محمود خليل كنت أؤدى واجب المشاركة فى جنازة أحد الأقرباء منذ أيام قليلة فى قرية سرياقوس وقد هالنى على طول الطريق من مسطرد وحتى سرياقوس حيث المدافن تآكل الأرض الزراعية بشكل كبير .
فمسطرد التى كانت أرض زراعية وحتى مشارف الزيتون حيث بداية صحراء مصر الجديدة ابتلعتها المبانى المسلحة والمصانع وكان "المرحوم" عبد الناصر هو أول من دق خازوق تبوير الأراضى الزراعية فى عهده "الميمون".
إذ بعد هزيمته فى حرب 67 قام بنقل ما تبقى من مصانع فى الضفة الغربية للقناة إلى مسطرد وإلى عمق الأراضى المصرية وفى الأرض الزراعية خوفا من أن يطولها الطيران الصهيونى!!
لقد جنى عبد الناصر على مصر حينما استولى على الحكم ثم جنى عليها ثانية حينما ترك القصور الملكية والثروات المصرية نهبا لمجموعة من الضباط ثم حينما حكم مصر بمنطق "الصحوبية" والولاء قبل الكفاءة ثم كانت الطامة الكبرة بتفتيت الأراضى الزراعية وتوزيعها على الفلاحين .
وكان ذلك أول "خازوق" يتم دقه فى ثروتنا من الأراضى الزراعية الذى ما زالت تعانى منه مصر وأكمله بعد الطامة الأكبر فى 67 حيث قام ب "تهجير" المصانع إلى الدلتا .
رغم ان الصحراء كانت على امتداد الشوف يمكنه أن يستغلها فى إقامة ما يريد من المصانع بدلا من تبوير الأراضى الزراعية لإقامة المصانع ثم ينفق الملايين من الجنيهات على استصلاح الأراضى الصحراوية فى مديرية التحرير وغيرها.
لقد أدى "تهجير" المصانع إلى الدلتا إلى حاجة العاملين فيها للسكنى إلى جوارها فتم تبوير الأراضى الزراعية حولها بطريقة اسرع حتى تحولت جميع الأراضى التى أقيمت عليها المصانع وما حولها إلى أراضى سكنية وتآكلت الرقعة الزراعية بشكل رهيب حتى أننا خلال سنوات قليلة سوف نستورد الخضر والفاكهة بأنواعها!!!
نعود إلى سرياقوس حيث فوجئت بأن سرياقوس والخصوص وما يقابلهما على الجهة الأخرى لترعة الإسماعيلية قد تحولت إلى مصانع ومبانى سكنية وضربت كفا بكف مليون مرة حتى كدت أشق قميصى بل ألطم وجهى كالحريم على ضياع ثروة مصر الزراعية.
وأرى صورة الأجيال الجديدة من أولادى وأحفادى وقد اختفت على أيامهم الأراضى الزراعية كلها والحكومة ساعتها تعايرهم بأن ليس فى يديها شىء لتفعله لهم .
بعد أن تقاعس الآباء والأجداد فى حماية الأراضى الزراعية وليس من بد من استيراد الخضر والفاكهة من الخارج بينما اليد قصيرة والخزينة خاوية !!!
وأكاد أسمع وأنا فى قبرى حفيدى وهو يشكو هو الأخر من أن حزمة الجرجير صار سعرها جنيهان بينما كيلو الطماطم بلغ سعره عشرون جنيها وباقى أصناف الخضر تتراوح بين هذا السعر أما أسعار الفاكهة فقد ارتفع سعرها ليصل إلى خمسين جنيها للكيلو والأصناف الجيدة بلغ سعرها مائة جنيه أو أقل قليلا!!
تذكرت الرئيس الراحل أنور السادات والذى لا شك له كثير من الأيادى البيضاء على مصر والمصريين بداية من إلغاء أجهزة التنصت على المصريين والمعروفة بمراكز القوى إلى القضاء على ظاهرة زوار الفجر.
إلى تعديل الدستور إلى حرب أكتوبر إلى السلام إلى إنشاء الأحزاب إلى بناء المدن الجديدة والمدن الصناعية التى بنيت جميعها فى الصحراء إلى الانفتاح الاقتصادى ... الخ.
تذكرت ذلك وأنا أسير فى طريق مصر الإسماعيلية الصحراوى وأثناء مرورى على مدينة السلام والنهضة والعبور والشروق وبدر والعاشر من رمضان وكلها من نبت فكر السادات.
وقلت إذا كان السادات فكر وخطط ووضع اللبنة الأولى فلماذا لم نسر على طريقة ونكمله؟!!..
لماذا لم تفكر الحكومة فى مد خط مترو سطحى أو خط سكة حديد مكهرب يبدأ من موقف العاشر ليصل إلى مدينة الإسماعيلية؟..
فمثل هذا الخط لن يتكلف ثلث تكاليف خط واحد من خطوط المترو تحت الأرض التى يتم تنفيذها حاليا, فإذا كان مترو الأنفاق يزيد من الاختناق فوق الأرض بسبب تكالب السكان على السكنى بالقرب منه فإن خط مثل خط العاشر - الإسماعلية سوف يخلخل القاهرة بشكل كبير من ساكنيها.
لأن السكان سوف تتسابق على السكنى على جانبى طريق مصر – الإسماعيلية بسبب وجود خط المترو أو القطار وبذلك نخلق مجتمعات عمرانية جديدة ونخدم المدن الصناعية الجديدة ونعمر الصحراء ونزرعها بالبشر ونحافظ على الأراضى الزراعية المتبقية ويمكن تحويل القاهرة كلها بعد ذلك إلى متحف مفتوح!!
إذا نفذنا هذا الاقتراح فى طريق مصر إسماعيلية الصحراوى ومصر السويس ومصر الأسكندرية الصحراوى كمرحلة أولى فسوف يتحقق ما ذكرنا آنفا .
بالإضافة إلى حل مشكلة الإسكان والقضاء على ظواهر اجتماعية خطيرة تهدد المجتمع مثل العنوسة وما يتسبب عنها من جرائم مثل الإغتصاب والدعارة وغيرها.
قرأت فضيحة الحكومة فى أرض العياط فقلت إذا كانت الحكومة تفكر بهذا الإسلوب وتجامل العرب والأجانب على حساب الشعب المصرى والذى تبيع له المتر بآلاف الجنيهات بينما تبيع نفس المتر للعرب والأجانب بعشرات الجنيهات فاعتذرت للحكومة فى سرى .
وقلت لا بأس فسوف أصمت ولن اقترح شيئا بعد ذلك طالما ان المصالح الشخصية تطغى على فكر وقلب القائمين على امورنا وآخر ما يفكرون فيه هو مصالح الشعب والبلد!!.
تذكرت فضيحة أرض العياط وفضيحة جزيرة آمون وغيرها من فضائح الحكومة فهى كثيرة جدا حتى إننا إن عددناها فسوف نحتاج إلى كتاب قد تصل صفحاته إلى ألف صفحة أو يزيد!!..
وفى ذات الوقت قفز إلى ذهنى أن الحكومة السعودية رغم أن أراضيها صحراوية تمكنت بفضل الله تعالى والمخلصين من أبنائها إلى تحويلها إلى أراضى زراعية تنتج جميع اصناف الخضر والفاكهة وتصدر ما يفيض عن حاجتها من القمح والأرز!!
حول هذه القضية تحدثت مع أحد العائدين من السعودية وقال لى بحسرة: هذا البلد – يقصد مصر – لا أمل فيه أن ينصلح حاله طالما أن القائمين عليه يضعون مصلحتهم الشخصية قبل مصلحة كل شىء وأى شىء ويسعون إلى الثراء بأى شكل وأى وسيلة على حساب الشعب ولا يراعون الله تعالى فى مناصبهم!!
قلت له: أراك وقد أمتلأ قلبك بالحسرة ولا تطيق البقاء فى مصر؟
رد: بالفعل هو كذلك ولولا أهلى وأسرتى لما وطأت قدمى مصر مرة أخرى؟
قلت: إلى هذا الحد؟
قال: نعم, وسأذكر لك مثل بسيط فأنا أعمل فى أحد المصانع ولن تصدق ماذا فعلت الحكومة السعودية مع صاحب هذا المصنع!!
لقد ذهب صاحب المصنع إلى امير المنطقة وقال له أريد قطعة أرض لأقيم عليها مشروع صناعى فطلب الأمير المسئول وقال له: نفذ ما يريد فلان!!
تقدم صاحب المصنع بأوراق المصنع ودراسة الجدوى فقال له المسئول وكم متر تريد قال له: ألفى متر فقال له المسئول بل ثلاثة آلاف ومجانا وإذا كنت تريد قرض أعطيناك فطلب قرضا ليكمل به المشروع وحصل عليه بالفعل!
وسأله متى ينتهى إنشاء المصنع قال له: خلال ستة اشهر فوافق المسئول وكلف لجنة من الإمارة تتابع نشاطه وتكتب تقريرا عن حجم الأعمال التى تتم وبعد تشغيل المصنع وبدأ إنتاجه يغزو السوق السعودى ويصدر الفائض إلى الخارج استدعاه المسئول وأخبره أن الأمير أعفاه من باقى أقساط القرض بعد أن شاهد إنتاجه!!!
يضيف: هكذا تتعامل الحكومة السعودية مع مواطنيها أما على الجانب الأخر ففى مصر تتعامل الحكومة مع من يريد عمل مشروع على إنه لص يريد سرقة مصر – بينما هم من يسرقونها –
أو باعتباره بقرة حلوب تريد حلبها إلى أخر نقطة لبن فى ضرعها ثم بعد أن ينتهى لبنها ترميها فى الصحراء وهذا ما حدث فى كثير من المدن الصناعية وعلى رأسها أكتوبر وإذا عددت عدد المصانع التى أغلقت أبوابها لوجدتها بالآلاف فأى حكومة تلك التى تحكمنا وهل بهذا الأسلوب يتم إدارة دولة بحجم مصر؟!!.
وهل بمثل هذه الحكومة – لاأقصد تلك الحكومة بالذات ولكن حكوماتنا المتتالية منذ عهد الثورة "المباركة" باستثناء حكومتين أو ثلاث فى عهد الرئيس السادات أما الباقى فهم عبارة عن شلة منتفين بالمنصب – يمكن أن تنهض مصر لتعبر القرون الوسطى التى نعيش فيها.
قلت له: بالطبع عندك حق لقد سبق وزرت العديد من المدن الصناعية وشاهدت بالفعل على الطبيعة المصانع المغلقة وقد تكلفت ملايين الجنيهات وبعد إغلاقها تشرد العمال وزادت الجرائم المجتمعية.
وفى المقابل تزداد سرقات المال العام وجرائم الاختلاس والتربح واستغلال المنصب ولهذا فأنا اتفق معك تماما فى إنه لا أمل فى الإصلاح طالما أن القائمين على إدارة البلاد يحرصون على مصالحهم الشخصية وتكوين الثروات من الحرام حرصهم على التشبث بالحياة.
أخذنى تفكيرى إلى وجهة أخرى وهى كيف ينفق هؤلاء تلك الثروات التى تبلغ الملايين أو المليارات من الجنيهات أو الدولارات او اليورو أو الاسترلينى؟!!...
فأنا مثلا لو حصلت على مائة جنيه زيادة على دخلى أظل أفكر كيف انفقه؟ وفيم انفقه؟ أما هؤلاء فإن ثرواتهم يمكنها أن تكفى أحفاد الأحفاد ودون أن يعملوا ومع ذلك ترى الشره وطلب المزيد من المال يزداد لديهم .
وكأن الواحد منهم سيخلد إلى ما شاء له العمر أن يمتد ولا يدرى إنه لن يحصل على هذا المال فى قبره المظلم الذى يأكله فيه الدود بل سوف يحاسب عليه بالمليم من رب العباد من أين اكتسبه وفيم أنفقه .
بل أن هذا المال سوف يبعثره ورثته لأنهم لم يتعبوا فى جمعه كما إنه من حرام فسوف يذهب فى الحرام وما نبت من حرام فالنار أولى به فهو إذن ترك لهم نارا ولم يترك لهم ما يؤمنون به مستقبلهم كما يظن!!
قفز إلى ذهنى أيضا صورة المقابر ليس مقابر سرياقوس فهذه مقابر الناس التى تحمد ربها على كل حال بل أقصد مقابر الشافعى والسيدة وغيرها ممن دفن فيها البشوات والبكوات والحكام واصحاب الثروات.
وتساءلت هل زار أحد جامعى المال الحرام أو ناهبى البنوك أو مستغلى مناصبهم او القائمين على امور الشعب ممن لا يراعون واجباتهم تجاهه هذا المقابر.
فإذا بذاكرتى تستدعى خبر أن إحدى الشركات تبنى مقابر مكيفة وبها استراحات وبالسراميك والحجارة المستوردة فقلت: يبدو أن من سوف يدفن فيها يظن أنه فى رحلة للساحل الشمالى أو شرم الشيخ أو اسبانيا.
أو يظن أن جهاز التكييف سوف يبعد عنه حر ونار جهنم... صحيح لو كان تعب فى القرش ما كنش عمل كده.. واللى معاه قرش سرقه يشترى بيه مدفن "مكيف"!!!