* أحمد عمرو عثمان بعيدا عن الإطالة في الحديث الغير مجدي , أنا أعاني مشكلة غاية في الصعوبة مقارنة بباقي المشكلات التي يمكن أن يتعرض لها أي بشر أو حتى يسمع عنها ..... أرى أنني لم أخض في أي تفاصيل لذلك سوف اعرض باستفاضة ....... .
أنا ( مدحت حسين ) ابن الأستاذ /( حسين موسى ....................) أنا الآن علي مشارف الثانية والعشرين من عمري .... اثنين وعشرين عاما من المعاناة .. من مشكلة ...... الشكل .. , لقد خصني الله بشكل يختلف عن باقي البشر .. فأنا لست كمن يقرأ تلك السطور .. لأنني صاحب رأس غير طبيعية قد تكون كبيرة نسبيا بشكل يجعل من يراني يرتعد خوفاً وأذنين تذكرك بأذن أحد الحيوانات ( استغفر الله ) ولكن تلك هي الحقيقة والعينين وكأنها مصابة بشلل أو ما شابه أما عن الفم والأسنان فقد يعدا كلاهما طبيعيا بعض الشيء بعيدا عن ذكر التعرجات التي يعاني منها طاقم أسناني .... هذا يعد باختصار شديد للغاية شكلي تماما وببساطة لقد أطلقت علي نفسي بعد أن سمعت من الناس .... المنبوذ .
كنت صغيرا أعد عمري علي ستة من أصابع يدي عندما رأيت الأطفال في الشارع الذي يوجد به منزلنا التقليدي , يلهون في غاية السعادة وفكرت في الانضمام إليهم وسألت أبى " هل يمكنني أن أشاركهم اللعب في الشارع بالأسفل ؟ " ويبدو علي سؤالي براءة الأطفال, وسرعان ما سمعت الموافقة من أبى وكنت غي غاية السعادة وانطلقت إلى الشارع لكي اصطدم بأول معاناة..... , " هل يمكنني المشاركة في اللعب ؟ " وجهت السؤال إلى أحد الأطفال لكي أستمع إلى ما لم اسمعه قط .. كيف تريد أن تلعب معنا ؟ أنت لست مثلنا ألم تنظر إلى نفسك ولو مرة في المرآة لكي تري وجهك الغريب .
ولم تنتظر عيني أن تطلق إنذار قبل أن تعلن بكائها ولكن الدموع سبقتها بالانهمار الشديد , أسرعت إلى منزلي والي أبى من بعده قائلا " هل أنا غريب يا أبى ؟ " وعينيا تشاركني السؤال مع دموعها , حينما أجابني أبى " ومن قال هذا أنت طبيعي .. ولكن من قال هذا هل هؤلاء الأطفال في الشارع ؟ " أجبت برأسي نعم وانطلقت إلى غرفتي وبرغم صغري شعرت بأني سوف أعاني الكثير مستقبلا . وازدادت معاناتي مع مر الأيام والشهور مكونة مع مرورها السنين التي تحمل الكثير والكثير من العناء , وكان والداي يحاولان تخفيف تلك الآلام عن نفسي وأنا نفسي حاولت أن أنسي ذلك الأمر ولكن الأمر اقوي كثيرا من نسيانه ونكرانه ... والآن أنا طالب في كلية تجارة ( ........ ) وهنا تكون قمة الاختلاط والتعارف ولكني كنت أميل إلى العزلة لكي لا اسمع ما لا احب أن اسمعه خاصة أنني من الممكن أن أتهور وتصل إلى درجة القتل وكانت مع أحد الأصدقاء الذي حاول استفزازي في ذات مرة , ولم اشعر بنفسي إلا وأنا في مكتب مدير المدرسة وكان هذا الصديق في المستشفي يعاني من عدة كدمات وجروح في العديد من أعضاء جسمه ولكنني لست عنيفا ولا أميل إلى العنف ولكن من حولي من البشر يحاولوا مضايقتي وهم أيضا من لقبوني ........... ب ..... المنبوذ .
كانت الورقة والقلم كلاهما وسيلتا الإفصاح عن همومي وسرد مشكلاتي و إعداد خططي المستقبلية ... لذلك فتلك الصفحات هي اختصار لحياتي تقريبا ..... , أعود لحديثي عن أيام سعادتي للالتحاق بالجامعة ولكن ظل الخوف من المجتمع والحياة القادمة يعكر صفو سعادتي ولكني حاولت الانتصار ولو مرة واحدة علي ذلك الخوف الكامن داخلي , وبالفعل بدأت أُشعر نفسي بأني طبيعي وأعمل علي إهمال كل من يثير الشك نفوسهم حولي وبدأت علاقاتي بالأصدقاء والصديقات تزداد ولكن كانت هناك عقبة الشكل بمثابة حاجز منيع بيني وبين أصدقائي إلا من القليل .... القليل جداً ولكن يعد تطوراً في حد ذاته أن يكون لي أصدقاء مهما اختلف عمرهم أو حتى فكرهم ولكنهم لم يضعوا حاجز الشكل كمانع مثل الباقين , ولكن لم تدم سعادتي طويلاً سرعان ما تلاشي الأصدقاء القلائل وعاد المنبوذ لما كان عليه لأن السعادة لم تعرف طريقها لي لذلك عاد المنبوذ إلى المنبوذ .
أتذكر ذلك اليوم جيدا عندما اتجهت للجامعة مبكرا للأول مرة لان حالة من الملل كانت تسيطر علي وكان يوم سعادتي كلها ونسيت فيها إنني منبوذ ويكفيني أن شعرت ذلك الشعور ولو لساعات قليلة ولكنها الأفضل علي الإطلاق , جلست علي إحدى الطاولات في كافيتريا الجامعة وحيد كل العادة من يقدر علي المخاطرة بحياته والجلوس معي علي طاولة واحدة ويتحدث معي ولو كذبا ....... وكم تمنيت أن أكون طبيعي لكي يشعر الناس بأني مثلهم لست واحد آخر مريخي أو من سلالة أخري غير البشر وحمدت الله علي ما أنا عليه مع أنني اكرهه ولكن الحمد لله علي كل حال وكل شئ......... وأنا احدث نفسي هذا الحديث وأتمني من يكسر جار الشكل .....
كانت هي الوحيدة التي تشجعت نعم هي من تتابعها عيني في كل مكان ولكن لا اقدر علي أن أحدثها ولو حتى بالسلام .... ولم اصدق نفسي وأنا أراها متجهة إلى المكان الذي اجلس فيه وأخذ عقلي وعيني يكذبا ما أراه محاولا أن يذكرا لي عكس ما أراه هل حقا هي قادمة إلى ؟؟؟ وأخذت تلك الأسئلة تطلق نفسها من كل ركن في عقلي , ولكن الأمر لا لا لا لا بل هي التي حسمت الأمر عندما سمعت أذني صوت أنيق أسلوبه رنان صداه ساحرة كلماته حينما كنت اقرأ في كتاب بين يدي , والتفت إلى صاحبة الصوت الرقيق وكأنني لم اكن متابعاً لخطواتها من بعيد ومتجه نحوي وأسلوبها يأخذ صيغة السؤال متسائلة " هل تسمح لي بالجلوس؟ " ...... لم اقدر علي الحديث ولو حتى بكلمة أو إشارة عندما سقطت عيني في عينيها الساحرتين جمالهما, ولكن بعد برهة من الوقت لا اعرف كم مقدارها استعدت قدرتي علي الحديث وأنا اقف قائلا "هذا يعد شرفاً أتمنى الوصول إليه " مع ابتسامة رقيقة ملئت نفسي سعادة من وجهها الرقيق , "أرى انك تهوي العزلة عن الباقين؟؟" قالتها متسائلة وكنت خائف اشد الخوف من أن تطرح أي سؤال علي مسامعي يشعرني بالضيق خاصة وأنا في قمة سعادتي........
"علي العكس الآخرين هم من صنعوا تلك العزلة لست أنا " أجبت عن سؤالها مكملا بسؤال آخر " هل تقبلين صداقتي.. يا....؟؟ " , أكملت هي "إيمان "وأنا لا اقدر علي قول تلك الكلمة وأتمني الاستماع إلى كلمة نعم , وبالفعل لقد سمعتها وذلك اليوم هو يوم ميلادي الجديد وشعرت ولو لدقائق إنني لست .... منبوذاً بعد أن تذوقت طعم السعادة .....لم تدم لي السعادة طويلاً لأنها سرعان ما تلاشت وتركتني .....ولكن الحقيقة أنا لم اعتاد عليه لكي احزن علي فراقها.... , استقبلت العديد من المكالمات والرسائل تحوي نفس المعني (( أنت لست مثلنا وليس لك الحق في المعيشة معنا ........ أنت غريب عنا أيها المنبوذ الحقير ..... ابحث عن أي مكان حقير يروقك واذهب إليه )) وغمرتني العزلة اكثر مما كنت عليه , لم يعد مدحت هو مدحت ..... ولكن لم أكن أنا السبب فيما أنا عليه ولا أحد وبدأ الشيطان يأخذ مكان داخل عقلي بأفكاره الهدامة التي تودي بصاحبها إلى اخطر وابشع النتائج , وكم من بشر سقطوا في بئر الشيطان إلى أن وصلت إلى أقوي الأفكار والتي راقت لي كثيراً ........ الانتحار لكي ارتاح واُريح من هم يكرهوا وجودي , ووضعت الخطة المناسبة ......... .
كان المنزل يشكو من الهدوء الغامر فيه عندما اتجه كل من فيه إلى أعمالهم إلى أنا في اليوم الموعود لتنفيذ الخطة.... وبدأ العد التنازلي للقب مرحوم قبل اسمي ....... اكثر شئ أفضله هو اللعب بالسكين الكبير لذلك جعلت وجهتي المطبخ ومددت يدي نحو السكين الأكبر واصبح الآن بين أصابع يدي اليسرى أحركه في الهواء وأنا أعود إلى منتصف الشقة تقريبا ... ومع ذلك الهدوء سمعت صوت أنيني بعد أن غرزت ذلك السكين الكبير في صدري لكي أُريح من حولي ووجدت نفسي ارقد وسط بركة من دمائي الحمراء لونها والتي تعد الشيء الطبيعي الوحيد الذي يذكرني بأني بشر .... , ووسط كل ذلك التقطت أذني صوت جرس الباب ولكني بدأت أتلاشى وأدعو الله علي أن يسامحني علي تلك الكبيرة وغبت عن الوعي تماما ..... .
أنا اسمع صوت مألوفة إلى أذني انه صوت أبى وأمي والأقارب وبدأت انظر من حولي لأجد نفسي علي سرير بين الأجهزة الطبية إذن فأنا لم أمت لم يحن الميعاد حتى الآن واستمع إلى كلمات الحمد والشكر لله علي أنني مازلت حيا وبعدها التأنيب واكتفيت بالابتسامة مظهرا أسناني التي تشبه تعرج الطرق الغير ممهدة علي ما فعلت والآن أدركت بأن الوقت لم يحن لكي ترتبط كلمة المرحوم مع كلمة منبوذ , جاء الليل بروعته وسحره الخاص الذي أهواه عندما أصبحت غرفتي فارغة من كل من كانوا بها والطبيعي أن المستشفى تمنع مرافقة المريض ..... وهذا هو الأفضل وما كنت أريده لكي أضع نهاية مؤقتة مقبولة.
" أين مدحت ؟؟!! يادكتور .... ؟؟ " قالها والدي في الصباح عندما وصل الغرفة ولم يجدني بها و لكنه وجد بها شئ مني ..... ((أسرتي العزيزة بمن فيها من أبى و أمي و الأقارب و الأحباب .... أُدرك الآن بأنكم وصلتم إلى غرفتي ولم تجدوني بها ... ولكن لا داعي للقلق فأنا الآن في مكان بعيد , أنا وكل من هم مثلي شكلا ... من لقبوا بالمنبوذين ... هؤلاء الذين رفضهم المجتمع لمجرد انهم لم ُيخلقوا كسائر البشر واصبح لديهم الرغبة في القضاء علي تلك العناصر المنبوذة مثلنا و إبادتها ... لكي لا يختلطوا بهم ... وبالفعل لقد نجحوا لأنني و من يشبهني الآن من المنبوذين شيدنا مجتمع خاص بنا ... بنا فقط كل من فيه رفضهم المجتمع .. ولكن مجتمعنا يضم المنبوذين أي انه لا مكان للتفرقة لان الجميع هناك منبوذين ........ لذلك فلقد انضم المنبوذ إلى باقي المنبوذين )) (( تمت ))