وإذا كان هناك جديد في هذه الحرب يختلف عن الحروب التقليدية كما نعرفها فهو أن أحد أطرافها ليس دولة معينة ولكن جماعات وأفراد منتشرين علي امتداد المعمورة لا يعنيهم إلا هزيمة الولاياتالمتحدة والحضارة الغربية ونشر أفكارهم ومعتقداتهم بديلا عنها. ولا يقتصر الأمر عند بعض من يؤمنون بوجود هذه الحرب علي أنها مثل غيرها من الحروب الصغيرة أو المتوسطة بل ينظرون إليها بوصفها حربا عالمية رابعة، باعتبار الحرب الباردة هي الثالثة بعد الحربين العالميتين الأولي والثانية. وهناك في المقابل مدرسة ثانية تري أن ما يجري علي الساحة الدولية من مكافحة للإرهاب لا ينطبق عليه التعريف القانوني للحرب، كما أن الحرب بصرف النظر عن نوعها يجب أن تجيزها مؤسسات الدولة نفسها قبل أن تقوم بها وهذا ما حدث في الولاياتالمتحدة في حربيها ضد أفغانستان والعراق بصرف النظر عن موافقة مجلس الأمن علي الحربين من عدمه، وهو الشئ الذي لم يحدث حتي الآن في حالة الحرب علي الإرهاب. وهناك من يقبل بتسمية ما يجري من مواجهة بكلمة "الحرب" علي أساس أنه مجرد وصف مجازي مثلما نقول بشن الحرب ضد الفقر أو مرض السرطان. نعود إلي المدرسة الأولي وتتبناها الولاياتالمتحدة، فنجد أنها تؤكد علي أن ما يجري بالفعل هو حرب حقيقة بمعني الكلمة وليست حربا مجازية. لذلك أكدت وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في سطورها الأولي علي أن الولاياتالمتحدة في حرب حقيقية ضد الإرهاب، كما أطلق الرئيس بوش علي رئاسته أنها "رئاسة حرب" وأن هذه الحرب سوف تستمر لفترة طويلة. في البداية كان علي الولاياتالمتحدة أن تقنع نفسها أولا بهذا المنطق الذي يحتاج في الأساس إلي بناء هيكل متماسك للتهديد الذي تنوي شن الحرب عليه. وقد بدأت ذلك متأخرة وعلي استحياء في الشهور الأخيرة من رئاسة كلينتون، برغم أن سفارتين للولايات المتحدة في إفريقيا قد تعرضتا لهجومين إرهابيين متزامنين، وبرغم تعرض المدمرة الأمريكية كول لهجوم إرهابي في البحر الأحمر أوشكت بسببه علي الغرق، ولم يملك كلينتون وقتها إلا الرد بالوسائل المتوفرة لديه، فضرب مراكز تدريب هذه الجماعات بصواريخ الكروز بعيدة المدي، وبطبيعة الحال لم يكن ذلك هو الرد المناسب لنوعية هذا التهديد. وقد تحدد الهدف من الحرب علي الإرهاب أكثر بعد 11 سبتمبر، ليصبح صيد أعضاء تنظيم القاعدة هو المطلوب من هذه الحرب، ثم تطور الهدف بعد ذلك إلي مواجهة واسعة مع هذا الطيف الواسع من الجماعات المضادة للغرب. وقد حصل هذا المنطق علي مزيد من المصداقية مع كل تكشف لذلك البون الواسع بين الفكرين الغربي والإسلامي المتطرف، في شئون الاقتصاد والسياسة والمرأة والملبس والمشرب والفن والحياة والموت. المهم في عملية 11 سبتمبر أنها جسدت خطرا استراتيجيا بسبب تفاصيلها وأسرارها المثيرة التي لم تتكشف كلها حتي الآن. وبدا ذلك من دقة اختيار الهدف، والتدريب علي الهجوم عليه بواسطة أفراد من بلاد مختلفة، ثم اختراق كل الحواجز الأمنية الأمريكية ووضع الدولة العظمي في العالم في حالة فوضي شاملة لعدة أسابيع، هذا بجانب الخسائر الباهظة المادية والبشرية والتي كان من المحتمل أن تتضاعف لو تحقق المزيد من النجاح لكل جوانب هذه العملية. ثم ما تكشف بعد العملية من امتلاك هذه الجماعات من مهارة التعامل مع التكنولوجيات االحديثة وتطويعها لخدمة أسلوبهم الخاص في شن العمليات ونشر الرعب. المهم أن 11 سبتمبر قد فتحت عيون الولاياتالمتحدة علي آلاف السيناريوهات الإرهابية الممكنة الحدوث، من أول الغازات السامة وعربات نقل الوقود والطائرات المدنية والجراثيم والفيروسات القاتلة إلي أسلحة الدمار الشامل. ثم زاد من صعوبة المشكلة احتمال أن تتبني بعض الدول هذه الجماعات، وأن توفر لها الغطاء والمال، أو أن تغمض عينيها عما تخطط له في ظروف معينة. هناك بجانب الصعوبات الفكرية والقانونية تحديات عملية تواجه هذا الحرب إذا قبلنا بمنطق أنها بالفعل حرب حقيقية. من الصعب مثلا التفاوض مع هذه الجماعات الإرهابية المنتشرة في كل مكان. وحتي لو كان ممكنا التفاوض مع جماعة معينة فلن يعني ذلك نهاية الحرب لأن الاتفاق لن يسري علي الجميع. وهناك صعوبة أخري تتمثل في كيفية الرد علي عملية إرهابية معينة كما فشل كلينتون، فعنوان هذه الجماعات غير معروف حتي يمكن توجيه العقاب إليها، كما أن الوقت الذي سوف تستغرقه هذه الحرب غير معروف، والبعض يعتقد أن الحرب ضد الإرهاب لم تتعد بعد مرحلتها الأولي. المدرسة الثانية التي لا تعترف بأن هذه المواجهة بين الغرب والإرهاب هي حرب حقيقية تري في الإرهاب أنه مجرد عرض عادي ناتج من مخاطر التحديث والتقدم مثل حوادث الطائرات والسيارات، وأن ذلك لا يتطلب شن حرب عالمية، ولكن فقط بذل الجهد المناسب للحد من الخسائر الناجمة عن هذا الخطر. وتنطلق هذه المدرسة من فكرة أن الجماعة السياسية والفكرية في أي دولة هي التي تتولي بناء هيكل التهديد وتحديد نوعه والترويج له، ويستتبع ذلك حشد الموارد والعقول لمواجهة هذا التهديد. وأن ما تحاوله جماعات معينة داخل الولاياتالمتحدة هو ملء الفراغ الناشئ من انتهاء الحرب الباردة عن طريق وضع "بعبع" جديد مكان الاتحاد السوفييتي من أجل خدمة مصالح مادية وأيديولوجية لهذه الجماعات المرتبطة بالفكر الصهيوني والمدافعة عن إسرائيل. وتبرر هذه المدرسة اختيار الولاياتالمتحدة "لبعبع الإرهاب الدولي" كبديل للحرب الباردة في أنه يقدم بديلا مستقرا لفترة طويلة. فالحرب ضد الإرهاب من وجهة نظر أمريكا ليست لها نهاية قريبة، كما أن ميزة اختيار "الإرهاب الدولي" كعدو للغرب في أنه سوف يحافظ علي شرعية قيادة الولاياتالمتحدة للغرب والعالم لفترة طويلة بوصفها هي المحددة للأجندة الأمنية الدولية. وتري هذه المدرسة أن مفهوم "الحرب علي الإرهاب" سوف يواجه تحديات كثيرة في المستقبل القريب. التحدي الأول أن المفهوم نفسه لن يعيش طويلا إلا إذا نجح الإرهابيون في أعمال كبيرة أخري مثل 11 سبتمبر، أو استخدام أسلحة الدمار الشامل، وهو أمر مستبعد من وجه نظر هذه المدرسة. والتحدي الثاني أن هناك حالة رفض وعدم ثقة لكل ما تطرحه أمريكا في إطار الأمن. والسبب أن تجربة العراق قد وصمت أمريكا بالفشل والكذب معا في تحديد التهديد داخل العراق عندما قررت غزوه. وبقدر ما ساعدت أحداث 11 سبتمبر في إقناع الناس بخطورة الإرهاب الدولي بقدر ما ضيعت الحرب علي العراق هذا الرصيد. كما أن التحيز الأمريكي الصارخ لإسرائيل قد وسع من فجوة الثقة حتي داخل الولاياتالمتحدة نفسها. والتحدي الثالث أن عدد القتلي حتي الآن الناتج عن العمليات الإرهابية ليس كبيرا، أو علي الأقل لا يرشح الإرهاب لأن يصبح عدوا عالميا للغرب كما كان الاتحاد السوفييتي من قبل. أما التحدي الرابع والأخير فيأتي من أن طبيعة الاقتصاد العالمي لن تسمح بتعميد الإرهاب كعدو عالمي مستمر، وأن الأكثر احتمالا أن تدفع عوامل اقتصادية إلي التقليل من شأنه والتعود علي وجوده، فإن إدخال العالم في حرب عالمية رابعة تحت مسمي "الإرهاب" لن تكون في صالح عولمة الاقتصاد وإزالة الحواجز الدولية التي تقف في وجه انطلاقه.