أن الأزهر الشريف كان-ولايزال-منارة عظمى ترعى الإسلام وفكره وتحمي بيضته العلمية والفقهيةوالدعوية مماأصابها من زوابع فوضى التشدد والتطرف والتميع،بسبب كيد الأعداء وعجز العلماء،وبسبب "التقاليد الوافدةوالراكدة"..ومع علمنا أن الأزهر في فعاليته وتأثيره،وفي جلال أمره وسلطانه قدانحسر كثيرا وتراجع موقعه عماكان عليه أيام كان على رأس مشيخته الشيخ حسن العدوي والشيخ عبد المجيد سليم والشيخ مصطفى المراغي والشيخ الخضرحسين وغيرهم رحمهم الله جميعا..
ولهذا الانحسار أسباب يعرفهاالراسخون ممن عرفوا الأزهر وتاريخه ويضيق المقام لعرضها في هذاالتعليق العابر،إلا أن الأزهر في حس الأمة وعقلهاوضميرها يبقى هو الأزهر..!!. والحق أن علماء الأزهر وخريجيه كثر وأعداد غفيرة،وهم من الكثرةوالزخم بحيث-والحمدلله- تزحم بهم الآفاق،بيد أن الملاحظ-خاصة في عصر الأزهر القريب-يدرك تماما إدراكالامراء فيه أن ليس كل من لبس العمة و"الكاكولة" يمكن أن يكون في هيلمانه العلمي وسلطانه الفقهي وتأثيره الدعوي كالشيخ محمد أبوزهرة أوالشيخ محمد الغزالي أوالشيخ محمدمتولي الشعراوي أوالشيخ محمد سعيد رمضان البوطي(وهو أزهري أيضا)أو علامة العصر وفقيه الدعاة وشيخ المربين الشيخ يوسف القرضاوي -أمدالله في عمره وبارك لنا في علمه وفقهه-....
إن الشيخ يوسف ليس علما أزهريا تخرج في الأزهر ثم انزوى يفتي هنا وهناك ثم استقر به المقام في قطر ثم أخذ يكتب في بعض المجلات الدورية ويظهر في بعض الفضائيات يفتي في بعض المسائل ويؤلف كتابا أواثنين ثم يعيش ما شاء الله له أن يعيش ثم لاشيء..!!! لا...لا.... إن الشيخ القرضاوي-بلا فخر أوادعاء-علم رباني صنع الله به بين أقرانه"ملحمة"فكرية إسلامية،فجمع الله فيه من الميزات والسمات الفكرية والفقهية والدعوية ما تفرق في غيره..!!!!.
فإلى جانب التمكن الرصين الراسخ لآليات الفتوى والإلمام بكل مقتضياتها المعقدة،فهناك إلمام واسع بظروف العصر وتحدياته الراهنة وماهو موقف الإسلام الصحيح منها،بعيدا عن الإفراط والتفريط،ناهيك عن الورع والأريحية والمرونة في شخصيته-نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا-... وإلا فما معنى هذا القبول والرضى الذى أكرمه الله به في قلوب مجموع سواد الأمة...؟؟
. وأنا هنا لا أتحدث بعصمته أو كماله-حاشا لله ولرسوله-فلا شك أن للشيخ الجليل مادحين وقادحين ومنتقدين ومعارضين ومخالفين،وربما في فكره وفتاواه مايرد ويرفض،شأنه في ذلك شأن خيرة علمائنا في كل زمان ومكان،بيد أن أشد الناس انتقادا له لايجرؤ أن ينكر المواهب الجليلة والمكانة العلمية بين العلماء التي أًضفاها القدر عليه.... ولا أذيع سرا إذا قلت؛ إن أية جلسة إسلامية(فكرية كانت أوفقهية)أو أي مؤتمر ذي صلة،كجلسات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين(الذي شرف برئاسته)أومجمع الفقه الإسلامي أو المجلس الأوروبي للإفتاء أوحتى برنامج الشريعة والحياة أو برنامج هدى الإسلام أوخطبه المنبرية...فلا يشعر التابع الجاد فينا أن الجلسة قد استوى سوقها وارتقى مستواها وتم التفاعل بها إلا بوجودالشيخ القرضاوي فيها أو متصدر في منصتها....
إن لحديث الشيخ وعمق تحليله وقوة حجته وهيبة شخصيته وجلال سمته ميزة خاصة قل أن تجتمع في غيره...وقد نسمع ذات الحديث وذات التحليل من غيره إلا أن الفتح محدود...!!!!. وقد كان أولى بمصر العزيزة(أعني السادة من صناع القرار فيها)-وهي بلده وأصله ومحضن نشأته-أن تعرف للشيخ قدره الحقيقي في مؤسساتها الشرعية منذ سنين....ولكن لله الأمر من قبل ومن بعد،وعلى كل حال فقد عرفت بلاد الإسلام شرقا وغربا مقدار هذا الشيخ الجليل،وأظن أن مكانته عند القاصي والداني لاتخفى على أحد،وإن كان الشيخ يرجو-وهذا مانحسبه-مكانة أعلى وأغلى عند الله يوم العرض عليه،وهذا هو الأهم....
لقد ذكرني وضع الشيخ في مصر وحاجة مجمع البحوث الإسلامية-أخيرا-إليه بما قاله أحد علماء الأزهر مرة-وأظنه الشيخ محمد عرفة رحمه الله-قال: إن هناك بيئات ترفع علماء وتزري بآخرين،ألا ترون أن الليث بن سعد كان أفقه من مالك بن أنس ومع ذلك فإن أهل المدينة احتضنوا مالكا ونشروا فقهه ودفعوه للصدارة،بينما أهل مصر أهملوا تراث الليث وفقهه فتلاشى أويكاد..!!!؟؟. وحسبنا هذا........ ** الجزائر