بعد مشوار طويل من الكفاح الوطنى، وصراع مع المرض توفى الدكتور حيدر عبد الشافى القائد الوطنى الفلسطينى ورئيس الوفد الفلسطينى السابق فى أول مفاوضات مع إسرائيل فى مدريد، فجر الثلاثاء 25/9 بأحد مستشفيات مدينة غزة عن عُمر يُناهز 88 عاماً، قضاها فى خدمة الشعب الفلسطينى والدفاع عن حقوقه الوطنية وقضيته المشروعة . وانطلق بعد ظهر اليوم الموكب الجنائزى لعبد الشافى بعد أداء صلاة الظهر عليه فى المسجد العمرى "الكبير" وسط مدينة غزة بمُشاركة وزراء ونواب وشخصيات فلسطينية ومُمثلين عن الفصائل الفلسطينية، والآلاف من أبناء الشعب الفلسطينى، ولف جثمان الفقيد الذى يتمتع بشعبية كبيرة واحترام كبير من كافة الشرائح الفلسطينية بالعلم الفلسطينى، وردد المُشاركون الهتافات المؤكدة على أهمية الوحدة الوطنية التى كان يجسدها الدكتور عبد الشافى . ونعت السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية عبد الشافى "المناضل الكبير"، بل ونعت الفصائل الفلسطينية عبد الشافى فى بيانات منفصلة ووصفته ب"المناضل الوطنى الكبير" .. أحد أهم رموز الشعب الفلسطينى ونضاله التاريخى فقيد الشعب وفقيد الأمة، ويعتبر من مؤسسى ورئيس المُبادرة الوطنية الفلسطينية فى عام 2002 . ومن جانبه نعى الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثى، وقيادة وأعضاء المبادرة القائد التاريخى المناضل الوطنى الكبيرالدكتور حيدر عبد الشافى مؤسس ورئيس المبادرة الوطنية وأحدالمؤسسين الأوائل لمنظمة التحرير الفلسطينية، والذى عايش القضية الفلسطينية منذ بداياتها وشغل خلال حياته العديد من المواقع كان دائماً يمثل فيها ضمير الشعب . وعلى إثر وفاته انتاب سكان قطاع غزة حالة من الحُزن الشديد الذين عرفوا الدكتور عبد الشافى فى مواقفه الشجاعة واقترابه من الفقراء وهو يفارق الحياة بعد مسيرة طويلة من العمل دون أن يرى حُلم حياته يتحقق بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة . وقال صلاح عبد الشافى إن والده توفى فجر الثلاثاء بعد صراع مع المرض، حيث كان يُعانى من ورم سرطانى فى القولون والرئة، حيث أكد مصدر طبى أنه تم استئصال ورم سرطانى من القولون قبل عام لكنه عاود للتفشى فى الرئة وأنحاء الجسم ما أدى الى وفاته . وقاد عبد الشافى الذى يعتبر قائداً وطنياً فلسطينياً أول فريق فلسطينى للمفاوضات مع اسرائيل فى مدريد عام 1990، ثم استقال من رئاسة الوفد بعد الإعلان عن قناة تفاوضية سرية بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى فى أوسلو. ويؤكد المُقربين للراحل أنه تميز بعلاقاته مع قادة الفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية ومنظمات المجتمع المدنى، وأنه كان شخصاً قيادياً وحدوياً .. عمل من أجل بناء وطنه وكان يحلم بإقامة دولة فلسطينية لكن حلمه لم يكتمل . ومن جهته وصف أمجد الشوا مُنسق شبكة المنظمات الأهلية عبد الشافى بأنه كان رمزاً للوحدة، ومن دعاتها على مدار سنى عمره عندما كان يردد ضرورة توحد الفلسطينيين وتمسكهم بالثوابت ومن أهم دعاة الالتزام بالاخلاق والنظام، بل وصفه بالأب الروحى لمنظمات المجتمع المدنى الفلسطينى والمؤسس لكثير منها وله دور بارز فى استقطاب التضامن الشعبى والحزبى والنقابى الدولى، وأنه كان يحظى باحترام كبير من الرئيس الراحل ياسر عرفات، وقلده الرئيس محمود عباس فى 2007 وسام نجمة الشرف الفلسطينى . ويقول صلاح عبد الشافى إن هاجس والده كان التعليم والنظام وساعد الكثير من الطلبة الفلسطينيين على إكمال تعليمهم العالى فى جامعات عربية وأجنبية فى الخارج، وتابع .. إنه كان حنوناً ودوداً مع الجميع خصوصاً مع أفراد أسرته .. وعبد الشافى له ثلاثة أبناء وبنت وسبعة أحفاد، ويسكن قرب مفترق عُرف باسمه منذ سنوات فى حى الرمال غرب مدينة غزة ، وكان عبد الشافى عضواً فى مجلس التعليم الأعلى الفلسطينى وعضو مجلس أمناء جامعة بير زيت بالضفة الغربية . من هو حيدر عبد الشافى ..؟ - ولد عبد الشافى فى مدينةغزة عام 1919. - تعلم فى مدارس لبنان وتخرج من كلية الطب بالجامعة الأمريكية ببيروت عام 1934 . - عمل طبيباً فى المستشفى الحكومى ليافا بعد التخرج، وعمل طبيباً خصوصياً، وكان طبيباً ناجحاً، وهو عضو المجمع الطبى العربى منذ 1945. - كان أول رئيس لبرلمان غزة " المجلس التشريعى" خلال الفترة من 1962 إلى 1965 . - شارك عام 1964 فى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، حيث كان من أبرز نشطائها . - أبعد إلى لبنان فى عام 1970 لنشاطه بمنظمة التحرير الفلسطينية . - عمل رئيساً لجمعية الهلال الأحمر الفلسطينى فى غزة منذ 1972. - كان له دوراً سياسياً واجتماعياً فى قطاع غزة من خلال نشاطه فى منظمة التحرير والهلال الأحمر . - ترأس عبد الشافى عام 1990 الوفد الفلسطينى فى مفاوضات مدريد، وقاد فريق المفاوضات الفلسطينى لمدة 22 شهراً فى محادثات واشنطن، ثم استقال من قيادةالوفد إثر تسرب الأنباء عن قنوات تفاوضية سرية قادها أحمد قريع، والتىتمخض عنها اتفاق أوسلو الذى رفضه عبد الشافى بشدة. - لم يستمر طويلاً فى عضويةالمجلس التشريعى، حيث قدم استقالته منه بعد عامين احتجاجاً على ما وصفه فى حينه تقاعساً فى مواجهة الفساد فى السلطة الفلسطينية، وعدم تمكنه من خدمة الشعب الفلسطينى فى هذا المنصب. - والدكتور عبد الشافى هو أحد أبرز مؤسسى المُبادرة الوطنية الفلسطينية فى عام 2002، والتى يرأسها اليوم الدكتور مصطفى البرغوثى . - اعتزل الدكتور عبد الشافى العمل السياسى منذ عامين تقريباً ورفض دخول الانتخابات الفلسطينية الثانية فى عام 2006 . - وفى أبريل 2007 قلده الرئيس الفلسطينى محمود عباس، وسام نجمة الشرف الفلسطينى، تقديراً لدوره الكبير وعطائه المُميز فى خدمة الشعب الفلسطينى، لنيل حقوقه الوطنية العادلة، ودوره النضالى من خلال مواقعه التى شغلها. وكان الفقيد الفلسطينى الكبير حيدر عبد الشافى يؤمن بأهمية " النظام " فى حياة الشعب الفلسطينى من أجل نصرة قضيته، وأسس المُبادرة الوطنية وترأسها لتعبر عن تيار وطنى فلسطينى يسارى .. ويرى فى منظمة التحرير الفلسطينية " منظمة قيادية فلسطينية " تأسست بشكل موضوعى وشرعى لقيادة الشعب الفلسطينى فى نضاله لنيل حقوقه . ومن جانبه أشاد رئيس المجلس التشريعى بالإنابة الدكتور أحمد بحر بخصال الدكتور حيدر عبد الشافى كبير المفاوضين الفلسطينيين السابق، ووصفه بأنه كان شخصية وطنية من الدرجة الأولى، وامتدح الدور الذى لعبه سواء يوم تولى رئاسة المجلس التشريعى فى غزة عام 1962، أو يوم كان مفاوضاً فى العاصمة الأمريكيةواشنطن، وقال : يعتبر الدكتور حيدر عبد الشافى - رحمه الله - شخصية وطنية من الدرجة الأولى، فقد مثل النزاهة حين كانعضواً فى المجلس التشريعى، وكان رجلاً صاحب عزيمة، ودفع ثمنهاغالياً حيث أبعدته إسرائيل عام 1970 عن الأراضى الفلسطينية نتيجة مواقفه الوطنية . وأشار بحر إلى أن الدكتور حيدر عبد الشافى كان أثناء الخلاف الأخير الذى لازالت رحاه تدور بين حركتى حماس وفتح فى غيبوبة تامة بسبب مرضه، لكنه قال " كان شديد الحرص على وحدة الصف الفلسطينى، وكانت علاقته إيجابية بكل الفصائل الفلسطينية . أمنيات وأقوال: ومن الأمنيات التى كانت تراود الدكتور حيد عبد الشافى أنه تمنى أن يوفق الرئيس محمود عباس فى حياته وعمله، حيث قال إنه يتحمل المسئولية الكبيرة ورأى أنه من الضرورى والمهم التعاون معه فى شتى المجالات، ومن مقولات عبد الشافى الشهيرة " أنا مع كل الخطوات الجدية التى تفعل أداء القيادة الفلسطينية، وتوصلها إلى ما يستجيب للحق الفلسطينى أمام ما يتعرض له من عدوان إسرائيلى " . مشواره مع النضال الوطنى: ففى مارس عام 1955 حينما هبت الجماهير الفلسطينية فى قطاع غزة فى انتفاضتها الأولى ضد المشروع الأمريكى لتوطين اللاجئين فى سيناء، وكان حيدر عبد الشافى واحداً من الرموز الوطنية فى القطاع التى التحمت بالجماهير... وتراجعت الولاياتالمتحدةالأمريكية عن مشروعها بعد أن أعلن القائد الراحل جمال عبد الناصر رفضه لمؤامرة التوطين استجابة منه لانتفاضة غزة الأولى . وفى ظل الاحتلال ورغم كل ما تعرض له من ضغوط ونفى ... ظل حيدر عبد الشافى صامداً يعمل بصمت دون كلل حتى عام 1982 حين قام مع عدد من رموز الحركة الوطنية فى القطاع بتأسيس جمعية الهلال الأحمر الفلسطينى التى تمارس نشاطها لصالح الفقراء والكادحين فى المخيمات والحارات الفقيرة فى غزة وخانيونس ورفح . إن الحديث عن حيدر عبد الشافى ليس على الإطلاق حديثاً ذاتياً رغم كل هذه العلامات التاريخية المُضيئة فى حياته التى تحمل طابعاً خصوصياً فهو حديث موضوعى فى المطلق، لأن شكله ارتبط بحركة الجماهير التى حددت منذ البدء مسار الدكتور حيدر عبد الشافى دون أن يكون له أى دور كفرد فى صُنع الأحداث، وإنما عبر اندماجه الواعى والطوعى معها بعيداً عن مصالحه الخاصة بل على حسابها... من هنا جاء إجماع القوى الوطنية الفلسطينية على اختياره رئيسا للوفد الفلسطينى ليمثل فى جوهره امتداداً لإجماع الجماهير الفلسطينية وتقديرها واحترامها، سواء بحسها العفوى أو الواعى للقائد العربى الفلسطينى الكبير، حيث رأت فيه مُدافعاً صلباً عن الهوية الوطنية والمشروع الوطني الديمقراطى . إن القول بأن حيدر عبد الشافى يمثل - ولاعتبارات موضوعية - " صمام الأمان " للأهداف الوطنية الكبرى للشعب الفلسطينى، إنما يؤكد على حقيقة موضوعية، لأن التزامه بحق تقريرالمصيروالبناء الديمقراطى للمجتمع الفلسطينى وحقه فى السيادة على أرضه ووطنه بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية هو التزام بحركة ومستقبل الجماهير الفلسطينية التى كانت وستظل دوماً المُعلم والمُراقب الكبير لكل القيادات الوطنية فى الماضى والحاضر والمستقبل..الرحمة للمناضل الدكتور حيدر عبد الشافى، والعزاء لفلسطين وشعب فلسطين.... 25/9/2007