حاولنا عبر 139 جمهورية البحث عن اجابات لكل علامات الاستفهام التي يحاصرنا بها قراونا.. فتحنا ملف الفلاح والاراضي الزراعية واكتشفنا اننا فقدنا 30% من الرقعة الزراعية خلال السنوات العشر الاخيرة ومعها اختفت مساحات كبيرة كانت مخصصة لزراعة المحاصيل الغذائية ولاسباب كثيرة ايضا توصلنا اليها انصرف الفلاح عن الزراعة.. بور الارض وبني عليها كتلاً اسمنتية اما من لايملك فقد هرب للمدينة بحثا عن يومية أكبر. وكان لابد ان نبحث عن السياسات التسويقية والتي أكد الفلاح وخبراء الزراعة أنها فاشلة وقد تحالف مع التقاوي المستوردة التي لاتناسب ظروفنا المناخية والمبيدات الكيماوية في القضاء علي جزء كبير من الاراضي المخصصة للمحاصيل الغذائية فاستبدل الفلاح القمح والخضر والفاكهة بالفول السوداني والمحاصيل المضربة للتصدير. واجهنا المسئولين بكل ماتوصلنا له من حقائق فأنكروا وأكدوا ان كله تمام لكن خبراء الزراعة رفضوا تصريحات المسئولين وقدموا حلولا علمية لمشاكل الفلاح تنتظر من يضعها موضع التنفيذ. وكانت الدولة قد حددت عام 2008 كردونات المباني للمدن والقري بالمحافظات والاراضي المخصصة للبناء للقضاء علي ظاهرة التعدي إلا أن القانون 119 الذي حدد هذه المساحات كانت له سلبيات حيث رفع الحراسات عن المباني المخالفة مما ادي لارتفاع اسعار الارض داخل الكردون فقام الاهالي فورا بتبوير الاراضي الزراعية والبناء خارج الكردون كما كان لقانون المالك والمستأجر اثار كثيرة سلبية فقد منح المالك حق استرداد ارضه والتصرف فيها كما يشاء وسلبها من الفلاح الذي كان يرعاها وهنا ضاعت المسئولية بين وزارة الزراعة والمحليات مما ادي في النهاية الي تقليص المساحات الزراعية ونقص انتاج المحاصيل وزيادة اسعارها وتعد الدراسة التي قدمها العالم المصري الدكتور فاروق الباز والتي اكد فيها ان مصر فقدت 36% من اراضيها الزراعية خلال النصف الاخير من القرن العشرين بما يساوي مليونا ونصف المليون فدان بسبب الاعتداء العمراني للمدن والقري وتجريف الاراضي الزراعية!! أما التقارير التي صدرت مؤخرا عن وزارة الزراعة فتقول ان مصر تفقد سنويا ستين الف فدان نتيجة التعديات في الوقت الذي لايزيد فيه معدل الاضافة من الاراضي الزراعية عن مائتي الف فدان سنويا.. علما بأن استصلاح الفدان في الاراضي الصحراوية يكلف من عشرة الاف الي خمسة عشر الف جنيه والغريب ان 24% من هذا التجريف هو إنشاءات حكومية!! فعلي سبيل المثال جامعة أسيوط جرفت خمسمائة فدان من أجود الاراضي لمبانيها والأمر تكرر مع جامعة الأزهر فرع اسيوط.. ومن المحزن انه بعد ذلك بنيت اسيوطالجديدة في الشاطئ الاخر من الصحراء ومازال التجريف مستمرا. عدسة "139 جمهورية" زارت عدة محافظات ورصدت آراء الفلاحين حول الظاهرة والسلبيات التي نتجت عنها وواجهت المسئولين بوزارة الزراعة. في البداية يقول علي حسن من قرية ميت نما بمحافظة القليوبية انه من حق مالك الارض الزراعية ان يحول جزءاً منها الي مبانياً لتوفير المسكن لأبنائه حتي وان كان ذلك سيؤدي الي نقص الرقعة الزراعية في سبيل حل أزمة توفير المسكن لابنه ويري ان الرقعة الزراعية لن تتأثر كثيرا بذلك. أزمة عامة ويوضح محمد السيد من الخصوص قليوبية ان الفلاح قد يملك اكثر من فدان ويقوم بتخصيص جزء منه للبناء عليه والجزء الآخر يبقي للزراعة وينتج عن ذلك حل أزمة سكنية لفرد وخلق أزمة عامة تتمثل في قلة المحاصيل وندرتها مما يتسبب في ارتفاع سعرها. مشيرا الي وجود ارتفاع حقيقي في سعر الارض حيث ارتفع سعر القيراط من 1000 جنيه الي 5000 جنيه وبالرغم من ذلك يكون اللجوء الي تبويرها أهم وهذا بالفعل اهدار للملكية الزراعية وللأرض الخصبة. وتري سامية حامد ان تحويل الارض الزراعية الي مبان له ضرر كبير فكان الفلاح يستفيد من خيراتها وثمارها ولكن تلاشت هذه الاستفادة بعد تحويل الارض الزراعية الي مبان. موضحة انه علي الدولة الوقوف وقفة جادة وصارمة أمام تحويل الأرض الزراعية لمبان بل علي الدولة ان تعمل علي الاتجاه نحو الصحراء لتعميرها والبناء عليها وتزويدها بالمرافق والمواصلات للقضاء علي ظاهرة تبوير الارض الزراعية بحجة أنها في وسط الكتلة السكنية وبها مرافق. منصور ابراهيم من زاوية النجار قليوب البلد يقول ان تحويل الأرض الزراعية الي مبان أمر خطير وله ابعاد أخطر فقانون الايجار القديم كان يحافظ علي حق المستأجر في الأرض الزراعية خاصة ان المالك في ظل هذا القانون حقه مقتصر فقط علي تحصيل الايجار وليس من حقه اخراج الفلاح منها أو تبويرها لتحويلها الي أرض مبان او تخصيصها لشئون اخري وحق الفلاح كان محفوظا من خلال البطاقة الضريبية ولكن القانون الحالي اعطي المالك الحق في طرد المستأجر والتصرف في الأرض الزراعية كما يشاء ويقول انه كان مستأجراً لأرض زراعية ولكنه فوجئ بطرده منها وقام صاحبها بالبناء عليها بالكامل فأتجه الفلاح المصري الي بيع الخضروات بدلا من زراعتها. ويؤكد ان غالبية الأراضي الزراعية الموجودة بالبلد تم تحويلها من مساحات خضراء الي مناطق سكنية وبالتالي فالمساحة الزراعية في طريقها للانحدار وانخفاض كمية المحاصيل عن المعدل الطبيعي الذي يكفي حاجة السكان. ويطالب بحماية الأراضي الزراعية وضرورة وجود رقابة من مسئولي حماية الاراضي بالمديريات الزراعية. ويشير فرج ابراهيم عطية من زاوية النجار القليوبية الي انه بعد امكانية فك عقد الضريبة بين المالك والمستأجر اصبح لدي المالك حرية شخصية في تحويل أرضه من أرض زراعية الي أرض مبان وهذا الامر قضي علي الزراعة. طردوا الفلاحين ويضيف محمد عبدالسلام من الشرقية ان والده كان له قطعة أرض زراعية مؤجرة من خلال عقد ايجار منذ سنوات طويلة وكانوا يقومون بزراعتها مناصفة مع صاحب الارض الا أن الدولة قامت بالغاء هذا القانون وأعادت الأرض بالكامل للمالك دون ان يحصل المستأجر علي أي تعويض عن هذه الأرض أو أن يكون له الحق في زراعتها فأصبح طوع أمر المالك رغم ان ذلك مخالف للشرع والقانون لأن الأرض في الاساس لمن يفلحها طبقا لقوانين الاصلاح الزراعي وغيرها من التشريعات فلماذا تم طرد الفلاح دون ان يكون له الحق في زراعة الأرض مرة أخري فهل تستطيع الدولة تطبيق ذلك علي عقود الايجار القديمة في السكن. ويتفق معه حسن محمد من الغربية أن طرد الفلاح من الأرض الزراعية ادي في النهاية الي عدم استقراراً لاسرة ولذلك توجه ابناؤه لانشطة اخري غير الزراعة للحصول علي دخل مناسب مما أدي للقضاء علي المجتمع الريفي المنتج للمحاصيل والالبان وغيرها فضلا عن قلة العمالة في قطاع الزراعة وزيادة أجر العامل فأثر بالسلب علي انتاج المحاصيل الزراعية وحاليا لم يعد هناك فلاح يزرع الارض بل معظمهم موظفون بالدولة فأصبح الجميع يعتمد علي آلالة في جني المحاصيل مما ادي الي زيادة الفاقد من هذه المحاصيل مثل الآت حصاد القمح والارز والتي تدمر نسبة كبيرة من المحصول وكذلك انهاء زراعة القطن في مصر لقلة عدد العمالة التي تقوم بجني القطن. وكذلك عدم زراعة الخضراوات مثل الطماطم والخيار وغيرها لاحتياجها للعمالة بشكل كبير فزادت الاسعار لذلك فهو يطالب الدولة بأن تدعم الفلاح من خلال بنك التنمية ومنحه قروضا تساعده علي عودة مشروعات التسمين للمواشي وتربية الماشية وزيادة الانتاج الحيواني فالقانون الذي أنهي العلاقة بين المالك والمستأجر لم ينظر نهائيا الي الفلاح ولم يمنحه اي تعويض فالارض التي كان يزرعها يشعر انها ملك اصبح اجيرا فيها والنتيجة ارتفاع الاسعار. 25 ألف حالة تعد! الدكتور محمود منصور استاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة الازهر يؤكد ان الاحصائيات الرسمية تشير الي ان موسم الانتخابات الحالي شهد مايقرب من 25 الف حالة تعد جديدة علي الأرض الزراعية وهو مايعطي مؤشرا خطيرا عما يمكن ان يحدث من تعديات خلال موسم الانتخابات البرلمانية. فقد استغل هواة التعديات وسماسرة الاراضي انشغال الاجهزة التنفيذية والامنية في الانتخابات الرئاسية من اقتطاع اكثر من الف فدان من أجود الأراضي الزراعية. وقد تفاوتت نسبة التعدي من محافظة الي أخري. ففي محافظة الغربية وصلت حالات التعدي الي 4 ألاف حالة وفي محافظة البحيرة أكثر من 2200 حالة وفي القليوبية 1200 حالة وفي الدقهلية 800 حالة وفي دمياط 600 حالة الغريب في الأمر انه في الوقت الذي وعدت فيه الحكومة باستصلاح مايزيد علي ثلاثة ملايين فدان لزيادة الرقعة الزراعية نجدها تغمض عينها عن التعدي علي الأرض الزراعية. المشكلة أكبر من مجرد المواجهة الامنية للتعديات لانها وليدة إهمال لعقود طويلة. فالحكومات المتعاقبة لم تنتبه الي توفير المساكن البسيطة للشباب وكانت سياستها تتجه الي الاسكان الفاخر ولم تجد القري العناية بالزيادة السكانية لفترات طويلة اضافة الي ان كردون عام 1985 لم يعد يتحمل الزيادة السكانية الضخمة. ويضيف الدكتور محمود الرافعي رئيس المركز المصري الدولي للزراعة أن أهم اسباب مايحدث من تعد علي الاراضي الزراعية هو قلة وعي المصريين بأهمية وقيمة الارض التي هي مصدر حياة لكل مواطن فالحل هو تشديد العقوبات حيث يقوم مسئول الزراعة بعمل المحضر للمخالف والتنبيه بضرورة الازالة الا ان النيابة بمجرد تغريم المخالف يعتبره ذلك زريعة لاكمال الاعمال المخالفة لذا الحل قانون واضح هو والعقوبات المشددة.. يضيف الرافعي ان الزراعة قامت بجهد كبير خلال السنوات الماضية لتعويض الاراضي التي فقدت وذلك بزراعة اكثر من مليون و900 الف فدان بشرق السويسواسيوط وطريق مصر اسكندرية الصحراوي ومازلنا نستصلح في اماكن مختلفة ولولا تلك الزراعات ما وجد المصريون اي خضروات او فواكه بالاسواق. ويري عبدالرحيم الغول رئيس لجنة الزراعة بمجلس الشعب ان المساحات التي يتم الاعتداء عليها من اجود الاراضي الصالحة للزراعة. كما تعود بالخير علي الاقتصاد القومي الزراعي الذي يعد من اهم القطاعات التي تساعد في التنمية. ولايحق للحكومة الاهمال فيها او التغافل عنها. ويشير الي ان مايحدث تواطؤ واضح من بعض المسئولين لتقليص الرقعة الزراعية. لان التعدي عليها يتم تحت سمع وبصر الاجهزة الرسمية. وكأنها تتعمد القضاء علي الاراضي عالية الجودة. وأكد ان الخطورة تتزايد في ظل أزمة المياه خاصة ان الزراعة في الارض الصحراوية ذات الجو القاري تعمل علي تبخر المياه علي العكس من التربة الطينية التي تحتفظ بالماء وتسهل زراعتها. والتي تقل تكلفة الاستثمار فيها كثيرا عن المبالغ الطائلة لاستصلاح مساحات جديدة. وطالب النائب الحكومة بإنشاء جهاز شرطة خاص بحماية تلك الاراضي. علي غرار شرطة السياحة والنقل والمواصلات. وبمواجهة محمد علاء موسي وكيل وزارة الزراعة بالقليوبية اكد انه مما لاشك فيه ان محافظة القليوبية من اكثر المحافظات تعديا علي الاراضي الزراعية والسبب في ذلك هو موقعها الجغرافي وقربها من مدينة القاهرة وكذلك اغلبية الاراضي الموجودة علي الطريق يتم تحويلها لمبان ولموقعها الجغرافي وزيادة قيمتها فالتعديات في محافظة القليوبية عالية والتراخيص وكذلك وكل تعد له اجراء قانوني صارم فيتم تشكيل لجنة من الوحدة المحلية والزراعة لاتخاذ الازم تجاه تلك التعديات بالازالة واعادة زراعة الارض مرة اخري فالشخص القائم بعملية التبوير يهدف الي الاستفادة من الارض بتحويلها لمبان ولكن عملية التبوير مجرمة قانونا ويلزم اتخاذ اللازم بتحرير محاضر في الجهات المسئولة خاصة اذا كان التبوير قد تم رغم توافر مياه الري وكل سبل الزراعة السليمة!. فالاجراء المطلوب لحماية الاراضي ومنع تبويرها هو تحرير محضر وتحويله للقضاء لاصدار احكام رادعة باعادة زراعة الارض لمدة عامين اي زراعتها موسمين زراعيين قبل تسليمها للمالك أو الحائز وعلي الفلاح الاهتمام بعملية الري خاصة في ظل الموجات الحارة لمنع تلف المحاصيل وبالتالي لاترتفع الاسعار.