولة الحديثة ومتطلباتها.
ولكننا نلمس بالتجربة الواقعية أن هذه الانتخابات لا تحقق الديمقراطية ولا توصلنا إلى المجتمع الديمقراطي أو الدولة الديمقراطية، ولذلك بدأت شرائح عديدة من مجتمعاتنا لا ترى في هذه الديمقراطية المزعومة خيراً ولا تجد فيها حلاً لأية مشكلة من مشاكل هذه المجتمعات، لأنها لم تغير في بنية الأنظمة السياسية التي يمكن القول عنها إنها ليست ديمقراطية رغم هذه الانتخابات.
إن الأسس النظرية للديمقراطية تقضي أن الانتخابات هي المرحلة الأخيرة من مسيرة بناء الديمقراطية وبالتأكيد ليست هي الديمقراطية، ولاينبغي اعتبارها كذلك وإن اختلف شكلها وطرق تطبيقها وأدوات هذا التطبيق من بلد إلى آخر حسب ظروفه وتقاليده ولا تتجاوز الخصوصية في الواقع هذا الإطار، أما الديمقراطية الحقة فإنها ممارسات عديدة ومتتالية وأكثر تعقيداً وغنى وتنوعاً مما يعتقده بعضنا، فهي إرادة مجتمع بالدرجة الأولى، وتشكيل وعي، وتأسيس ثقافة.
وإقرار مفاهيم جديدة لمضمون الدولة ودورها في حياة المجتمع واحترام دور منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وتنافسها وتنوع برامجها وتمكينها من الضغط على الحكومة والمجتمع وإدارة الدولة، والاتفاق على عقد اجتماعي واضح وشامل يحترم حقوق الأفراد والشرائح الاجتماعية وينظم العلاقة بينها وبين الدولة (ويحدد وظيفة الدولة) ويعبر الدستور كإطار قانوني عن العقد الاجتماعي ويحقق توازن السلطات واستقلاليتها ويحترم صلاحيات كل منها.
وعند توفر هذه المعايير والشروط والظروف والقوانين والتقاليد والثقافة والسلوك نصل إلى الديمقراطية الحقة ويتشكل بالضرورة تلقائياً وعي بها وسلوك ديمقراطي ومناخ حاضن لهذه الديمقراطية، وتكون الانتخابات عندها معبراً حقيقياً عنها وجزءاً لا يتجزأ منها، وليس إجراءاً شكلياً معلقاً في فراغ لا أسس ولا مقدمات له، تعجز عن التعبير الحقيقي عن العدالة والمساواة والتكافؤ والوصول إلى الحكم الرشيد.
إن توفر هذه المعايير والأسس يمهد الطريق إذا لبناء الديمقراطية، وينبغي توفرها بشكل مستمر ودائم وإبقاء معاييرها قائمة وتفاعلها متصاعداً حتى تستطيع ترسيخ العلاقات الديمقراطية داخل دوائر المجتمع الصغرى والكبرى، من الأسرة إلى المجتمع إلى الحكومة والدولة وإلى مختلف النشاطات. وهذا ما يطمح إليه الديمقراطيون في عصرنا وفي كل عصر.
إن عدم ممارسة الديمقراطية بأشكالها المعاصرة ومفاهيمها الحديثة في مجتمعاتنا حرم الفرد من دوره في بنائها والحفاظ عليها واضطر للخضوع الأبوي للأسرة والطائفة والإثنية وغيرها، وتخلى عن حقه في الاختيار ودوره في تقرير مصيره ومصير مجتمعه، مما أدى إلى إصابة البناء الديمقراطي بثغرات وهنات وجوانب ضعف متعددة.
منها أن الفرد أصبح يتبع مرجعيات ليست متواءمة مع مرجعيات الدولة الحديثة أعني مرجعية المواطنة ومعايير المساواة والتكافؤ والقبول بالمواطن الفرد الحر الذي هو وحده القادر على بناء الديمقراطية وتمثلها، فالمجتمع الديمقراطي هو مجموعة أفراد لا مجموعة قوى أو تكتلات أو مرجعيات. عن صحيفة البيان الاماراتية 8/11/2008