الأمم المتحدة في ذكري قيامها.. بيت للعنكبوت! د. أحمد يوسف القرعي إذا كانت عصبة الأمم قد فشلت في تحقيق مفهوم الأمن الجماعي في الثلاثينيات لانعدام الإرادة السياسية الواحدة لدي المجتمع الدولي آنذاك وعدم وجود آلية فعالة للتنفيذ وعدم توافر العالمية في العصبة, فإن الأممالمتحدة تتعرض حاليا للمأزق نفسه وإن اختلفت الأسباب فالمنظمة الدولية تتوافر لها علي عكس عصبة الأمم صفة العالمية ولديها من آليات التنفيذ الكثير, وأرست دعائم الأمن الجماعي طوال سنوات الحرب الباردة وحتي سنوات التسعينيات مع تباشير النظام العالمي الجديد الذي سرعان ما بدأ ينهار مع تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 والتي جعلت الولاياتالمتحدة تعمل علي تغليب الأمن الأمريكي علي الأمن الجماعي الدولي دون تبرير منطقي يتقبله الرأي العام العالمي أو حتي معظم الدول الغربية الحليفة. وشنت الولاياتالمتحدة وبريطانيا العدوان علي العراق في أول حرب استباقية في تاريخ المنطقة الدولية وعندئذ أدلي جيمي كارتر الرئيس الأمريكي الأسبق بشهادة تاريخية تحسب له حيث لم يقر الذرائع التي أعلنها الرئيس بوش بشأن تقديم أو تغليب مسألة الأمن الأمريكي علي الأمن الجماعي الدولي محذرا من أن هذه المسألة يمكن ان تقود الأممالمتحدة الي التفكيك والانهيار شأنها شأن عصبة الأمم من قبل. وصدقت رؤية الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر حيث تشهد الأممالمتحدة علي أرض الواقع العد التنازلي لمصير عصبة الأمم وينشط العنكبوت في بث شبكات خيوطه في أروقة المنظمة الدولية وهذا يعني مجازا أن الأممالمتحدة لم تعد قادرة علي ممارسة دورها التقليدي في وقت عصيب يجتاح فيه النظام الدولي أسوأ مراحله حيث آثرت الدولة المضيفة( الولاياتالمتحدة) تجميد عمل المنظمة الأساسي وانشغلت بتعميد نفسها قطبا أوحد دون منافسة. ومع موعد الاحتفال بقيام الأممالمتحدة في24 اكتوبر من كل عام تتجدد آمال شعوب العالم في انقاذ الأممالمتحدة من محنتها وتفعيل دورها الذي تم تهميشه نظرا لاستبعاد كل مبادرات تطوير المنظمة الدولية منذ منتصف التسعينيات وحتي الآن. ولعلنا نتذكر هنا مبادرة د.بطرس بطرس غالي بالدعوة الي ديمقراطية العلاقات الدولية منذ وقت مبكر عندما استشعر وهو أمين عام للأمم المتحدة(1992 1995) اختلال الموازين الدولية نتيجة المحاولات الأمريكية لاحتكار سلطة القرار الدولي, وهنا طالب بالشروع في إصلاح هياكل الأممالمتحدة لمواجهة تفشي الهيمنة الأمريكية المنفردة عليها, وطالب د.غالي بضرورة وضع قيود علي حق الفيتو وتوسيع العضوية الدائمة والمؤقتة في مجلس الأمن وتنشيط دور الجمعية العامة لاستعادة صلاحياتها واسترداد الحياة والفعالية الي نظام الأممالمتحدة وطالب في هذا السياق باستحداث جيل ثالث من المنظمات الدولية يعبر عن الجمعيات غير الحكومية وممثلي المدن والبرلمانات للاسهام في إدارة العلاقات الدولية لتوفير حد أدني للديمقراطية في الجمعية العامة للأمم المتحدة ولضمان تحقيق الديمقراطية في الجمعية العامة للأمم المتحدة, ولضمان تحقيق الديمقراطية داخل أية منظمة أخري تتولي في المستقبل الاشراف علي العلاقات الدولية. ولعل د.بطرس غالي كان يعني بالجيل الثالث من المنظمات الدولية تأسيس شبكة للمنظمات غير الحكومية متعددة الجنسيات والتي تعد أحدث أشكال التنظيم الدولي وتعبر عن تحالفات المجتمع المدني هذا الي جانب منظمة الأممالمتحدة والمنظمات الاقليمية الاخري التي تبلورت بصورة تنظيمية منذ نهاية الحرب العالمية الأولي بقيام عصبة الأمم والتي تعد الجيل الأول من المنظمات الدولية ثم بروز المؤسسات العالمية الاحتكارية والنقدية واندماج الشركات متعددة الجنسيات وتعبر عن الجيل الثاني من المنظمات الدولية ثم نشطت في السنوات الأخيرة أدبيات المنظمات والشبكات الدولية غير الحكومية كفاعل دولي جديد يمثل المجتمع المدني والمجالس الشعبية والبرلمانية... الخ. ولاتزال تلك المبادرة تشغل بال د.بطرس بطرس غالي حتي الآن وليس أدل علي هذا من مشاركته في مايو الماضي مع800 شخصية عالمية في التوقيع علي وثيقة انشاء برلمان دولي تابع للأمم المتحدة يضم برلمانيين من الدول الأعضاء بالأممالمتحدة. وأوضح د.غالي أن هذا البرلمان سيتحول في المستقبل الي برلمان ينتخب اعضاؤه من قبل شعوب العالم. هكذا رغم استبعاده من قبل الإدارة الأمريكية عام1995 من استكمال ولايته الثانية كأمين عام للأمم المتحدة, فان د.غالي لاتزال تداعب تفكيره سبل انقاذ الأممالمتحدة من ورطتها الحالية, ومن منطلق عدالة قضايانا المطروحة أمام المنظمة الدولية فإننا كأمة عربية أحوج ما نكون إلي مؤازرة كل القوي الدولية وفي مقدمتها حركة عدم الانحياز التي تتعاطف وديا مع مطالبنا العادلة في تعبئة الجهود الدولية لإصلاح الأممالمتحدة ونخص علي سبيل المثال هنا رؤية المفكر الماليزي المعروف مهاتير محمد الذي يتفق مع وجهة نظر د.غالي في تشخيص الحالة المزرية التي وصلت اليها الأممالمتحدة ويقول إن هناك حاجة ماسة لإصلاحات ديمقراطية في الأممالمتحدة بعد سنوات طويلة من حملها حقيبة الملابس( الرثة) للحرب العالمية الثانية, ان تداعيات هذه الحرب لايمكن ان تنعكس علي بنية وأساليب الأممالمتحدة للأبد ولابد علي حد تعبيره من أن تنتهي يوما ما تلك التداعيات وأنه قد آن الأوان بالفعل لدفن رفات حماقات الماضي. وأخيرا فإننا كأمة عربية لم نفقد الأمل في الدعوة لإصلاح الأممالمتحدة حيث تحرص القمم العربية في السنوات الأخيرة علي تقديم رؤيتها لعملية الإصلاح ولعلنا نتخذ من مناسبة احتفال الأممالمتحدة بذكري قيامها منطلقا لتعبئة رأي عام عالمي مستنير يدعو للإصلاح أو لنقل أعمال المنظمة إلي مقرها في جنيف. عن صحيفة الاهرام المصرية 25/10/2007