الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، لا أحد يمكنه المزايدة على دوره في خدمة الدعوة الإسلامية، فالرجل طوال عمره الذي تجاوز الثمانين عاما معروف عنه العمل الدؤوب في الذود عن الإسلام وقضايا المسلمين، وقد دفع العالم الفاضل ثمن مواقفه، اعتقالا وسجنا وهجرة من وطنه، والعيش بعيدا عن أهله وناسه سنوات طوال.. هذه واحدة. أما الثانية فهي اجتهاد الشيخ الجليل في تقديم آراء فقهية في قضايا معاصرة، لكن اختلاف البعض مع تلك الاجتهادات لا يبيح لهم التعريض بالرجل أو الانتقاص من قدره وقامته وسط الكبار من علماء المسلمين، فيكفي الرجل التصدي للقضايا التي تواجه المسلمين في الغرب، والأمور التي تتداخل مع أزمات معقدة، وقد أخبرنا رأيه المنحاز من اللحظة الأولى إلى الثورات العربية، في الوقت الذي آثر فيه البعض الصمت. لم يدافع الشيخ القرضاوي - ابن مؤسسة الأزهر الوسطية - عن السلاطين والحكام، ولم يصمت حتى عن قطر التي يعيش فيها، حيث وجه لحكامها النقد في أكثر من محطة. الجميع يعلم انتماء الشيخ القرضاوي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وهي في نظري ليست نقيصة، رغم اختلافي مع تلك الجماعة، فانتماء القرضاوي المبكر إليها، واستمرار علاقته بها على مدى عشرات السنين، يحسب للرجل ولا يحسب عليه، وقد رأينا المتلونيين كما الحرباء تطويعا لآرائهم وخدمة لمطامحهم من حقبة إلى أخرى، ومن عصر إلى عصر.. وهذه ثالثة. وبناء على ما تقدم كما يقال، شعرت بنوع من الغضب لعدم رد العالم الجليل الدكتور يوسف القرضاوي، وجماعة الإخوان المسلمين، على الهجوم الذي شنه عضو هيئة كبار العلماء السعودية الشيخ صالح اللحيدان، الذي انتقد انتماء الشيخ القرضاوي إلى الجماعة، التي وصفها بأنها "غير صافية العقيدة". الشيخ اللحيدان الذي اعتبر المظاهرات من الإفساد في الأرض، انطلق في هجومه على الشيخ القرضاوي وجماعة الإخوان من خطاب أرسله الدكتور القرضاوي إلى العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز حول تمكين المرأة السعودية من قيادة السيارة، وشكره لتعيين عضوات في مجلس الشورى. اللحيدان وصف هذا الخطاب ب"الإساءة الكبيرة" واعتبره تدخلا، وقال في تسجيل نقلته بعض وسائل الإعلام خلال خطاب ألقاه داخل أحد المساجد: "سمعت كلمة للشيخ عبد الرحمن البراك، موجهة ليوسف القرضاوي، والحقيقة أن القرضاوي أساء إساءة كبيرة"، وتساءل اللحيدان "ما الذي يجعله يكتب للملك؟"، وأضاف: "هل فكر القرضاوي أن ينهى الناس عن الشرك الأكبر، في مسجد الحسين في مصر؟". وختم حديثه بالدعاء بأن يهدي الله يوسف القرضاوي، من دون أن يسميه بالشيخ أو الدكتور على حد ما نقلته بعض وسائل الإعلام التي لم ينف الشيخ اللحيدان ما نقلته عنه. وقبلها كان العالم السعودي الشيخ عبد الرحمن البراك، طالب الشيخ القرضاوي ب"السكوت على أقل تقدير، بدلاً من أن يشارك في حملة تغريب المرأة المسلمة في السعودية، والرقي على أكتاف الغير، لطلب الثناء والمدح، من الرئيس الأميركي على موقفه".. وأنا هنا أنقل عما نشر في العديد من المواقع الإخبارية العربية. لماذا لم يرد الشيخ الجليل يوسف القرضاي على هذا الانتقاد، ولماذا آثرت جماعة الإخوان المسلمين الصمت على اتهامها بأن "عقيدتها غير صافية"؟ هل لا تزال الحقبة السعودية تحكمنا فلا تقوى جماعة ملء السمع والبصر، وتسعى لحكم بلد في حجم مصر، الرد على اتهامات لو كانت قد صدرت عن العلمانيين والليبراليين المصريين لقامت الدنيا ولم تقعد وربما اشعلت نيران لا يقوى أحد على إطفائها. "أسد عليَ وفي الحروب نعامة" هل يمكننا اللجوء الى هذا المقولة وقد حاولت إحدى الزميلات الصحفيات في "المشهد" الحصول على أي تعليق من رموز جماعة الإخوان على هجوم اللحيدان، غير أنهم رفضوا الحديث، متعللين بأن مثل هذا الكلام لا يستدعي التعليق! وإذا كانت الجماعة لا ترى أهمية في التعليق على هجوم أحد أعضاء هيئة كبار علماء السعودية، الذي وجه إليها اتهاما من العيار الثقيل يطعن في صفاء عقيدتها، فإننا لا نرى الأمر كذلك وما زلنا نطالبها بتعليق يجيب على تساؤلات البعض عن سر عدم الرد على اللحيدان، خاصة أن غبارا كثيرا يعلوا الأفق حول الدور السعودي في الساحة المصرية!!