«أنا عمرى فى حياتى ما حبيت مسيحى، أنا كان ليا أصحاب مسيحيين كتير بس عمرى ما حبيت مسيحى، لكن مينا دانيال ماكانش بالنسبالى مجرد أول مسيحى أحبه، مينا كان أول إنسان أحبه أكتر من أى إنسان تانى فى الحياة، أكتر من أخويا، مينا دانيال لما الشرطة فى إسكندرية كتفونى وربطوا رجلى وسحلونى عمل ثورة لوحده علشانى، فضل يناكف فيهم وهما يضربوه ويسحلوه، لكن هو فضل ثابت علشانى، يا جماعة أنا لو مكان مينا ماكنتش عملت اللى هو عمله علشانى، يا جماعة أنا كنت طالع فى الثورة دى علشان أنا مؤمن بمبادئ معينة، إنما دلوقتى أنا هاكمل فى الثورة دى علشان دم مينا دانيال المسيحى». هل تعلم مَن قائل هذا الكلام أعلاه؟ قاله شاب سلفى فى حفل تأبين مينا دانيال، لم أستطع أن أتوقف عن قراءته مرة بعد أخرى منذ رأيته على صفحة عمرو أسعد على «فيسبوك». لماذا؟ أولا لأن الكلام مؤثر وصادق. وثانيا لأنى أشعر بالضبط بمشاعر هذا الشاب السلفى. حين كان عمرى 14 سنة تعرفت إلى أعضاء فى الجماعة الإسلامية بينما ألعب مع أصدقائى فى استاد أسيوط. بعدها مباشرة دعانا هؤلاء «الإخوة» الأكبر منا سنا إلى مباراة بين فريق شارعنا وفريق من «الملتزمين» أعمارهم من أعمارنا. ذهب فريق شارعنا حسب الميعاد وتأخرت عنهم قليلا. وبينما كنت فى الطريق للحاق بهم رأيت جارى حسام عزمى عائدا فى الطريق، باكيا. أخبرنى أن فريق «الملتزمين» رفض أن يلعب المباراة ما دام فى فريق شارعنا شخص مسيحى، وأصروا على استبعاده من المباراة. رفضت بدورى أن ألعب المباراة، ثم ذهبت إلى أحد «الإخوة» الكبار الذين نظموا المقابلة وشكوت إليه مما فعل الملتزمون الصغار، فأمهلنى قليلا حتى ينتهى من عمل فى يده ثم جلس إلى جوارى وقال لى «ربنا سبحانه وتعالى بيقول إيه؟ بيقول: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم. أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه)» ثم سألنى «هل تريد أن تكون ممن كتب الله فى قلوبهم الإيمان، أم تكون ممن نفى عنهم الإيمان بالله واليوم الآخر؟ ذكر لى أحاديث عن عدم بدء اليهود والمسيحيين بالسلام، والتضييق عليهم فى الطرقات.. لا اللعب معهم وإظهار المودة. لن أدخل فى جدل فقهى. لكننى أعود على بدء. إننى أفهم تماما شعور هذا الشاب السلفى، وهو يقول ما قال. كنت -أكرر فى الرابعة عشرة من عمرى، ونشأت فى مدرسة الراهبات الفرنسيسكان، ولك أن تتخيل: كل أصدقاء المدرسة الذين نمت مشاعرى المتنوعة معهم مسيحيون، لكننى أجد نفسى مخيَّرا بين أن ينفى الله عنى الإيمان، كما قال لى الأخ، أو أنفى غير المسلمين من حياتى. فاخترت أن أنفى كل أصدقائى من حياتى، وأن أبدأ حياة «مثالية» مع إخوة الإيمان. ست سنوات كاملة من مراهقتى -المفترض أن تكون أحلى سنين عمرى، وقت الحلم والطموح- قضيتها فى تلك الحياة المثالية المفترضة. لن أقيّمها إلا بهذا الوصف الشخصى: كانت حياة «تنقصها التلقائية»، والتلقائية جنين المشاعر الإنسانية الصادقة. لكننى سمحت لنفسى يوما أن أفكر بمعزل عن الأصوات التى تعيش معى ليل نهار كسماعة أذن، وأن أعتمد على الإنسان بداخلى، وأترك له المجال لكى يعبّر عن نفسه. وسألت نفسى هذا السؤال، كإنسان: لو كنت أنا فردا من أقلية، هل من العدل أن يعاملنى مَن حولى كأننى جَرِب منبوذ؟ ولو كان من حولى هم أبناء وطنى الذى لا وطن لى سواه، ألن يكون الموت أو الانتحار أو الحرب أهون على نفسى من الحياة فيه؟ الإجابة الشخصية أتركها لكل واحد فيكم. أما هذا الشاب السلفى وأنا، فقد أدركنا أنه فى البدء كان الإنسان، وفى المنتهى سيكون الإنسان. وعزمنا أن نحب ونبغض، إنسانا لإنسان.