بقلم علي بدوان في الوقت الذي ينشغل فيه الفلسطينيون والعالم العربي على مستوياتهم المختلفة بإثارة ومواجهة عمليات الاستيطان الاستعماري الصهيوني الجائرة التي تجري فوق الأرض المحتلة عام 1967 وتحديداً في مدينة القدس ومحيطها، فان عجلة الاستيطان والتهويد الصهيونية تواصل تقدمها داخل مناطق الاكتظاظ والتواجد السكاني العربي في فلسطينالمحتلة عام 1948، وتحديداً في مناطق الجليل والمثلث والنقب، حيث تعمل الحكومة الاسرائيلية الحالية للانتقال الى خطوة نوعية جديدة في هذا المسار من عمليات التهويد باتجاه استكمال خطة (النجوم السبعة) المعروفة لخلخلة الوجود السكاني العربي، فالغالبية الساحقة جدا من أراضي الجليل والنقب، هي أراض عربية مصادرة منذ عام النكبة، وجرت مصادرتها في إطار سياسة الاضطهاد القومي العنصرية الاسرائيلية الصهيونية ضد المواطنين العرب، حيث سنت "دولة اسرائيل" من أجل ذلك أكثر من أربعين " قانوناً" يفتقد للشرعية منذ العام 1948. خطة خماسية حكومة نتنياهو كانت قد أطلقت (خطة خماسية) لتهويد معالم أثرية في فلسطينالمحتلة عام 1948 كالمساجد والمزارات والآثار العربية والرومانية، ومسح المقابر الإسلامية والمسيحية، وتحويلها لمشاريع تراثية مرتبطة بما يسمى (التاريخ والتراث اليهودي) المزعوم، وهدف حملة (الخطة الخماسية) المعلن صهيونياً هو "توثيق العلاقة بين مواطني إسرائيل والشعب اليهودي في الشتات، وبين تراثه التاريخي والصهيوني في إسرائيل"، بكلفة تقارب (500) مليون دولار، وتشمل إقامة نصب تذكارية، ومتاحف صغيرة، ومسارات للمشاة، ومواقع أثرية وحدائق، ومراكز معلومات، وترميم مواقع قائمة. وحسب المعلومات المستقاة من مراكز البحث الاسرائيلية المختلفة، ومن الصحف العبرية ذاتها، فان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وافق قبل فترة على مشاريع جديدة تخص الوجود العربي الفلسطيني داخل "اسرائيل" إقامة نحو (150) مشروعاً ترمي إلى دمغ فلسطين التاريخية داخل حدود العام 1948 بالطابع اليهودي، وازالة ما أسماه المخاوف الديمغرافية على "يهودية اسرائيل" في إشارات عنصرية تجاه المواطنين العرب الذين بقوا داخل أرض فلسطين عام 1948 بعيد نكبة العام 1948. وكانت وسائل إعلام "إسرائيلية" قد كشفت، عن أن نتنياهو قبل بعرض نائبة الوزير في مكتبه "لشؤون الشباب" بتوزيع أراض مجانا، بمساحة 250 مترا مربعا لكل "جندي مقاتل" في جيش الاحتلال يختار السكن بعد الخدمة العسكرية أو خلالها في منطق الجليل والنقب، وهضبة الجولان السورية المحتلة، وإعفاء كل جندي من دفع أي ثمن، وإعفائه أيضا من أي رسوم. ومن هنا، فان سياسة مصادرة الأراضي العربية في منطقتي الجليل والنقب، والتي وصلت إلى أراضي الجولان السوري المحتل بقرار رئيسها بنيامين نتنياهو اتخذت طابع توزيع الأراضي "هدايا" على الجنود المقاتلين في جيش الاحتلال. وعليه، فنحن اليوم أمام مرحلة جديدة من مشروع تهويد مناطق (الجليل والمثلث والنقب) فضلاً عن (الجولان السوري المحتل) الذي أطلقه شيمون بيرس، والقاضي بإنشاء بلدات "للحريديم اليهود" كإقامة مستوطنة (حريش) للمتدينين اليهود في منطقة المثلث في المناطق ذات الكثافة السكانية العربية داخل حدود فلسطينالمحتلة عام 1948 وتثبيت (150) ألف مستوطن صهيوني في منطقة المثلث، وتوزيع الأراضي مجاناً على جنود الاحتلال، في سياق المساعي الصهيونية لخنق المدن والقرى العربية، وإحداث تغيير ديمغرافي فيها، والمساس بوجود الأغلبية العربية الفلسطينية التي بقيت صامدة على أرض وطنها المحتل عام 1948في الجليل والمثلث والنقب، خصوصاً وقد ازدادت نسبة الفلسطينيين في مناطق العام 1948من (20,1%) الى (20,3%) من عدد السكان في اسرائيل، ووفق التوقعات فانّ نسبتهم ستصل بحلول العام 2025 الى (30%) من عدد سكان الدولة العبرية. مؤشرات ودلالات في هذا السياق، كان معهد الأبحاث الاسرائيلي (بانيلس) قد نشر نتائج استطلاع الرأي أجراه قبل فترة على عينة تبلغ (668) شخصاً يمثلون عينة من الجمهور اليهودي في "اسرائيل"، حيث أجاب (75%) منهم بأن ثمة مبررا لترحيل المواطنين العرب في "اسرائيل" الى مناطق السلطة الفلسطينية، بينما أجاب (25%) منهم فقط بأنهم يرفضون هذه الفكرة على الإطلاق. ومن بين ال (75%) الذين يؤيدون ترحيل العرب اعتبر (28%) انه يتوجب ترحيل كل العرب من اسرائيل فيما قال (19%) أنهم يؤيدون ترحيل العرب الذين يقطنون في منطقة المثلث وسط فلسطينالمحتلة عام 1948، بينما قال (28%) منهم أنه يتوجب تنفيذ الترحيل على أساس مدى الولاء أو عدم الولاء لإسرائيل. وأعتبر (50%) من المستطلعين إن المواطنين العرب يتماثلون قبل كل شيء مع القومية الفلسطينية وبعد ذلك يعرفون أنفسهم على أنهم إسرائيليون. فيما قال (40%) أن "عرب اسرائيل"يتماثلون مع القومية العربية، وقال (1%) من المستطلعين أنهم يعتقدون أن العرب مواطني اسرائيل يتماثلون فقط مع الوطنية الاسرائيلية. وبالتأكيد فإن دلالات الأرقام تومىء بحقيقة صارخة عنوانها استفحال نزعات التطرف داخل الدولة العبرية الصهيونية "تجاه المواطنين العرب في اسرائيل"، فإسرائيل مازالت بعرف الأغلبية الساحقة من القوى الحزبية والاجتماعية والسياسية اليهودية بما في ذلك عند بعض أطراف ألوان "اليسار الإسرائيلي" هي "دولة اليهود" الذين يحق لهم ما لا يحق "للأقليات" والمقصود بالأقليات السكان الفلسطينيين الأصيليين أبناء البلد. وبالتالي فإن الديمقراطية عند المجتمع اليهودي على أرض فلسطين مفصلة تماماً على مقياس خاص لا ينطبق على الفلسطينيين المتجذرين على أرض فلسطين عام 1948. أيضاً فإن طغيان المد اليميني المتطرف التوراتي والقومي الموغل في رواية الميثولوجيا داخل المجتمع اليهودي على أرض فلسطين يعتبر سبباً وجيهاً في استفحال النزعة العنصرية تجاه المواطنين العرب في إسرائيل، وهذا التيار، أي التيار اليميني بجناحيه العقائدي التوراتي والقومي العلماني يتمتع الآن بنفوذ كبير تتغذى منه حكومات إسرائيل بسياستها العدوانية والفاشية الدموية ضد الشعب الفلسطيني وما يهمنا من القول أعلاه، أن "اسرائيل" وهي تمارس سياساتها الاستيطانية الاجلائية فوق الأرض الفلسطينية، من داخل مناطق ال (48) وصولاً لمنطقة القدس، تواصل في الوقت ذاته سياسة "العصا الغليظة" الموجهة ليس ضد الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني فحسب بل ضد كل الأطراف العربية مجتمعة، وتواصل في الوقت نفسه الصرف المالي الضخم وبسخاء على تطوير قدراتها القتالية وبشكل غير مسبوق، بالرغم من تشدق قادتها بالحديث عن التسوية والسلام، مستفيدة من غياب الضغط الأمريكي الحقيقي والجدي عليها لدفعها للقبول باستحقاقات سلام الشرعية الدولية. وهنا.. علينا أن نتنبه الى ما يجري داخل حدود العام 1948 ضد المواطنين العرب الذين صمدوا وبقوا داخل حدود العام 1948، وأن نحول هذا الانتباه الى فعل ملموس للتضامن معهم في الدفاع عن وجودهم وعن بقائهم فوق أرضهم وطنهم التاريخي، كما في التمسك بوقف المفاوضات حتى وقف الاستيطان بشكل كامل فوق الأراضي المحتلة عام 1967 خصوصاً في مناطق القدس