أميركا وإيران: لا حرب قبل الانتخابات هدى الحسيني قال نائب قائد السلاح البحري التابع للحرس الثوري الايراني ان ايران يمكنها ان تدافع عن نفسها، اذا ما هوجمت من «الخليج الفارسي»، بإرسال مجموعات من «الباسيج» للقيام بعمليات انتحارية. جاء تصريحه هذا يوم الاثنين 29 تشرين الاول (اكتوبر) بعد مرور اربعة ايام على القرار الاميركي بفرض عقوبات على الحرس الثوري وبالذات على «فيلق القدس» وعلى الشركات التي يديرها هذا الحرس، اضافة الى مقاطعة مالية لعدة مصارف تملكها الدولة ابرزها «مصرف مللي» و«مصرف صادرات». إن إيران تعيش فترات اتخاذ قرارات تتعلق بكيفية تعاطيها مع الولاياتالمتحدة ان بالنسبة الى العراق، او الى برنامجها النووي، او الى نشاطها الصاروخي، وتتوزع خياراتها ما بين الدخول في مفاوضات جدية مع واشنطن، او الاصرار على مواقفها المتعنتة و«الاعتماد» على المساعدة الروسية لتوفير ضمانات على المدى القصير. ولأن المواقف المتناقضة التي تخرج من واشنطن تزيدها ارباكاً، يبدو ان التهديد الواضح الذي تقدر ايران على اعتماده هو انها اذا ما تعرضت لأي هجوم اميركي، فانها تنوي ان تورط الدول العربية المجاورة، معها. لكن الارتباك ليس صفة ملتصقة بإيران وحدها، فالطرف الآخر اي الولاياتالمتحدة يعاني هو الآخر من الارتباك في ما يخص طهران. ذلك ان الهدف من الحصول على توافق دولي للالتزام بما تفرضه اميركا من عقوبات على ايران، غير متوافر. اما الحرب، فان اياً من الدول الخمس في مجلس الامن غير مستعد للمشاركة فيها. ان موقفي روسيا والصين صارا معروفين، وألمانيا لا تريد التفريط في علاقاتها الوثيقة مع هاشمي رفسنجاني (الرئيس الايراني السابق) فهي تراهن على عودته، وتريد حماية استثماراتها الاقتصادية. ومن جهته، أكد وزير الدفاع الفرنسي هيرفيه مورين في سياق انتقاده لتصريحات محمد البرادعي رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية، أن ايران لا تصنع اسلحة نووية، وقال «ان احتمال الحرب على ايران ليس مطروحاً على الصعيد الفرنسي». ويردد غوردون براون رئيس الوزراء البريطاني أن بلاده تفكر في اتخاذ عقوبات اضافية ضد طهران، ولا يشير من قريب او من بعيد الى كلمة «حرب». وفي اتصال مع مصدر اميركي مطلع قال لي: «ان واشنطن تكتفي الآن بالمقاطعة، ولن تكون هناك حرب في المدى القريب، ذلك ان الرئيس جورج دبليو بوش يريد تجنب اي خطوة يمكن ان تسيء لطموحات الجمهوريين في البقاء في الحكم في واشنطن، وان حرباً اخرى ستقضي على كل آمال الجمهوريين»، ويوضح اكثر: «ان اي حرب الآن على ايران قد تعرقل وصول المرشح الجمهوري جولي غولياني الى منصب الرئاسة. ولا يمكن للرئيس بوش ان يشن حرباً جديدة بالقرب من العراق غير المستقر، ثم ان الرأي العام لم يعد يصدق ما يُنقل عن تقارير اجهزة الاستخبارات الاميركية»، ويضيف محدثي: «هذا لا يعني ان خيار الحرب سقط نهائياً بسبب الانتخابات الرئاسية، اذ ان هناك فترة ما بين شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل شهر انتخابات الرئيس الاميركي الجديد وشهر كانون الثاني (يناير) 2009 شهر التسلم والتسليم في تلك الفترة، اذا ما ظلت الاوضاع على تدهورها فلا مفر من الحرب، اما قبل الانتخابات فلن تكون هناك حرب». وحسب مصدر أميركي آخر، فان الولاياتالمتحدة تراهن اليوم على خلاف في الاهداف ما بين ايران وسوريا حول لبنان. ويقول لي هذا المصدر: «إن واشنطن صارت متأكدة من ان دمشق لا تريد ان تجري عملية انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وتفضل ان يصل لبنان الى مرحلة حرب اهلية جديدة تضيع معها مسألة المحكمة الدولية. لذلك لن تتخذ واشنطن اي خطوة تجاه ايران، وتريد ان تبقى الضغوط على سوريا الى ان تبدأ المحكمة التي اذا ادانت سوريا سيكون من الصعب على اوروبا ان تواصل اتصالاتها وعملها مع دمشق». ويوضح محدثي ما يقصده، ويقول: «ان لإيران آراء مختلفة. هي لا تريد حرباً أهلية في لبنان. ايران لا تستعمل «حزب الله» كوسيلة، بل تنظر اليه كجزء منها، وهو مهم بالنسبة اليها، ولا يمكن ان تتخلى عنه بحرب أهلية في لبنان. ان «حزب الله» يعني بنظر ايران وصول الشيعة الى كل العالم العربي، فالتشيع قائم في عدة دول عربية منها سوريا والاردن، انها ثورة جديدة يتم تصديرها، لذلك لا تريد ايران حرباً اهلية في لبنان، وهناك حرب اهلية دائرة في العراق». إن لايران، حسب محدثي، اجندة واضحة، الوصول الى العالم العربي، اما سوريا فان وضعها مختلف؛ فقيام المحكمة يهدد النظام، لهذا يريد السوريون حرباً أهلية في لبنان، وهذا يجعلهم يختلفون عن ايران. طرفان لكل منهما اجندة مختلفة في لبنان. كانت أميركا والغرب والعالم العربي يفكرون بابعاد سوريا عن ايران. لبنان قد يبعد الاثنين عن بعضهما. ايران تريد دولة اسلامية على المدى البعيد، وسوريا تفكر بحرب أهلية. لكن اللافت ان الامين العام ل«حزب الله» السيد حسن نصر الله لا يتحدث عن دولة اسلامية. «حزب الله»، من اجل برنامجه البعيد المدى وبرنامج ايران، يريد ان يظل لبنان موجوداً، وسوريا تريد حرباً اهلية قد تزعزع كيان لبنان، لأن المحكمة تهدد بإطاحة النظام السوري، لكن دمشق في الوقت نفسه لا تضمن الدعم الذي ستتلقاه من «حزب الله»، عندما تتخذ القرار بإشعال الحرب الاهلية في لبنان. يمكن الاكتفاء بهذا التحليل، لو ان القضية متعلقة فقط بما بين الولاياتالمتحدةوايران، اذ عندما دافعت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس عن العقوبات الجديدة ضد الايرانيين، اقرت بوجود خلافات مع موسكو، لكنها قالت «ان بقاء ايران دولة غير مسلحة نووياً هدف اميركي روسي». فهل صارت ايران ورقة مساومة في المنافسة الاميركية الروسية الجديدة؟ بعد فشل اللقاء الاميركي الروسي في 12 تشرين الاول (اكتوبر) الذي عقد في موسكو حول الدروع الاميركية المضادة للصواريخ الباليستية التي تنوي اميركا اقامتها في بولونيا مع رادار في تشيخيا، اعلن وزير الدفاع الاميركي روبرت غايتس في براغ عاصمة تشيخيا، ان بلاده ابلغت روسيا بأنها على استعداد لعدم تفعيل نظام الدرع الصاروخي وراداراته، إلا اذا اتفقت موسكووواشنطن على ان ايران صارت تشكل خطراً. وقد رحب كبير مستشاري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهذا التطور ورأى فيه اشارات ايجابية «ومواد جديدة». برز اذن عامل جديد سيشد الدولتين للتفاوض حول درع الصواريخ وهذا، يعني وضع الاثنين حداً لبرامج ايران العسكرية والنووية. وفي المقابل هناك صراع على السلطة في ايران (بين المحافظين والمتشددين: استقالة او اقالة علي لاريجاني، اشاعة استقالة منوشهر متقي حليف لاريجاني والذي ادار حملته الرئاسية)، كما ان هناك نقاشاً حامياً حول المدى الذي يمكن معه لطهران الوثوق بالروس المستعدين ان يبيعوا ايران اذا ما توصلوا الى صفقة مع الاميركيين. الصراع والحوار الدائرين في ايران يشملان كيفية المحافظة على المصالح الايرانية في العراق بوجود لاعب قوي مثل الولاياتالمتحدة. ان ايران صارت تراقب كل التحركات الاميركية التي تعلن عن وجود قوي على حدودها الغربية مع كل النيات بزعزعة الامن القومي الايراني (اقامة قاعدة اميركية داخل العراق تبعد عشرة كلم فقط عن الحدود مع ايران)، لهذا امام الايرانيين اما التحرك نحو مفاوضات جدية مع الولاياتالمتحدة (اقترح الجنرال ديفيد بترايوس لقاء جديداً مع الايرانيين)، او المخاطرة والاعتماد على الروس. لقد اعلن الرئيس بوتين عن ضمانات امنية لإيران اذا ما تعرضت لهجوم اميركي، لكن ثمن هذه الحماية سيكون كبح ايران لبرنامجها النووي، وهنا تلتقي موسكووواشنطن. ان صفقة اميركية روسية قد تعزل ايران، كما ان صفقة اميركية إيرانية تبقي روسيا خارجاً، وصفقة جدية روسية ايرانية يمكن ان تشل اميركا. إن الصراع على السلطة في طهران، زاد من عمقه التهديد الاميركي باحتمال شن الحرب، وبعد ان ادخلت ايران المنطقة في البازار الاميركي الايراني، اذا بها تدخل في البازار الروسي الاميركي من اجل تجنب حرب تقول انها قادرة على مواجهتها ب 11 ألف صاروخ وعمليات «الباسيج» الانتحارية. عن صحيفة الشرق الاوسط 1/11/2007