لقد صدق من قال ، مصائب قوم عند قوم فوائد .. ان الارتفاع الحاد والمفاجئ لأسعار العقارات في ليبيا ، لم يكن أبدا سببه الانهيار المالي للرأسمالية الغربية المتمثلة بالولايات المتحدةالأمريكية والشطر الغربي لأوروبا، ولا سببه الإقبال الشديد على العقارات، ولا سببه أيضا عدم تطبيق سياسة تحديد النسل والزيادة المفرطة للسكان ، ولا حتى دخول أعداد كبيرة من الوافدين العرب والأفارقة ، لدولة كل العرب وجميع الأفارقة ، إنما مرد ذلك ربما لثلاثة أسباب أخرى لا غير ، لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بكل ما ذكر..
ولعل أول وأهم هذه الأسباب الثلاثة يكمن بالاتي ... قيام الدولة الليبية بالآونة الأخيرة وعلى نحو مفاجئ ، وغير مدروس ، وربما غير مسبوق ، بتنفيذ مخططات قديمة وأخرى مستحدثة لمعظم المدن الرئيسية بها ، الأمر الذي افقد العديد من المواطنين لمساكنهم ومنازلهم ومحلاتهم التجارية والحرفية وكذلك أراضيهم المعدة للبناء والتي وقعت بمسارات فتح الطرق وتوسعتها ، دون ان تقوم الدولة بتوفير البديل أو التفكير فيه ، مما نتج عن ذلك زيادة غير متوقعة للطلب على مختلف العقارات ، وهو أمر جد طبيعي ، ففي ظل مثل هكذا أحداث وهكذا ظروف أشبه ما تكون بحدوث كوارث طبيعية ، ليس أمام من خسروا عقاراتهم وأملاكهم ، سوى التزاحم على عقارات أخرى أفضل منها أو على الأقل بمثل قيمتها المادية ومكانتها الاستراتيجية ، وهذه الزيادة في الطلب والنوعية ، بطبيعة الحال سيقابلها ارتفاع في ثمن المطلوب ...
أما ثاني الأسباب فيكمن في ذلك الكرم الحاتمي والسخاء اللا معقول الذي اعتمدته الدولة الليبية بخصوص صرف التعويضات عن تلك المساكن والمنازل والمحلات التي هدمت وأزيلت لأجل المصلحة العامة ومن أجل التطوير ، فحتى تضمن الدولة الليبية عدم سخط المتضررين ، وتضمن خضوعهم للأمر الواقع ، بادرت برفع سعر المتر المربع للمسقوف لكل منزل أو مسكن أو محل تجاري أو حرفي تم هدمه إلى (1000) ألف دينار ليبي للمتر المربع الواحد ، دون النظر لحالة المبنى المراد هدمه ، ولا للمكان المتواجد فيه ، بالوقت الذي كان فيه قبل ذلك معدل الأسعار لأفضل المساكن بأرقى الأحياء للمتر الواحد لا يتجاوز (500) خمسمائة دينار ليبي ، وهنا كانت الطامة الكبرى ، فعندما قامت الدولة بصرف التعويضات على هذا الأساس ، فانه من الناحية الاقتصادية والتجارية ووفقا لسعر السوق، تكون قد اعتمدت الحد الأدنى لسعر المتر المربع الواحد ب(1000) دينار ليبي ، فسال بذلك ولذلك لعاب ملاك العقارات وسماسرتها ، وأطلت البرجوازية والرأسمالية العفنة برأسها ، شاحذة أنيابها ، ودست أنفها كعادتها في قلب اللعبة ، وصارت تتلاعب بأرزاق العباد ورقابهم ، كما شأت وكيفما أرادت ، دون أي رقيب أو حسيب ، بل دون حتى إجراءات قانونية صحيحة لمعظم مكاتب سمسرة العقارات، التي فاقت في عددها محلات بيع أجهزة النقال(الموبايل) وكروت شحنها وكذلك دون تسديد ضرائب الدولة والالتزامات المالية المستحقة لها من جراء الأرباح والمكاسب الخيالية التي يجنيها هولاء التماسيح ، فالدولة أولا وأخير هي سبب وجودهم على الساحة ، وهي السبب المباشر فيما هم فيه وعليه من نقمة ..
عفوا ، أقصد ( نعمة ) أي بمعنى أنها شريك ولو بالباطن ، من تم فإنها تستحق نسبة على كل صفقة تتم بين السماسرة وبين الباحثين عن ملاذ آمن ... أما السبب الثالث فهو يتعلق بفئة معينة من الناس ، الذين أغواهم الشيطان ، وأغرتهم الدنيا ، وأعماهم الطمع ، وأبعدهم حبهم الجم للمال عن الله والدين والوطن ، فصور لهم خيالهم المريض بأنهم أصحاب حق بكل الأراضي التي أصدرت الدولة الليبية قرارات بنزع ملكيتها للمنفعة العامة ، واعدت لها مخططات تعميرية ، وأنشأت عليها المدارس والمستشفيات العامة والحدائق والمساكن الشعبية والعمارات السكنية والطرق والكباري ، والنوادي والساحات الرياضية ، وحتى معسكرات الجيش والثكنات الحربية ، ثم نفاجأ وبعد اشتعال لهيب نار أسعار العقارات ، وارتفاع أرقام التعويضات ، وتزايد تكالب السماسرة على كل ما يمكن ان يباع من عقار ، نفاجأ كما أسلفنا بأناس يطالبون الدولة الليبية وأحيانا عن طريق المحاكم بتعويضهم عما يقولون بأنه حقهم المشروع عن نزع ملكيتهم للعقارات التي أقامت عليها الدولة المرافق الخدمية العامة !!!
أو عن تلك التي أقامت عليها الدولة الأحياء السكنية للفقراء والمحرومين ومحدودي الدخل ، أو حتى عن الأراضي التي تم تخطيطها، وتخصيصها للمواطنين الذين ليس لديهم قطع أراضي للبناء عليها بواسطة القروض المصرفية .. إلا ان الغريب والملفت للنظر في آن ، هو ان عدد هولاء الملاك المدعون قليل جدا نسبة لعدد السكان ولمساحات العقارات المنزوعة ملكيتها للمنفعة العامة والداخلة ضمن المخططات العامة للمدن والقرى ، أي أننا لو قمنا بعملية حسابية بسيطة لوجدنا ان هذه العائلات تملك لوحدها عشرات الهكتارات وعشرات ألاف الأمتار المربعة من أراضي الصالحة للبناء ومنها ما هو صالح للزراعة أيضا ، ولكن بحكم التطور العمراني أجهز عليها وأصبحت مزارع أسمنتية وقلاع طوبية ، بل ان بعض هذه العائلات أملاكها العقارية ان صح ذلك موزعة بأكثر من مكان داخل حدود المخطط العام للمدينة الواحدة ، الأمر الذي يثير الاستغراب والريبة معا ، ويجعل سيل من التساؤلات يتدفق بشدة باحثا عن إجابات مقنعة.. هل يعقل ان تملك عائلة واحدة مساحات شاسعة جدا من الأراضي ؟!!!.. وكيف استطاعت تملكها ؟!!!.. وممن اشترتها ؟!!! .. ومنذ متى تملكها ؟!!! .. وبأي سندات ملكية تملكها ؟!!! ..
وهل قاتلت هذه العائلات الغزاة الطامعين الذين تناوبوا على احتلال البلاد من الأتراك والطليان الفاشست والإنجليز والأمريكان ؟!!! .. هل ضحوا بدمائهم وأرواحهم من اجل ما يملكون من أراضي على الأقل ؟!!! .. ثم وفي حالة ما تم تعويضهم ، وربما تم تعويض البعض منهم عن ما يقولون بأنه أراضي تخصهم أقامت عليها الدولة مرافق خدمية ، فهل لهم الحق بالاستفادة من هذه المرافق الخدمية أسوة بالآخرين ؟!!! .. وان كان فعلا ما يقولونه صحيح ، فماذا يملك باقي الليبيين إذا ؟!!! .. وهل يصح ان تكون المواطنة بدون ملكية ، أي بمعنى أنا ليبي ، ولكن لا املك متر مربع واحد من تراب وطني ؟!!! .. وهل من المنطق انه إذا أردت ان املك أمتار قليلة من تراب وطني ، علي ان اشتريها من ليبي أخر يملك عشرات الآلاف من الأمتار المربعة ؟!!! ..
وهل يجوز شرعا وقانونا ان ادفع الثمن مرتين لقطعة ارض واحدة داخل المخطط العام للمدينة ، قد خصصت لي من قبل الدولة بإجراءات قانونية سليمة ، مرة للدولة الليبية إثناء إتمام إجراءات التخصيص لكونها المالكة الرسمية لها ، ومرة أخرى لمن يقول بأنه المالك الأصلي والشرعي لقطعة الأرض هذه ، والتي اغتصبتها الدولة منه دون رضاه ، ودون تعويض عادل ، بحسب سعر السوق طبعا ، وليس السعر الرسمي للمتر الواحد ؟!!! .. وهل فعلا لا يجوز شرعا الصلاة بالمنازل والمساكن التي شيدها أصحابها أو شيدتها الدولة على أراضي يدعي البعض بأنها مغتصبة ؟!!! ..
(( ملحوظة مهمة .. بالفعل لقد قام العديد من الليبيين بدفع مبالغ مالية لمن يقولون بأنهم ملاك الأرض الأصليين ليس خوفا منهم طبعا، ولكن خوفا من ان لا تقبل صلاتهم !!..
والبعض منهم رفض السكن بهذه المساكن لنفس السبب ، ولكونه غير قادر على تسديد ما يطلبه مدعي ملكية الأرض.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم )).. انتهت الملحوظة .. وتستمر التساؤلات .. فهل يحق لهولاء الملاك المدعون إيقاف صرف القروض المصرفية لمستحقيها لكون العقارات المرهونة لتلك المصارف تخصهم بالأصل ويملكونها بموجب حجج قديمة أكل الدهر عليها وشرب ؟!!! ..
وللتنويه ليس إلا ، فقد تم ذلك بالفعل ويمكن مراجعة بعض المصارف بهذا الشأن ... ثم هل يحق لليبيين الذين لا يملكون أراضي سكنية أو زراعية أو حتى رعوية ان يعفوا من أداء الخدمة الوطنية وكذلك من الدفاع عن الوطن في حالة المواجهة مع أي عدو ؟!!! .. أما أن الأرض وقت الحرب والجهاد هي ارض الكل ، ووقت الرخاء والهناء تخص البعض ، والبعض جدا فقط ؟!!! .. وأخيرا وليس آخرا ، يطرح سيد الأسئلة نفسه بقوة ووضوح ، ودون مجاملة أو تملق أو تردد .. من كل هذا ، أين هي سيادة الدولة الليبية وهيبتها ؟!!! .. فهل من مجيب ؟!.