تصاعد الإرهاب بعد سنوات من أحداث سبتمبر فايز سارة عشية الذكرى السنوية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، لا يختلف اثنان في قول، إن الإرهاب يتصاعد، وهو قول يستند إلى معطيات وحقائق واضحة في مستوى العالم وفي واقع معظم بلدان الشرق الأوسط، التي اعتبرها البعض المركز المولد للإرهاب، واعتبرها آخرون الساحة الرئيسية لخوض الحرب العالمية ضد الإرهاب. لقد عانت معظم بلدان الشرق الأوسط في الأشهر القليلة الماضية من تصاعد العمليات والانشطة الارهابية، وشمل هذا التطور بصورة أساسية العراق وتركيا ولبنان وفلسطين ، وامتد الى البلدان المحيطة بالمنطقة، فشملت العمليات والأنشطة الإرهابية بلداناً في العمق الآسيوي منها الهند وباكستان وافغانستان، إضافة الى امتدادها باتجاه اليمن، واتخذت لها مسارين في افريقيا، احدهما باتجاه الشمال الافريقي نحو الجزائر والمغرب، والثاني باتجاه عمق إفريقيا عبر السودان وصولاً الى الصومال، وفي كل هذه البلدان تصاعدت الانشطة والعمليات الارهابية بصورة ملموسة في المرحلة الاخيرة. ورغم ان نشاط وعمليات "القاعدة" كانت الأوضح والاكثر حضوراً فيما تم، فإن بعض ماجرى، قامت به شقيقات القاعدة من حركة طالبان في افغانستان الى فتح الاسلام في لبنان وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وكلها عكست تنامي وصعود الارهاب في المنطقة ومحيطها. ويتوافق توسع الارهاب وتصعيد انشطته وعملياته مع حلول الذكرى السنوية لأحداث سبتمبر الاميركية، التي لاتشكل فقط نقطة مفصلية في تطور الارهاب عبر العالم، انما ايضاً في تطور الحرب على الارهاب، والتي اتخذت منذ ذاك طابعاً عالمياً، هو في موضع الاهتمام الاول بالنسبة لجميع الدول والحكومات. ورغم الزخم الذي أحاط بالحرب على الارهاب والتعاون الدولي الواسع ضده وضد منظماته ، فإن النتيجة، لم تؤد الى تحجم الانشطة والعلميات الارهابية، بل أدت الى تضخمها وزيادتها بصورة ملموسة، ويعود هذا التطور السلبي الى عوامل تتوزع في مستويين عوامل خارجية تتعلق بالرؤيا العامة للحرب على الإرهاب من جهة وبالسياسة الدولية المتبعة في هذا المجال، وعوامل داخلية، ابرزها الظروف السياسية التي تحكم العالم العربي والاسلامي من جهة، وواقع الإرث الثقافي والفكري القائم في المجتمعات العربية والاسلامية. ولعل الاهم في العوامل الخارجية التي أدت الى صعود الإرهاب واتساعه، تتمثل في محدودية الحرب على الارهاب، وهي حرب اتخذت في شكلها العام طابعاً عسكرياً - أمنياً، أساسه ملاحقة الجماعات الإرهابية وكادراتها، والعمل على تصفيتها بالقوة المسلحة قتلاً واعتقالاً وملاحقة في الطريق اليهما، وقد استطاعت أغلب الجماعات الارهابية، ان تستوعب الملاحقات العسكرية الامنية، وتحولها الى جزء من المعركة التي تخوضها ضد من تعتبرهم في قائمة أعدائها، بل نزعت الى توسيع تلك المواجهات على نحو ماحصل في افغانستان والعراق ولبنان على أمل توفير عمق تعبوي لنشاطها وعملياتها، يكفل لها الحصول على إعداد جديدة من المؤيديين والمناصرين والأعضاء في شبكاتها. والعامل الثاني الذي أدى الى تصاعد الارهاب هو تداخله وعلاقاته الاشكالية مع الكفاح ضد الاحتلال والسيطرة الخارجية، ولم تبذل جهود حقيقة في إطار الحرب على الارهاب لفصم عرى تلك العلاقات الملتبسة، بل أن الأطراف التي تجعل من نفسها طليعة الحرب على الارهاب، ساهمت بشكل مقصود في إبقاء الاشكالية والالتباس في تداخل الارهاب مع الكفاح ضد الاحتلال والسيطرة الاجنبية، ليس فقط بهدف جمعهما وربطهما ببعضهما بل من أجل تصفيتهما في آن واحد، كون الولاياتالمتحدة وإسرائيل بشكل خاص تمثلان قوى الاحتلال في مناطق الصدام الرئيسي في افغانستان والعراق وفلسطين، وهما في جملة القوى التي تحاول فرض سيطرتهما وخاصة على البلدان العربية والاسلامية. والواقع السياسي الذي يحكم العالم العربي - الاسلامي يمثل عاملاً مهما في تصعيد الارهاب من خلال مايفرزه هذا الواقع من ترديات سياسية واقتصادية واجتماعية، تعزز بيئة العنف، وتؤجج التوجهات اليه، وتؤدي الى تفريخ عناصر تؤمن به، ومستعدة للانخراط الفعال في جماعاته ولاسيما في الجماعات الدينية المتطرفة، والتي تسعى بعض الانظمة الحاكمة الى التحالف معها علناَ أو بصورة مبطنة لاستغلالها في صراعاتها الداخلية أو الاقليمية، أو انها تسكت عن أنشطتها وأعمالها، طالما كانت تخدم سياستها، ولاتشكل خطراً ماثلاً عليها. والعامل الثاني من العوامل الداخلية تمثله البيئة الفكرية والثقافية الموروثة، والتي يستند اليها منظرو العنف والارهاب في انتقائية مغرضة من الموروثات الدينية والتاريخية، تغذي العنف وتكفر الآخر، وتدعو الى نبذه، بل وتشجع على تغيبه واستئصاله وتدميره بأشكال مختلفة. واذا كانت محاربة الارهاب بما يخلفه من قتل ودمار، وهدر للامكانية ولفرص التقدم، تمثل مسؤولية عالمية ينبغي التكاتف من أجل إنجازها، فإنه لا يمكن إنجاز مهمة كبيرة كهذه في ظل سياسة تقوم على الحلول العسكرية - الامنية، وتجمع الارهابيين في خانة واحدة مع مقاومي الاحتلال ومناهضي السيطرة الاستعمارية، كما انه لايمكن المضي في الحرب ضد الارهاب وسط سكوت عن سياسة حكومات تدعم الارهاب او توفر بيئة مناسبة لتوالده، ودون عملية تحديث للانظمة السياسية وللإرث الفكري والثقافي القائم في البلدان العربية والإسلامية. عن صحيفة الوطن العمانية 13/9/2007