عكا ومعضلة الدولة اليهودية اسامة الشريف "عكا تحترق ،"كان هذا هو العنوان الرئيسي في إحدى الصحف العبرية في اليوم الخامس على اندلاع العنف بين سكان المدينة من العرب واليهود بعد أن اعتدى بالضرب شباب متزمتون في حي يهودي على سائق عربي سيىء الحظ قيل انه انتهك حرمة عيد الغفران. وسرعان ما توالت الأحداث ووجدت عائلات عربية نفسها وقد هجرت من بيوتها بعد ان أضرمت فيها النيران وتوعدهم المتطرفون بالقتل والطرد. أحداث عكا أسقطت افتراءات التعايش السلمي بين اليهود والعرب في إسرائيل وأعادت الى الواجهة حقائق باتت تؤرق ساسة الدولة اليهودية على اختلاف مشاربهم. فعكا تشكل نموذجا للفلق الديموغرافي الذي يعكس صورة لمصير نحو مليون ونصف المليون عربي يشكلون اليوم اقل من خمس سكان إسرائيل ويعانون تاريخيا من التفرقة والظلم. كانت عكا حتى حرب 1948 مدينة عربية لكن سياسات التهجير القسري والتخويف والحصار الاقتصادي دفعت أهلها إلى النزوح. واليوم يقطنها نحو خمسين ألفا خمسهم فقط من العرب يعيش معظمهم في البلدة القديمة المحرومة من الخدمات الأساسية بما فيها التعليم حيث لا توجد إلا مدرسة ثانوية واحدة فقط. وما أن اندلعت اعمال العنف في عكا حتى هرع المتطرفون والساسة اليمينيون الى المدينة لمناصرة سكانها من اليهود وتوعد بعضهم عرب إسرائيل برد قاس. واغتنم كثيرون الفرصة ليحذروا من الخطر العربي المتمثل في ما يسمى بالقنبلة الديموغرافية مذكرين بما تنبأ به المؤرخ بيني موريس قبل سنوات عندما قال ان عرب إسرائيل سيشكلون يوما ما طابورا خامسا يهدد هوية الدولة اليهودية. إن مصير عرب إسرائيل بات اليوم جزءا من مفاوضات الحل النهائي. فقد أعلنت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني في صيف العام الماضي أن الدولة الفلسطينية ستكون حلا لكل الفلسطينيين بمن فيهم هؤلاء الذين يعيشون داخل إسرائيل. ثم عادت عشية انعقاد مؤتمر انابوليس قبل سنة لتقول ان مستقبل إسرائيل كدولة خاصة باليهود بات في خطر وان على عرب إسرائيل أن يقبلوا بيهودية الدولة بما يفرضه ذلك من استحقاقات. ويحذر المتطرفون من أن العرب سيشكلون أغلبية في إسرائيل بحلول عام 2035 وان اليهود هم أكثر من النصف بقليل اليوم إذا ما احتسبت أعداد العرب والأقليات في إسرائيل والضفة والقطاع وهضبة الجولان. ويؤكد هؤلاء أن العرب في القدس في ازدياد رغم سياسات الخنق الاقتصادي وضم المستوطنات وهدم البيوت وأنهم يشكلون اليوم 35 بالمائة من سكان المدينة ، وانه في حالة بقاء نسبة النمو بين العرب بحدود ثلاثة بالمائة سنويا فان اليهود سيتحولون إلى أقلية هناك في غضون عقدين من الزمان. وتدرك ليفني التي سترأس الحكومة القادمة حساسية قضية مستقبل العرب في إسرائيل بالنسبة لمختلف القوى السياسية. ويطرح البعض حلولا مختلفة منها انجاز صفقة تبادل أراض تشمل السكان في مناطق كالجليل حيث لا زال العرب أكثرية وفرض "الترانسفير" او التطهير العرقي على عرب إسرائيل. كما لا يزال المتطرفون يروجون لنظرية الوطن البديل رغم استحالة تطبيقها أو قبولها. وقبل سنوات مثل البروفسور ارنون سوفر من جامعة حيفا أمام لجنة العلاقات الخارجية والأمن في الكنيست ليعلن انه إذا لم تتحرك إسرائيل لتبطل مفعول القنبلة الديموغرافية فان "دولتنا ستنتهي في غضون سنوات." لقد كشفت أحداث عكا عن حجم المشكلة التي تواجه إسرائيل في سعيها للحفاظ على نقائها كدولة خالصة لليهود. ومن الواضح ان قادة إسرائيل يحاولون ربط حل هذه المعضلة بملف السلام مع الفلسطينيين وتحميلهم مرة أخرى وزر جرائمهم التاريخية بحق العرب. عن صحيفة الدستور الاردنية 16/10/2008