عكا: أبعد من حدث طارئ علي بدوان تأتي أحداث مدينة عكا الفلسطينية الواقعة داخل المناطق المحتلة عام ،1948 والتي وقعت خلال الأيام الأخيرة بعد قيام غلاة المتطرفين من اليهود الصهاينة بمهاجمة مناطق المدينة القديمة وما بقي من أبنائها من المواطنين الفلسطينيين، في سياق مدروس وعملي تتبناه قوى اليمين الصهيوني بغرض إرهاب المواطنين الفلسطينيين بعدما فشلت السياسات الاسرائيلية المعروفة في تهجيرهم ودفعهم للخروج خارج وطنهم الأصلي، كما حدث مع إخوانهم من أبناء المدينة وعموم فلسطين عام النكبة الذين غادروا عكا نحو سوريا ولبنان على وجه التحديد. فقد جاءت أحداث مدينة عكا التي غدت بعد قيام إسرائيل مدينة مختلطة، ثلثا سكانها من اليهود والثلث الثالث من فلسطينيي عام ،1948 في سياق التحريض الصهيوني ضد من بقي من الفلسطينيين داخل ما تسميه المصادر الاسرائيلية ب»الخط الأخضر«، وفي سياق سعي غلاة التطرف في الدولة العبرية الصهيونية لتحقيق ترانسفير آخر يجري من خلاله اقتلاع كامل الفلسطينيين، وتكريس مقولة الدولة »اليهودية النقية«. وجاءت أحداث عكا بعد سلسلة من الأعمال الهمجية التي نفذتها عصابات اليمين الصهيوني، كان منها على سبيل المثال جريمة شفا عمرو التي وقعت قبل عامين وارتكبها (غولدشتاين آخر) من غلاة المتطرفين المستوطنين اليهود داخل حافلة نقل عربية في فلسطينالمحتلة عام ،1948 حيث سقط أربعة مواطنين فلسطينيين. وسبقها بسنوات قليلة خلت استشهاد (13) عربياً إثر مواجهات واسعة جرت في تشرين الأول/أكتوبر عام 2001 بين المواطنين العرب في الجليل والمثلث داخل حدود العام 1948 إثر قيامهم بهبة شعبية لدعم وإسناد أبناء شعبهم على أرض الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي حقيقة الأمر، أن أحداث مدينة عكا أبعد من أمر عارض نشب بين شبان أو مجموعات من العرب واليهود، فالخلفية الحقيقية التي يقوم على تخومها السلوك الإسرائيلي الصهيوني الرسمي وغير الرسمي ينطلق من السعي الحثيث لكبح جماح التطلع الوطني والقومي المشروع للعرب في إسرائيل، حيث اشتداد الصراع بين التجمع الاستيطاني اليهودي داخل إسرائيل وما بقي من العرب الفلسطينيين داخل حدود العام 1948 في الخيار بين: يهودية الدولة أو الدولة لكل مواطنيها. فإسرائيل ما زالت بعرف الأغلبية الساحقة من القوى الحزبية والاجتماعية والسياسية اليهودية، بما في ذلك عند بعض أطراف ألوان »اليسار الإسرائيلي« هي »دولة اليهود« الذين يحق لهم ما لا يحق للمواطنين الفلسطينيين الأبناء الأصليين للأرض والبلد. وبالتالي فإن الديموقراطية عند المجتمع اليهودي على أرض فلسطين مفصلة تماماً على مقياس خاص لا ينطبق على الفلسطينيين المتجذرين على أرض فلسطين عام .1948 وعليه، يمكن القول إن طغيان المد اليميني المتطرف التوراتي والقومي الموغل في رواية الميثولوجية داخل المجتمع اليهودي على أرض فلسطين يعتبر سبباً وجيهاً في استفحال النزعة العنصرية تجاه المواطنين العرب في إسرائيل، وهذا التيار، أي التيار اليميني بجناحيه العقائدي التوراتي والقومي العلماني، يتمتع الآن بنفوذ كبير ويتغذى منه غلاة الصهاينة بسياستهم العدوانية والفاشية الدموية ضد الشعب الفلسطيني. وهو ما يفترض بنا أن ننظر إلى اليمين في إسرائيل نظرة عميقة وشاملة حيث المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي يقود فئات واسعة من المستعمرين من اليهود نحو الكراهية الفاشية العنصرية المعادية للعرب، وإلى المسارب المظلمة، الإرهابية، العنصرية المتعطشة للدم التي لا تريد سلاماً مع الفلسطينيين والعرب، بل تريد كما تكرر دوماً كل أرض فلسطين التاريخية »أرض الميعاد« وطناً لليهود دون سكانها العرب الأصليين. كما أن اليمين الإسرائيلي الصهيوني يقوم أساساً على تغذية المشاعر البهيمية المعادية للفلسطينيين والعرب عموماً، »والهدف القومي« الذي تروجه أوساط هذا اليمين الفاشي العنصري عنوانه هو طرد ما بقي من الفلسطينيين العرب داخل فلسطينالمحتلة عام ،1948 وإنقاذ ما يسمونه »أرض إسرائيل« من تسلط الأغراب (العرب) عليها، وما إلى ذلك. أي أن العنصرية الراديكالية المتعطشة، للدم هي بالأساس عنصرية معادية للعرب، فالتطرف الرسمي لساسة اليمين، هو المغذي والمشجع للعنصرية الوحشية المعادية للعرب. ومن جانب آخر، علينا أن نشير أيضاً إلى أن المجتمع اليهودي كمجتمع مهاجرين مستعمرين، هو مجتمع منقسم داخلياً على نفسه رغم الوحدة الظاهرية الخارجية، فالأزمات والانقسامات الداخلية (الطبقية، الاثنية، والطائفية،القومية، والصراعات بين القدامى والجدد ...) في المجتمع الإسرائيلي الصهيوني، كما اقتصادياً وسياسياً ونفسياً، تقود إلى تعزيز الإرهاب والعنف والفاشية والنازية، الأمر الذي يولد المزيد من المخاوف لدى المواطنين العرب في وطنهم الأم داخل المناطق المحتلة عام ،1948 وهي مخاوف تلقى مشروعيتها من تصاعد التطرف اليميني الفاشي الصهيوني وانتشاره في الشارع اليهودي بين الناس، ومن الأوضاع المزرية لهم في عموم إسرائيل وداخل مدينة عكا التي شهدت الأحداث الأخيرة، وهي المدينة التي يسكنها (50) ألف نسمة، ثلثهم من العرب الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة، فيما تحظى الأحياء اليهودية بأعلى مستوى من الخدمات والعناية، فضلاً عن نشاط مسبق متواصل في المدينة ومنذ سنوات لحركات يهودية يمينية استيطانية تحرض ضد العرب ترفع شعار تهويد المدينة. في المقابل، علينا أن نقول، إن العرب الفلسطينيون داخل إسرائيل وبصمودهم وتفانيهم وإصرارهم على البقاء فوق أرضهم، تركوا بصماتهم على اتجاهات التغيير، حيث تزايد التأثير العربي كقوة سياسية وديمغرافية مهمة، لهم مكانتهم في الصراع في المرحلة المقبلة، فتعاظم الصعود في الانتماء الوطني جزءاً لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني وفي الصراع ضد نهب الأرض وتدمير القرى العربية، ومن أجل إزاحة كابوس التمييز العنصري والسير نحو الكينونة الوطنية الموحدة. إن التجمع الفلسطيني داخل حدود 1948 تحوَّل عبر العقود التي تلت النكبة من كتلة بشرية أرادوها كتل مهملة لا علاقة لها بمعادلة الصراع الدائر مع الغزو الاستيطاني الإحلالي (إحلال يهود بديل العرب) إلى عامل هام في الخارطة الوطنية الفلسطينية وفي عملية توحيد كل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، وستبقى الآفاق مفتوحة أمامه للمساهمة الفاعلة بدعم كفاح الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس والقطاع لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعودة اللاجئين. وبالنتيجة، إن موقع الفلسطينيين العرب في مناطق 1948 داخل بوتقة العملية الوطنية الفلسطينية ودورهم أساسي ورئيسي في رسم وإحقاق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وفي مقاومة البنية الصهيونية التوسعية الاستيطانية للدولة الإسرائيلية، وصولاً إلى تطوير العملية الاستراتيجية، انتهاء بالحل الديموقراطي العادل فوق أرض فلسطين التاريخية. إن إسرائيل التوراتية أصبحت وراء التاريخ، وعليه فإن الحراك سيتواصل داخل الدولة العبرية على كل المستويات السياسية والاجتماعية وعلى المستوى الأيديولوجي، وبالتالي فإن المطلوب القادم ينتظر من جميع الأحزاب العربية داخل إسرائيل مهام إضافية يقف على رأسها حماية الذات وحق الجماهير العربية في الدفاع عن انتمائها القومي وحقها في المواطنية الكاملة. ومن هنا أهمية وحدة الفعل الوطني بين مختلف الأحزاب العربية داخل فلسطينالمحتلة عام ،1948 وتجاوز الانقسامات الداخلية، وتجنيد المجموعات اليهودية المتواضعة الحضور والمعادية للمؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في الدفاع عن المطالب المحقة للمواطنين العرب على أرض وطنهم التاريخي. عن صحيفة السفير اللبنانية 14/10/2008