الخصوصية التاريخية لمتحف العريش القومى * حاتم عبد الهادى
حاتم عبدالهادي تقتصر أهمية متحف العريش على كونه يحمل اسم تلك المدينة المصرية المجاهدة فقط، وإنما تمتد تلك الأهمية لتطال ما يضمه من مقتنيات تاريخية نادرة، ربما كان من أهمها تلك المقتنيات الخاصة بتاريخ شبه جزيرة سيناء، وبخاصة تلك التي سرقها في وقت سابق جيش الاحتلال “الإسرائيلي"، ونجحت مصر في استعادتها بعد رحلة بحث طويلة وشاقة، استمرت لنحو عشر سنوات، تتبع خلالها فريق من الأثريين المصريين، الدراسات والأبحاث ودراسات النشر العلمي الذي قام به علماء عرب وأجانب عن آثار سيناء، ومتابعة كل ما يعرض من آثار في جميع متاحف العالم.
هذه الآثار استخرجها جنود وضباط الاحتلال من نحو 59 موقعا أهمها شمال سيناء، وتحديدا في مدينة “بيلوزيم" الرومانية و"تل الفرما" و"قصروين" و"قاطبة" و"بئر العبد"، وفي جنوبسيناء كانت جزيرة “فرعون" و"وادي فيران"، وهما من أهم المواقع التي قام الاحتلال بالحفر فيهما.
واستولت “إسرائيل" على هذه الآثار من دون وجه حق، حسب السجلات والوثائق التي استطاع الأثريون المصريون تجميعها، وبالمخالفة أيضا للقوانين الدولية التي تمنع نقل مثل هذه الآثار من مكانها أو تحريك أي ممتلكات ثقافية للدول أثناء احتلالها، وهو ما ساهم في تعزيز المطلب المصري باستعادتها.
وتنتمي هذه القطع من الآثار الفريدة، إلى عصور مختلفة من التاريخ المصري، وبعضها يرجع إلى 5 آلاف سنة امتدادا من العصر الفرعوني إلى العصر الإسلامي، وكلها تشكل أهمية كبيرة للعلماء في دراسة تاريخ وحضارة مصر وتاريخ سيناء.
وبعد جمع العلماء المصريين المعلومات التي وردت عن الآثار التي سرقها جيش الاحتلال في سيناء، وثقت هذه المعلومات بمساعدة علماء ومعاهد في الدول الأوروبية، في 17 مجلدا، قدمت إلى الجهات المعنية للتفاوض بشأنها، واستمر هذا التفاوض حولها لنحو عشر سنوات، وكانت المحصلة استجابة “إسرائيل" للمطالب المصرية وإعادة ما لديها من آثار لمصر على دفعتين، الأولى في 21 يناير/ كانون الثاني ،1993 والأخيرة في 31 ديسمبر/ كانون الأول 1994.
وسلم الجانب “الإسرائيلي" بعد توقيع اتفاقية عودة الآثار مصر 16 رسالة تاريخية نادرة لا مثيل لها في مصر. وهي للقائد صلاح الدين الأيوبي وكتبها بخط يده لقواته وجنوده الذين كانوا يرابطون في القلعة الشهيرة باسم جزيرة “فرعون"، ويرجع تاريخ هذه الرسائل المهمة إلى أكثر من 800 سنة منذ عصر الدولة الأيوبية.
تسلمت مصر هذه الآثار في 40 صندوقا، تحتوي على نتائج المسح الأثري في شمال سيناء، بالإضافة إلى لوحات من الحجر الجيري ترجع إلى العصر البيزنطي وعليها نقوش يونانية، وهي لوحات فريدة لا مثيل لها في العالم.
كما ضمت هذه الآثار صندوقين بهما ملفات وصور وخرائط أثرية خاصة بأعمال المسح الأثري لمواقع شمال سيناء، بالإضافة إلى مجموعة الآثار الخاصة بوزير الحرب “الإسرائيلي" الأسبق “موشي ديان"، الذي كان يحفر بنفسه عنها، حتى ان ابنته باعتها بعد وفاته، فاضطرت هيئة الآثار “الإسرائيلية" لشرائها، وإعادتها إلى مصر.
هذه القطع الأثرية ظلت في المتحف المصري بالتحرير، حتى الانتهاء من تشييد متحف العريش، ونقلت إلى المعرض، بعد طول إقامة عانت منها هذه الآثار في مخازن المتحف قبيل تهيئته للافتتاح.
رحلة: ويمثل المتحف رحلة إلى الجزء الشمالي الشرقي من أرض مصر حيث تأخذ سيناء شكل مثلث في القسم الجنوبي، منها ما يحدها من الشرق كخليج العقبة، ومن الغرب خليج السويس، وإلى الشمال من هذا المثلث يكون الجزء الباقي على هيئة متوازي أضلاع حده الشمالي ساحل البحر المتوسط، وحده الجنوبي الخط الفاصل الذي يصل بين رأس خليج العقبة ورأس خليج السويس.
وتتمتع سيناء بموقع جغرافي واستراتيجي مهم، هذا الموقع هو كلمة السر، حسب القراءات التاريخية، فهو العنصر الحاسم في تاريخ وحاضر ومستقبل مصر، وتقع سيناء بين ثلاثة مصادر للمياه: البحر المتوسط في الشمال، وقناة السويس في الغرب، وخليج السويس من الجنوب الغربي، ثم خليج العقبة من الجنوب الشرقي.
وهكذا تملك سيناء وحدها نحو 30% من سواحل مصر، بما يفسر أن لكل كيلومتر ساحلي في سيناء 87 كيلومتراً مربعا من إجمالي مساحتها مقابل 417 كيلومترا مربعا بالنسبة لمصر عموما.
ويعرض داخل المتحف مجموعة من الجرافيك والخرائط المجسمة و"ماكيتات" لأشهر القلاع المصرية الواقعة على المدخل الشرقي لمصر، مارا بطريق حورس الحربي القديم والذي كان يربط بين مصر وفلسطين وكذلك طريق الحج وطريق العائلة المقدسة.
ويضم المتحف قاعة للزائرين تعرض فيلما تسجيليا عن سيناء وقاعة رئيسية تضم القطع الأساسية للعرض المتحفي من ملوك مصر القدامى وقاعات عرض تمثل كل منها عصرا تاريخيا، ويفصل بين كل قاعة وأخرى بوابة عبور للانتقال بالزائر من زمن لآخر.
كما يضم قاعة تحوي مجموعة الفخاريات والأواني والقطع الأثرية الممثلة لجميع العصور التاريخية وقاعة العملة التي تضم مختلف العملات لجميع العصور التاريخية من الماس والذهب والفضة والبرونز وبوابة “الباثيو" التي تحتوي على مناظر للقلاع التاريخية القديمة الموجودة بسيناء.
ويضم المتحف مكتبة أثرية علمية تحتوي على جميع الكتب والمخطوطات التاريخية والأثرية وقاعة اجتماعات ومحاضرات ومسرحا على غرار المسرح اليوناني الروماني، وتسع المكتبة نحو 300 فرد وتستخدم في العروض الثقافية والتاريخية والأفلام التسجيلية بالإضافة إلى حديقة متحفية، ومجموعة من “البازارات" السياحية.