الأزمة المالية والانتخابات الأمريكية أحمد السيد النجار في أي انتخابات أمريكية يحتل الاقتصاد مكانة بالغة الأهمية في تحديد خيارات الناخبين, وهو أمر تم التحايل عليه في الدورتين الانتخابيتين الأخيرتين من خلال إثارة هوس الأمن ومواجهة الإرهاب, لكن الحزب الجمهوري ومرشحه الذي افلت من العقاب الجماهيري علي سياساته الاقتصادية في الدورتين الماضيتين يواجه هذه المرة آثار سياساته الاقتصادية التي تفجرت في صورة أزمة مالية واقتصادية عملاقة تشكل حكما تاريخيا علي هشاشة وغباء تلك السياسات, وبرغم أن الطبيعة غير العادلة للنظم الرأسمالية تشكل عاملا أساسيا في توليد دورات الركود التجاري والاقتصادي المتكررة في هذا النظام, فإن هذا لايمنع من أن كل دورة يكون لها كيانها الخاص. وفي هذه الدورة تعتبر السياسات الاقتصادية لإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن, مسئولة بصورة مباشرة عن حدوث هذه الأزمة, فقد قامت علي انعاش النمو الاقتصادي من خلال تخفيض الفائدة لادني مستوي منذ نصف قرن لتشجيع الاستهلاك, وهو نوع من القهر للطبقة الوسطي التي تملك قرابة ثلاثة ارباع الأموال المدخرة في الجهاز المصرفي في الولاياتالمتحدة وفي مختلف بلدان العالم, بما يعني ان انخفاض الفائدة علي ودائعها عن معدل الت ضخم السائد يعني ان الفائدة علي الودائع سلبية, وهو أمر ضاغط علي قدرتها علي تمويل الطلب الفعال. وعند انفجار الأزمة المالية الراهنة في سبتمبر2008, كان سعر الفائدة في الولاياتالمتحدة2.14%, بينما كان معدل التضخم نحو4.5% أي ان الايداعات المصرفية تتآكل قيمتها. كذلك فإن أحد أهم أسباب الأزمة الحالية هو محاولة إيجاد طلب فعال مزيف لتعويض ضعف الطلب الناجم عن سوء توزيع الدخل, وذلك من خلال الإفراط في الإقراض لتمويل الطلب علي السلع والخدمات بصفة عامة وبالذات الطلب علي المساكن دون التدقيق في الجدارة الائتمانية للمقترضين, وعندما عجز المقترضون عن السداد انكسرت حلقة الائتمان وبدأ مسلسل الانهيار المالي والاقتصادي. من ناحية أخري, فان الإدارة الأمريكية المحابية للشركات والرأسمالية الكبيرة, تصورت أنها تخدمهم من خلال التخفيضات الضريبية علي الطبقة العليا, ولكنها بذلك أسهمت في زيادة العجز في الموازنة, وفي تقليل الطلب الفعال علي السلع والخدمات والذي تزداد فعاليته كلما زادت حصة الفقراء والطبقة الوسطي من الناتج المحلي الإجمالي, كما تصورت تلك الإدارة أيضا ان تخفيف الرقابة علي التصرفات المالية للشركات هو في مصلحة الأخيرة, لكنها في الواقع كانت تدفعها للهاوية, لأن رقابة الدولة تضمن سلامة اداء الشركات وتعطي الدولة القدرة علي تصحيح أي انحرافات في الاداء المالي والاقتصادي, فالسوق قد تفقد عقلها لأي سبب, لكن الدور الرقابي للدول وقدرتها علي التدخل هو مايعيد للسوق عقلها طوعا أو جبرا. كذلك فإن المؤشرات المعبرة عن اداء الاقتصاد الأمريكية, تدهورت بصورة خطيرة في عهد الرئيس بوش الابن, وتشير البيانات المالية الأمريكية إلي أن الموازنة العامة للدولة التي حققت فائضا كبيرا بلغ نحو254.6 مليار دولار عام2000, في نهاية عهد الرئيس السابق بيل كلينتون, قد تراجع الفائض فيها إلي92,4 مليار دولار عام2001, ثم تحولت إلي العجز ا لذي بلغ230.5 و396.3 و400.2 و31801 و209.3 مليار دولار في الأعوام2002 و2003 و2004 و2005 و2006, بالترتيب وتشير البيانات الحكومية الأمريكية إلي ان هذا العجز قد ارتفع إلي455 مليار دولار في العام المالي المنتهي في نهاية سبتمبر2008, في ظل تخفيضات الضرائب علي الاثرياء, وتزايد الانفاق العسكري علي نحو هيستيري لتمويل الحرب الأمريكية في أفغانستان والاحتلال الاستعماري الإجرامي للعراق وتصعيد التوتر مع روسيا لإيجاد مبررات جديدة لسباق التسلح الذي يتغذي عليه المجمع الصناعي العسكري الأمريكي. كذلك فإن معدل النمو الاقتصادي الأمريكي الذي حقق في عهد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون, أعلي مستوياته منذ الحرب العالمية الثانية, وبلغ نحو3.7% سنويا في المتوسط خلال السنوات الثماني التي قضاها كلينتون في البيت الأبيض, قد تراجع إلي مستويات متدنية في الأعوام0.8,2001%,1.6,2002%,2.5,2003%, ثم ارتفع في عام2004 إلي3.6%, وتراجع بعد ذلك بشكل متواصل ومنذر بالخطرمسجلا2.9% عام2.8,2005 عام2,2006% عام2007, قبل ان تتدني التقديرات الخاصة به إلي1.6% في عام2008, ونحو0.1% في عام2009. كما ان معدل البطالة الذي بلغ ادني مستوياته مسجلا4% عام2000, في نهاية عهد كلينتون, قد ارتفع تدريجيا مسجلا4.7%,5.8% في أعوام2001 و2002 و2003, علي التوالي, قبل أن يبدأ في التراجع في ظل النمو القائم علي أسس هشة ومزيفة, وسجل نحو5.5%,5.1%,4.6%, في الأعوام2004 و2005 و2006, بالترتيب, لكنه عاد للارتفاع بعد ذلك مع تباطؤ الاقتصاد الأمريكي حتي بلغ6.1% في سبتمبر من العام الحالي. أما معدل التضخم الذي ظل تحت السيطرة فقد بدأ في الارتفاع بقوة حيث بلغ في شهر أغسطس من العام الحالي نحو5.4% مقارنة بنحو2% فقط في شهر أغسطس من العام الماضي, أما الميزان التجاري الأمريكي فقد بلغ العجز فيه نحو848 مليار دولار في الاثني عشر شهرا المنتهية في أغسطس الماضي, كما بلغ العجز في ميزان الحساب الجاري نحو699 مليار دولار في العام المنتهي في نهاية يونيو2008, وهي مستويات من العجز كفيلة بأن تجعل أي دولة تعلن إفلاسها, لكن الولاياتالمتحدة تتغطي بالدولار الذي تستغل وضعيته كعملة احتياط دولية يتم تسوية جانب كبير من المعاملات الدولية بها, لتفرط في الإصدار النقدي غير المغطي بالإنتاج, ولتفرط أيضا في الاقتراض من الخارج من خلال سندات الخزانة الأمريكية التي يتم بيعها للأجانب والتي قادت الولاياتالمتحدة لتصبح أكبر دولة مدينة في العالم حيث بلغت الالتزامات الأمريكية تجاه البلدان الأخري نحو13.6 تريليون دولار منذ عام2005, وبلغ صافي المديونية الأمريكية إذا خصمنا قيمة الأصول الأمريكية في الخارج, من التزاماتها تجاه الخارج, نحو2.6 تريليون دولار, وهو مايوازي تقريبا مديونية كل بلدان العالم المنخفضة والم توسطة الدخل المدينة. كما ان الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي الذي بلغ نحو30.7% من الناتج العالمي عام2000, تراجع في عام2006 إلي27.7% من الناتج العالمي, ولو اخذنا بالناتج الحقيقي بالدولار المحسوب علي أساس تعادل القوي الشرائية, فإن حصة الناتج المحلي الإجمالي. الأمريكي انخفضت من22% عام2000, إلي19.9% من الناتج العالمي في عام2006, كما تراجعت الحصة الأمريكية من الصادات العالمية من13.3% عام2000, إلي8.5% عام2006, مقابل ارتفاع حصة الصين من الصادرات العالمية من6% عام2000, إلي9.8% عام2006. وكل هذه المؤشرات تعني أنه في حالة تثبيت كل العومل غير الاقتصادية, فإن تأثيرات الاقتصاد الأمريكي علي الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تجري خلال أيام ستكون قوية وساحقة لمصلحة المرشح الديمقراطي, وفي غير مصلحة المرشح الجمهوري المثقل بتركة من الإخفاقات المروعة التي حدثت خلال فترتي رئاسة الرئيس الجمهوري بوش الابن. عن صحيفة الاهرام المصرية 30/10/2008