أوباما التقليدي ... وماكين المغامر عبدالله اسكندر الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 سيكون يوماً استثنائياً في تاريخ الولاياتالمتحدة. في ذلك اليوم تتخطى الولاياتالمتحدة كل الأحكام المسبقة والتقاليد السياسية البيضاء والذكورية. كل قواعد اللعبة السياسية التي تحكمها سيرورة منتظمة وضعها سياسيون محترفون ورجال الأعمال ولوبيات اقتصادية فاعلة في العاصمة الفيديرالية (استبليشمنت). في ذلك اليوم سيختار الاميركيون للسكن في البيت الابيض، حفيداً لراع من كينيا او أماً لخمسة اولاد وملكة جمال سابقة ونجمة غلاف مجلة «فوغ» قادمة من اقصى البلاد. سيختار الاميركيون حاكماً لأقوى دولة في العالم على نحو مغاير تماماً عن كل ما عرفوه منذ نشأة الولاياتالمتحدة. إنها لحظة تساوي في تاريخيتها اختيار ابراهام لينكولن محرر العبيد، او الكاثوليكي الاول الذي رأس اميركا الايرلندي الاصل جون كينيدي. الفضل في اعطاء هذا الطابع الاستثنائي، على الاقل على المستويين السياسي والاجتماعي في اميركا، يعود الى الى جون ماكين (72 عاماً) الذي فاجأ اكثر الخبراء معرفة باختيار حاكمة الاسكا سارة بالين (44 عاماً) كمرشحة لمنصب نائب الرئيس على التذكرة الجمهورية. هذا الخيار هو الذي فرض على الاميركيين ان يفاضلوا بين الديموقراطي الافرو - اميركي باراك اوباما (46 عاماً) وبين بالين ربة العائلة المسيحية المحافظة القادمة من بلاد الصقيع. وفي أي من الخيارين لحظة تاريخية بالنسبة الى الاميركيين. بالتأكيد، لم يكن دافع ماكين دخول التاريخ من هذا الباب. لقد استند في خياره على حسابات المعركة الرئاسية، في المواجهة مع التذكرة الديموقراطية اوباما - جو بايدن، عضو الكونغرس المخضرم. وانطلق من واقع حملة الديموقراطيين ليرد عليها نقطة بنقطة وبرد الصاع صاعين. في الحسابات الديموقراطية، يشكل الوجه الجديد والشاب لأوباما وحضوره الكاريزمي وقدرته الخطابية ونجوميته عنصر جذب للناخب الذي يأمل بتغيير بعد السنوات العجاف للادارة الجمهورية. لكن سيناتور ايللينويز يفتقد خبرات اساسية كونه امضى الفترة القصيرة من حياته السياسية بعيدا عن العاصمة. ومن اجل سد هذا النقص اتجه الى الخيار الاكثر سهولة وحذرا باختيار احد اعمدة السياسية الفيديرالية والخبير في العمل التشريعي، وخصوصا الخبير في الشؤون الخارجية لترؤسه لجنتها في الكونغرس لفترة طويلة. فجاء هذا الخيار تقليديا، ولم يحدث الصدمة الايجابية المتوقعة، كما أظهرت الاستطلاعات في فترة انعقاد مؤتمر الديموقراطيين في دنفر. من هنا اتجه ماكين الى الخيار المغامر وغير المتوقع، متخليا عن كل الزعامات الجمهورية الفاعلة والمؤثرة والقادرة على جلب الاصوات. لقد ذهب الى الاسكا القليلة السكان والمنعزلة بالنسبة الى الولايات الكبرى في الداخل الاميركي والتي تتضمن كثافة انتخابية. ليغامر باختيار تلك المرأة صاحبة السيرة الذاتية غير التقليدية لكنها العديمة الخبرة في ما يتعدى مدينتها وولايتها، والتي تكاد تكون مجهولة سياسيا بالنسبة الى الرأي العام الاميركي. إنه الخيار الوحيد الذي يتحدى اوباما في عقر داره، خصوصا بعد رفض اختيار هيلاري كلينتون على التذكرة الديموقراطية. لقد كسر ماكين السابقة الديموقراطية في اختيار مرشحة لنائب الرئيس، بعد تلك اليتيمة التي اقدم عليها والتر مونديل العام 1984 باختيار جيرالدين فيريرو في مواجهة تذكرة رونالد ريغن - جورج بوش الاب. لقد بدا ماكين، في هذا المجال، مقداماً ومجدداً أكثر من خصمه أوباما. لقد اقدم على مغامرة، لكنها محسوبة جيداً. فالنجومية والاستعراض لم يعودا حكراً على اوباما. فحاكم الاسكا نجمة هي الاخرى، سواء لكونها ملكة جمال سابقة ما تزال صورها، حتى الفاضحة منها، تتداول على الشبكة العنكبوتية، او لكونها صيادة ماهرة بحراً وبراً، وصاحبة موقف صلب في الدفاع عن الحق في اقتناء السلاح. من جهة اخرى، سعى ماكين الى استقطاب المحبطين من الديموقراطيين من استبعاد هيلاري كلينتون من السباق. ولم تترك بالين المناسبة تمر من دون الاشارة الى حقوق النساء وأصوات ال18 مليوناً الذين اقترعوا لهيلاري في الانتخابات التمهيدية ضد اوباما. وأعلنت حاكم الاسكا انها ستسعى لتجسيد خيارهم، سعياً الى كسبهم. من جهة اخرى، يراهن ماكين على ان المسألة المركزية في جذب الناخب الاميركي هي القضايا الداخلية، وليس خبرات مرشح نائب الرئيس في القضايا الخارجية. فاختار الإمرأة التي تمثل افضل تمثيل الايديولوجيا الجمهورية المحافظة، لكنها في الوقت نفسه اكثر المتحمسين للاصلاح في واشنطن، والتي تتابع، بحكم منصبها، ملفات اميركية حساسة، خصوصا تلك المتعلقة بالبيئة والطاقة. فهي الوجه الجديد القادر على ان يعيد الفتوة والشباب الى حملة ماكين، وفي الوقت ذاته تستجيب لتطلعات ديموقراطيين وجمهوريين واصلاحيين في آن. عن صحيفة "الحياه" اللندنية 31/8/2008