نجاح أمريكا في العراق د. عبدالله السويجي يقولون إن أمريكا غارقة في المستنقع العراقي، ويقول مسؤولون في إدارتها إن الجيش الأمريكي يعاني من عدم توازن، نظراً لتورطه في العراق وأفغانستان، وإنها مرتبكة بحيث لا تدري بأي طريقة ستنسحب من العراق، وإنها قاب قوسين أو أدنى من إعلان فشلها أو هزيمتها، وإن الحرب تكلفها 700 مليون دولار يوميا، وسياستها فشلت فشلاً ذريعاً، وخسرت ماء وجهها. ويستند أصحاب هذا الرأي إلى معطيات من أهمها: * أولاً: إن أمريكا فشلت في العثور على أسلحة الدمار الشامل، واعترفت بذلك في أكثر من مناسبة. * ثانياً: فشلت في إرساء الديمقراطية التي تتحدث عنها منذ سنوات، بل على العكس فقد أثارت النعرات الطائفية بحيث لا تستوي معها أي ديمقراطية. * ثالثاً: فشلت في إعادة إعمار العراق، من حيث البنية التحتية وإعادة تكوين جيش له ولاء صاف للوطن دون غيره، وعملت بدلاً من ذلك على دعم ميليشيات بعينها، بل إن الواقع الأمني العام لا يساعد على بدء إعمار من أي نوع. * رابعاً: زادت من مأساة الشعب العراقي قتلاً وتهجيراً، فهناك مئات الآلاف من القتلى إلى جانب عدد مماثل من الجرحى، ناهيك عن المعاقين جسدياً وذهنياً ونفسياً، إضافة إلى انعدام الشعور بالطمأنينة، وترك الأمور بيد المسلحين من شتى الاتجاهات. * خامساً: فشلت في توحيد الصف العراقي، ومزقته إرباً، وتعمل حالياً على تقسيمه إلى ثلاث دويلات صغيرة. * سادساً: فشلت في تحقيق الأمن للمواطن العراقي، الذي لا يأمن على بيته وشرفه وأمواله وممتلكاته، وبالتالي يسعى للخروج من العراق إلى بلاد الله الواسعة. * سابعاً: فشلت في اجتثاث البعث من الخريطة العراقية، وتفكر بالاستعانة به في ضبط الأمور، يساعدها في ذلك سياسيون يطالبون بتجسيد الديمقراطية التي لا يمكن لها أن تترجم عن طريق إقصاء حزب والسماح لآخر. ولكن، هل هذه هي الأسباب الحقيقية التي دفعت أمريكا إلى احتلال العراق؟ قد تكون هذه الأسباب ولكنها ظاهرية، وليست الأسباب الجوهرية، أي بمعنى أدق، هذه هي الأسباب الإعلامية التي يتداولها المسؤولون والخطباء والسياسيون في العلن، أما أسباب غزو العراق فمسألة أخرى وهي حسب اعتقادنا كالتالي: * أولاً: خلق تواجد استعماري آخر في قلب الوطن العربي، يشكل إضافة أخرى إلى التواجد الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، يعمل على مزيد من الشرذمة وتقطيع أوصال الوطن العربي ثقافياً وديمغرافياً وجغرافياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً. * ثانياً: الاقتراب من منابع النفط في الخليج والإطلالة على ينابيع النفط في إيران وبحر قزوين، سعياً للتحكم باقتصادات العالم، فهم ينظرون إلى أن هذه الثروة شاءت لها الأقدار أن يديرها جهلة متخلفون لا يفقهون معنى الحضارة والتقدم والديمقراطية. ثالثاً: تعزيز الفتن الطائفية في الوطن العربي، وتتجلى أكثر ما تتجلى الآن في العراق، ثم في لبنان وبعدها في الجزائر والسودان وإيران، ويعملون على نشرها وإثارتها في أكثر من مكان. * رابعاً: الاقتراب من عدوة أمريكا التاريخية، روسيا، التي كانت ممثلة بالاتحاد السوفييتي، حيث كان حلم جنرالات الحرب الباردة الوصول إلى حدود المعسكر الاشتراكي والمرابطة على تخوم الصين وروسيا وأن تكون للولايات المتحدة يد في إدارة الثروات الطبيعية، وتحويل المعسكر الاشتراكي إلى رأسمالي. * خامساً: أن يرابط جنودها على حدود سوريا والأردن لاستنزاف القدرات وجعل المنطقة واقفة على ساق واحدة، ويبقى مشوار التنمية مؤجلاً إلى إشعار آخر، وفي الوقت نفسه لتنفيذ فكرة شارون بأن يكون الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين، كما تهدف أن تكون على الحدود التركية، إلا أن تركيا بلد مسلم ويجب أن تخشاها أمريكا، مهما طال حكم العسكر ودفاعهم عن نظام العولمة. فالشعب التركي شعب مسلم، وقد يأتي اليوم الذي تتفجر فيه الأصولية والإسلامية والأحزاب التي ستنادي برحيل أمريكا ومحاربتها. * سادساً: إن الهدف الرئيسي من وراء ذلك هو إطالة عمر الكيان وإبقاؤه قوياً متفوقاً على المحيط العربي الذي تعوق تقدمه وتزرع فيه الفتن والقلاقل والاضطرابات والتفرقة والحروب. فالكيان هو رأس الحربة الأمريكية وخط الدفاع الأول عن مصالحها في المنطقة، هذه المصالح التي لا نبالغ إذا قلنا بأنها تطال تخريب الإسلام ومحاربته، وها هي تهمة الإرهاب تلتصق به في الأدبيات الإعلامية والسياسية الرسمية الغربية، ولدى الجهلة الكثيرين. فهل نجحت أمريكا في تحقيق أهدافها؟ إن نظرة سريعة على الواقع المزري والبائس، ترينا بوضوح أنها حققت كل أهدافها، ونجحت نجاحاً باهراً في بناء قواعد لها في العراق والمنطقة، تكون جاهزة للتدخل السريع ضد أي تحرك مناوئ لها، وتكون جاهزة لمواجهة أي خطر قد يظهر من دول المعسكر الاشتراكي السابق، الذي لا تطمئن له أمريكا، ولا تزال تخشاه، فهناك حرب باردة خفية، تظهر سخونتها في التحالفات العديدة في المنطقة، بل إن أمريكا تعلم أن روسيا وهي تحاول تزويد إيران بالتكنولوجيا النووية إنما تفعل ذلك لمواجهة المد الأمريكي وبعثرة جهودها وقواتها هنا وهناك. أما بالنسبة للعراق، فإن أمريكا نجحت نجاحاً مذهلاً في تخريبه وإعادته إلى عصور الظلام والتخلف والفتن والحروب الداخلية، حتى بات العراق الذي عرف بحضارته وفنونه وقوته الاقتصادية يحيا على الدول المانحة والمساعدات التي تأتي من دول الجوار ومن أوروبا (الخيرة)، وبات الإنسان العراقي مهزوماً بعد أن كان علامة للثقافة والعلم والبناء. إن مواجهة الولاياتالمتحدة تبدأ من القناعة بأنها نجحت في تفتيت اللحمة الوطنية لأبناء الوطن العربي، وعليهم استعادتها، وإنها تخطط لتفريغ العراق من سكانه، ولذلك على العرب أن يتذكروا أن هناك أكثر من ستة ملايين مهاجر ولاجئ عراقي نجحت أمريكا في طردهم من بلادهم. إن أي نظرة للتعاطي مع الواقع المعتم تنطلق من إضاءة المصباح ليكشف ما تمكنت أمريكا من فعله، وهنا نقطة البداية، أما أن نعيش حلماً وردياً بأن أمريكا فشلت في تحقيق مآربها، فهذا لن يزيد الوضع إلا سوءاً والله المستعان. عن صحيفة الخليج الاماراتية 15/10/2007