حيدر عبد الشافي طبيب ومناضل فلسطيني عرف بوطنيته الشديدة ووفائه الرائع لبلده وهذا ليس بالغريب على الشعب الفلسطيني الذي طالما قدم أبطالا كثيرين تنقش أسمائهم بخطوط من ذهب في سجل الكفاح الفلسطيني .ويعد الدكتور حيدر مثالا رائعاً من هذه الأمثلة فهو الرجل المثقف الذي يمتلك مستوى عالي من التعليم والفكر الذي سعى بكامل جهده من أجل تحقيق هدف واحد وهو نصرة بلاده، بدأت شهرة حيدر تبرز وتظهر فعلياً على المستوى العالمي من خلال قيامه بترأس الوفد الفلسطيني إلي مؤتمر مدريد وذلك في أوائل التسعينات من القرن الماضي . جاءت وفاة الدكتور حيدر في فجر يوم الخامس والعشرون من شهر سبتمبر 2007 عن عمر يناهز الثمانية والثمانون عاماً بعد حياه حافلة قضاها مناضلاً من أجل بلاده .
محيط مي كمال الدين
كان الدكتور حيدر دائماً ما يدعو من أجل المزيد من الديمقراطية بداخل السلطة الوطنية الفلسطينية، وإنشاء وحدة وطنية جامعة وشاملة لكل الفصائل والتيارات والاتجاهات، وكانت له العديد من الإسهامات السياسية والطبية المتميزة بالإضافة لتأييده لانتفاضة الأقصى الثانية والتي عبرت عن مدى الضغوط التي تعرض لها الشعب الفلسطيني خلال سنوات من الكفاح والتفاوض دون الوصل لنتيجة مرضية لهذا الشعب المناضل.
النشأة
اسمه كاملاً حيدر بن محيي الدين عبد الشافي، ولد الدكتور حيدر في مدينة غزةبفلسطين عام 1919م ، وتلقى تعليمه الأساسي بها ثم أنتقل إلي القدس حيث أكمل دراسته الثانوية بالكلية العربية والتي تخرج منها عام 1936م، توجه بعد ذلك إلي لبنان من أجل مواصلة رحلته العلمية فقام بالالتحاق بالجامعة الأمريكية بالعاصمة اللبنانية بيروت حيث قرر دراسة الطب والجراحة ، وكما كانت البداية هناك في لبنان بدراسة الطب كانت البداية السياسية أيضاً حيث قام بالانضمام إلي حركة القوميين العرب وظل بها لفترة من الزمن.
مهامه العملية
تخرج حيدر من كلية الطب عام 1943، وكانت البداية العملية له بممارسة تخصصه كطبيب في مدينة يافا وذلك في مستشفى البلدية التابعة لسلطة الانتداب البريطاني، وأثناء الحرب العالمية الثانية تنقل حيدر بين العديد من الأماكن سواء بداخل فلسطين أو خارجها إلي أن انتهت الحرب فخرج من الجيش وقرر العمل في عيادة خاصة به في مسقط رأسه بمدينة غزة، وأصبح عضواً في المجمع الطبي العربي عام 1945م.
قرر حيدر بعد ذلك الانتقال إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية من أجل التخصص في الجراحة العامة وكان ذلك في أحد المستشفيات بمدينة دايتون بولاية أوهايو، ثم عاد إلي موطنه مرة أخرى عام 1954م، فعمل جراحاً في مستشفى تل الزهور بقطاع غزة والتي كانت حينذاك تابعاً للإدارة المصرية ، وفي عام 1956 جاء العدوان الثلاثي على مصر وكانت من النتائج التي ترتبت عليه هو قيام إسرائيل بفرض سيطرتها على غزة واحتلالها، وعلى الرغم من قيام السلطات الإسرائيلية بعقد مجلس بلدي للمدينة واختيار الدكتور حيدر كواحد من ضمن أعضائه إلا انه أبى أن يشغل مثل هذا المنصب وخاصة وأن الذي وضعه فيه هم ألد الأعداء والغزاة المحتلين.
المجال العملي والسياسي
عاود الدكتور حيدر مزاولة عمله كطبيب في عام 1960، ولكن بدأت مشاركته السياسية تظهر عندما تم اختياره في عام 1962 كرئيس للسلطة التشريعية في قطاع غزة وذلك حتى عام 1964م، وشارك حيدر في أول مؤتمر وطني فلسطيني تم عقده في مدينة القدس وهو المؤتمر نفسه الذي أسست فيه منظمة التحرير الفلسطينية وولدت كإحدى المنظمات المدافعة عن الحقوق الفلسطينية.
عمل حيدر كعضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في الفترة ما بين 1964 – 1965، وكانت لمساهماته السياسية الأثر الفعال في اعتباره أحد الزعماء البارزين في غزة.
ما بين الطب والسياسة
على الرغم من دراسة الدكتور حيدر لتخصص دقيق وهو الطب وهو الأمر الذي يختلف تماماً عن المجال السياسي والنضالي إلا أن من وراء هذا الطبيب ظهر مناضل سياسي عظيم تمكن من تحقيق الكثير من أجل بلده، فأصبح تارة طبيباً وتارة سياسية وتارة ثالثة ضم الاثنان جنباً إلي جنب من أجل هدف واحد وهو وطن عزيز يسمى فلسطين.بعد أن قامت إسرائيل بالانسحاب الأول من غزة عقب العدوان الثلاثي إلا أنها ما لبثت أن احتلتها مرة أخرى في عام 1967م، وفي هذه الفترة عمل حيدر كطبيب متطوع في مستشفى الشفاء بغزة.
الاعتقال والنفي
لم تمر حياة الدكتور حيدر بشكل يسير أبداً فقد عاني كأي فلسطيني مناضل حر من أجل بلاده فعقب الاحتلال الثاني لغزة تعرض للاعتقال من قبل سلطات الإسرائيلية بتهمة تأييده لسياسات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وبعد أن أطلق سراحه عاود مباشرة نشاطه السياسي ولم يأخذ السجن من عزيمته شيئاً وهو الأمر الذي لم ينال إعجاب القوات المحتلة فقامت بنفيه إلي أحد القرى بشبه جزيرة سيناء بناءاً على أمر من وزير الدفاع الإسرائيلي موشى ديان، وقضى هناك قرابة الثلاثة أشهر ثم توجه من سيناء إلي لبنان في الثاني عشر من سبتمبر عام 1970 مع عدد من الزعماء الوطنيين وذلك كنوع من الرد على قيام الجبهة الشعبية باختطاف ثلاث طائرات ونسفها في الصحراء الأردنية.
من مشاركاته السياسية والعملية
كانت للدكتور حيدر العديد من الإسهامات سواء السياسية أو الطبية ومن هذه الإسهامات نذكر مشاركته في تأسيس الجمعية الطبية الفلسطينية عام 1945م.
وفي عام 1972 قام بتأسيس وإدارة جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في قطاع غزة والتي أصبحت تقدم الدعم الطبي بالإضافة للمشاركة في عدد من النشاطات الأخرى.
كما شارك الدكتور حيدر مع الوفد الأردني الفلسطيني المشترك في مؤتمر مدريد عام 1991، كما ترأس الوفد الفلسطيني المفاوض في مباحثات العاصمة الأمريكيةواشنطن وذلك في الفترة ما بين 1992 – 1993، ثم قدم استقالته من هذا الوفد في إبريل 1993 وذلك احتجاجاً على استمرار الخلاف على عقدة المستوطنات الإسرائيلية والذي رفض أي تسوية لا تنص على إزالتها، وبعد عدد من المفاوضات عاد مرة أخرى للوفد إلا أنه مالبث أن استقال مرة أخرى منه.
تم انتخابه في عام 1996 نائباً في المجلس التشريعي الفلسطيني عن غزة مكتسحاً بأغلبية الأصوات، وتم تعينه رئيساً للجنة السياسية فيه، ولكنه انسحب منه في 30 مارس 1998م، فلقد كان يرجوا أن ينجح المجلس في تحقيق أي تقدم في القضية الفلسطينية وهذا الذي لم يتحقق نظراً للسلطات المحدودة الممنوحة للمجلس.
وكانت للدكتور حيدر مشاركة متميزة في تأسيس ما يعرف بالمبادرة الوطنية الفلسطينية عام 2002 مع كل من الدكتور مصطفى البرغوثي والأستاذ إبراهيم الدقاق.
الوفاة
واصل الدكتور حيدر مشواره النضالي المشرف حتى النهاية ولم يغفل خلال حياته الحافلة هذه عن حلمه الأوحد وهو إرجاع الحق لأصحابه ولكن كما كانت للدكتور حيدر بداية بالتأكيد يجب أن تكون هناك نهاية مثله كمثل جميع الأشخاص والأشياء في هذا العالم وكانت النهاية بوفاته في فجر يوم 25 سبتمير 2007 متأثراً بمرض سرطان المعدة في إحدى المستشفيات بمدينة غزة وهي المدينة التي شهدت مولده قبل ثمانية ثمانين عاماً من تاريخ وفاته.
قضى الدكتور حيدر رحمه الله حياة حافلة مناضلاً ومثقفاً وحاملاً هم قضية بلده ومدافعاً عنها رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وجزاه عن شعبه وبلده خير الجزاء.
التكريم
قام الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس أبو مازن بتكريم الدكتور حيدر عبد الشافي بأن قلده وسام نجمة الشرف الفلسطينية تقديراً لدوره النضالي المتميز وعطائه الوافر لوطنه وللشعب الفلسطيني وذلك من خلال مناصبه التي شغلها ومشاركاته الهادفة في المفاوضات والمنظمات الفلسطينية.
الحياة الاجتماعية
تزوج الدكتور حيدر من السيدة هدى الخالدي وأنجب ثلاثة ذكور وابنة واحدة.