د. كمال هلباوي يحار عقل الإنسان المسلم ذي الفطرة السليمة فطرة الله التي فطر الناس عليها عندما يقرأ أو يسمع فتاوى ليس لها رصيد من العقل أو الحكمة أو الشرع طبعا.
ففي الوقت الذي يغلى فيه الشارع المصري لأسباب عديدة لا تخفى على أحد ومنها:
الظلم الفادح الواقع على المواطنين في حياتهم ومعيشتهم. الغلاء وتدني الدخول لأغلبية الشعب المصري. القبضة الأمنية الرهيبة على الشعب، وخصوصا المعارضة وعلى عموم الناس في الشوارع.
الطوارئ المستمرة منذ أول حكم الرئيس مبارك. تدني مستوى التعليم والأخلاق والثقافة، ناهيك عن التقنية الحديثة...الخ ضعف الهوية والنفاق الإعلامي الواسع.
تغيير الدستور والقوانين لزيادة الممارسات الديكتاتورية قانونا. تزوير جميع الانتخابات ضمن تزوير إرادة الشعب. برامج الخصخصة والسرقات الفاضحة.
ضعف الدور الإقليمي لمصر وضياع هيبتها وريادتها. بيع الغاز لإسرائيل بأسعار زهيدة، وتغلغل شبكات التجسس الإسرائيلية في مصر. التخلي عن القضية الفلسطينية والجهاد أو المقاومة لاسترداد الأرض المغتصبة وتبني الحلول الأمريكية الصهيونية.
تشويه صورة حركات المقاومة الإسلامية في مصر ولبنان وفلسطين...الخ الخضوع للهيمنة الأمريكية والصهيونية. الاستبداد الفرعوني 'لا أريكم إلا ما أرى'.
عرقلة إنشاء الأحزاب، مثل حزب الوسط والكرامة وغيرهما، لسنوات طويلة. صرف أنظار المواطنين عن الأخطار الحقيقية مثل الخطر الصهيوني. والأمريكي وتحويلها إلى أخطار غير حقيقية، من قبيل استخدام التهويل الإعلامي بشأن الخطر الإيراني المزعوم أو الشيعي.
كثرة الشباب الهاربين من جحيم البطالة والظلم إلى قوارب الموت. كوارث العبارات والقطارات... الخ انتشار الجريمة والرذيلة في ضوء سوء الأخلاق.
انتشار العنوسة وما ينتج عنها من أمراض. بيع الأبناء في الأسواق (الرقيق) أو الانتحار بسبب قلة الموارد.
لعل هذا الاستطراد في المقدمة يوضح البيئة التي جاءت فيها هذه الفتوى أكثر مما يوضح الخلفية السلفية أو الدينية لهذا الميدان من الفتاوى الشاذة.
نحن لا نعرف كثيرا عن الشيخ محمود عامر، رئيس جميعة أنصار السنة المحمدية بمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، ولكن جمعية أنصار السنة يجب أن تعرف من ينبغي له أن يترأس فرعا من فروعها أو يحق له الفتوى في الحكم والإدارة.
وهي فتاوى ليست مثل الفتاوى المعروفة عن الطهارة والوضوء وكل ما يتعلق بالحمام وإزالة النجاسة، وإن كانت فتاوى الحكم والإدارة يتعلق بعضها بإزالة النجاسة المغلظة من الحكم حتى يطهر الحكم والحكام وتستقيم الإدارة.
والفتاوى التي أصدرها الشيخ محمود عامر التي تدعو إلى قتل الدكتور البرادعي ومن عمل عمله أو سار في طريقه طلبا للتغيير، وذلك للمبررات والحيثيات التالية، أو إن شئت قل التهم ومنها:
التحريض على عصيان نظام الرئيس المصري إثارة الفتن. الدعوة إلى العصيان المدني الشامل.
المتأمل في تصريحات البرادعي يجد فيها الحث والعزم على شق عصا الناس في مصر. الناس في مصر تحت ولاية حاكم مسلم متغلب وصاحب شوكة تمكنه من إدارة البلاد. أيا كانت حالة حاكم مصر في نظر البعض، فهو الحاكم الذي يجب السمع والطاعة له في المعروف.
لا يجوز لمثل البرادعي وغيره أن يصرح بما ذكر. ينبغي على البرادعي أن يعلن توبته وإلا. جاز لولي الأمر أن يسجنه أو يقتله درءا لفتنته حتى لا يستفحل الأمر.
وقد جاء في بعض وسائل الإعلام، في اليوم التالي لنشر هذه الفتوى الشاذة، أن الشيخ محمود عامر صرح بأن ما نشره على موقع الجمعية يعبر عن وجهة نظر أعضائها بشأن الحكم الشرعي في مواقف البرادعي.
ولكي يتم تقييم ودراسة هذه الفتوى الشاذة ينبغي التأكد أولا من صلاحية وقدرة الشيخ محمود عامر، لأن يفتي في مثل هذه المسائل والجوانب الفقهية.
وهي أصعب مسائل الفكر والفتوى لأنها تحتاج إلى مجتهدين في كل عصر يوضحون هذه الأمور للشعوب، فالفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والظروف والبيئة.
والحاكم المسلم يقيم حدود الله تعالى ويجتهد في ضوء علمه وفقهه، ويدافع عن البيضة أي عن الوطن والأمة، وليست بيضة الدجاجة، كما يفهم مثل هؤلاء الفقهاء.
وأكد الشيخ محمود عامر أن مبارك هو الحاكم الذي يجب السمع والطاعة له في المعروف أياً كانت حالته في نظر البعض، ونحن لا نختلف كثيرا في وجوب السمع والطاعة للحاكم المسلم، حتى وغير المسلم أيضا في المعروف.
ويعرف الشيخ محمود أنه لا سمع ولا طاعة في المعصية. وهنا نسأل الشيخ:
هل الظلم السائد في مصر من المعروف؟ هل التزوير القائم في الانتخابات من المعروف؟ هل الخضوع للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية من المعروف؟
هل تبرج الجاهلية الأولى القائم في مصر من المعروف؟ هل الفساد الذي يسود مختلف نواحي الحياة في مصر من المعروف؟ هل بيع الغاز لإسرائيل ومنع المساعدات عن أهل غزة المسلمين من المعروف؟
هل بناء الجدار العازل على الحدود مع غزة المسلمة من المعروف؟ هل مخالفة الأحكام القضائية بشأن الانتخابات وغيرها في مصر من المعروف؟ هل السعي لتوريث السلطة في مصر من المعروف؟
ألم يسمع الشيخ محمود عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقول: كفى أن يسأل من آل الخطاب واحد؟
هل مواصفات أعضاء الشورى والبرلمانيين ومعايير اختيارهم في مصر هي المواصفات الإسلامية كما عرفها الشيخ محمود في كتب الفقه؟
هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعتبر عصيانا للحاكم؟ هل مطالبة الحاكم باحترام إرادة الشعب والأمة تعتبر دعوة إلى الفتنة و'عصيان الحاكم المسلم؟ هل السعي لا زالة المنكر بكل الوسائل المشروعة يعتبر من الفتنة؟ باليد واللسان و'القلب كما ينص على ذلك الحديث الصحيح؟
بالله عليك يا شيخ محمود هل شعب مصر أقل من شعب كوريا الشمالية أوفيتنام وهما يواجهان الهيمنة الأمريكية، و'يدرأون الخطر عن أرضهما مهما كلفهما ذلك من ثمن.
و'هم لم يقرأوا في كتاب الله الذي تقرأه و' قد تحفظه 'إنفروا خفافًا وثقالا'. و'لم يقرأوا 'وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة و'من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و'عدوكم'.
أ لم تر أو تسمع عن الرئيس شافيز رئيس فنزويلاً العظيم، وهو يقف مع القضايا العادلة في العالم ومنها قضية فلسطين و'إيران وهو لا يحفظ كتاب الله تعالى و'لم ينتم في حياته إلى جمعية إسلامية مثل أنصار السنة المحمدية؟
كيف تكون الدعوة إلى العصيان المدني من أساليب الخوارج، والخوارج كما هو معلوم استخدموا السلاح والقتل في وجه العدول من الصحابة؟
ما هذا الجهل يا شيخ محمود بالشرع وبالتاريخ؟
ما ذا نقول في مثل هذه الفتاوى الشاذة والفقه المعكوس، لا نملك الا نقول 'حسبنا الله ونعم الوكيل'، هل يمكن محاكمة هذا المعتوه الذي سبق له أن لقَّب النظام المستبد الظالم بأمير المؤمنين؟ سواء كان على رأس الجمعية أم خارجها؟
أدعو القضاة الأفاضل والمستشارين الكرام في مصر ممن هم في الخدمة أو خارجها على المعاش أو الاستيداع أن يقيموا محكمة لهذا الرجل، حتى يكون عبرة لغيره من المنافقين الذين يتاجرون بالدين ويشوهون صورة الإسلام.
ومن الباحثين عن الحظوة عند السلطان المتغلب الفاشل أو من يسعون لكسب رضى الحاكم حتي ولو كان ظالما. ويسرنا أن نشد على أيدي البرادعي والهيئة الوطنية للتغيير وكل المعارضين للديكتاتورية البغيضة في مصر وفي العالم
'وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون' و'لله العزة ولرسوله وللمؤمنين'
و'الله الموفق.
*مستشار مركز دراسات الحضارات في لندن جريدة القدس العربي 24/12/2010