الجزائر بين الإرهاب والوئام الوطني عبدالله علي العليان منذ سنوات أطلق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مبادرة جريئة ومهمة في المسار الجزائري الحالي، وهو وثيقة السلم والمصالحة الوطنية التي تستهدف عودة الجزائر إلى الاستقرار والوئام وإبعاد شبح العنف والاقتتال الأهلي. والحقيقة أن هذه المبادرة تعتبر خطوة تاريخية للخروج بالجزائر من العنف والتوتر التي عصفت بهذا البلد العربي الكبير منذ أواخر القرن الماضي وحتى الآن بعد إلغاء الانتخابات التشريعية التي فازت فيها جبهة الإنقاذ بأغلبية كبيرة. والواقع أن الرئيس بوتفليقة يريد أن ينهي ملف تبعات إلغاء الانتخابات والعنف الذي أعقب هذه الأزمة السلبية، وحقق الكثير من الخطوات الإيجابية مما أعاد إلى الجزائر الاستقرار النسبي المتقدم في السنوات الماضية بعد الإفراج عن الشيخين عباسي مدني وعلي بلحاج وعودة الكثير من المقاتلين الذين حملوا السلاح في وجه السلطة، واستطاع بعد ذلك أن يكسب الكثير من الأوراق القوية في هذا الملف المستعصي على الرغم من اعتراضات العناصر الاستئصالية والإقصائية التي خسرت دعوتها بعد المبادرة السابقة التي أطلقها بوتفليقة عام 1997 المسمى بقانون (الوئام المدني). وعندما استلم الرئيس بوتفليقة السلطة في هذا البلد المثخن بالجراح،كانت دعوته القوية الصادقة هي تحقيق المصالحة الوطنية، وتسوية الملف الأمني واستعادة مكانة الجزائر ودورها الإقليمي والدولي وإصلاح الوضع الاقتصادي وعودة التعددية السياسية والديمقراطية0 وبالفعل حدثت بعض الانفراجات الداخلة ضمن قانون الوئام المدني ومن بينها الإفراج عن بعض السجناء السياسيين، بغض النظر عما قيل من أن قانون الوئام المدني تم وضعه من قبل مؤسسة الجيش والدوائر الأمنية لفتح قنوات الاتصال مع بعض الجماعات المسلحة المنشقة على نفسها. فالرئيس بوتفليقة اثبت بحق انه لا يريد أن يكون رئيساً صورياً بلا إرادة سياسية للتغيير لكن هذا التغيير في ظل مؤسسة عسكرية قوية ومهيمنة يحتاج إلى دبلوماسية ذكية والى جهود قوية تعرف كيف تتحرك بصورة إيجابية ومدروسة بعيداً عن الانفعالات الوقتية أو حرق المراحل بأسلوب المغامرة والمجازفة. والاشكالية التي نعتقد بسلبيتها وقصرها عن فهم ملامح كثيرة ومعطيات عديدة ومتداخلة في بعضها بعضاً في الشأن الجزائري بأن السياسيين للأسف يطلقون الدخان بكثافة على تحركات الرئيس بوتفليقة، بدعاوى أن في قانون الوئام المدني خدعة استئصالية، او أن الجيش لا يزال هو الآمر الناهي في البلاد.. الخ. صحيح أن الرئيس بوتفليقة يواجه الكثير من المشكلات المستعصية، وهي كثيرة ومنها أن مؤسسة الجيش لا تزال قوية ونافذة، فإذا كان قانون الوئام المدني ينقصه الكثير من الإيجابيات الواقعية في هذا البلد، فإن الأمر يحتاج إلى وقت وصبر، وليس من الحكمة التسرع في إصدار الأحكام على صدقية توجهات المصالحة الوطنية برمتها فهذا من شأنه تقييد حركة الرئيس بوتفليقة وتقوية جناح الاستئصال والشمولية للعودة للأوضاع والمفاهيم إلى ما كانت عليه والتي أزهقت الأرواح البريئة وأنهكت البلاد اقتصادياً، وهذا في حد ذاته أخطر من قانون الوئام المدني مع سلبياته إن وجدت. فالموقف الذي يجب على كافة القوى السياسية في الجزائر أن تسلكه هو دعم تحركات الرئيس بوتفليقة، لا التهوين من جهوده وتوجهاته الإصلاحية القائمة على الحل السياسي بغض النظر عن نشاطات الأيدي الخفية التي لا تريد نجاح هذه الجهود والتوجيهات أو الالتفاف حولها ضمن المصالح الوطنية، لأنها تريد إن يقال أن الرئيس بوتفليقة فشل في قانون الوئام، وان الوضع في الجزائر لن يحسمه إلا الحل الأمني والاستئصال السياسي وهذا الرأي فشل في وقف جهود بوتفليقة الإصلاحية وهذا بلا شك خسارة كبرى للجميع وفوق ذلك للجزائر نفسها وابنائها ودورها. صحيح أن بعض القوى السياسية تأثرت في الجزائر بعد إلغاء مسار الانتخابات وما جرى بعدها من عنف سياسي واستئصال أمني، وهذه مرحلة انتهت ويجب النظر للمستقبل بعين العبرة والمراجعة، والتعاون مع كافة القوى والفعاليات السياسية لإخراج البلاد من محنتها وأزمتها السياسية المستعصية، فالرئيس بوتفليقة عندما جاء إلى الحكم وجد أمامه تحديات كبيرة وقضايا وملفات ساخنة ومعقدة وألغاماً موقوتة ومتربصة بالوضع منتظرة بوصلة اتجاهه، وإذا توقعنا أن يجتاز كل هذه المشكلات والملفات الصعبة من دون عقبات أو عراقيل فإننا نكون كمن يسطر كلماته على الرمال. فالوضع في الجزائر لم يعد تتحكم فيه المؤسسة العسكرية بالصورة السابقة بعد أن استطاع الرئيس بوتفليقة أن يقلص الكثير من أدوارها المؤثرة، والرئيس بوتفليقة لا تغيب عنه هذه المعضلات والمتوجسات ويريد بخطوات بطيئة أن يكسر الحاجز النفسي المثقل بالجراح والعنف المضاد عند كل الأطراف وتحققه بصورة متدرجة. همّ الرئيس أبوتفليقة في الوقت الراهن، هو الإصلاح السياسي التدريجي للجزائر، لا المواجهة اليائسة، أو تغليب العاطفة في قضايا صعبة ومعقدة، كالملف الأمني والتعددية السياسية غير المقيدة في ظل المناخ المضطرب والمعقد. فزيادة الضغوط والانتقادات ونشر ثقافة التشاؤم والإحباط من خطوات الإصلاح السياسي، تلتقي في جوانبها مع تيار الاستئصال والحل الأمني، وإن تعميم هذه الثقافة (ثقافة التشاؤم) تعتبر تقوية لرهان هذا التيار، وضربة لجهود أبوتفليقة الإصلاحية0 لقد وجه الرئيس أبوتفليقة عدة رسائل منذ فترة إلى مؤسسة الجيش، وكلها تصب في مطالبته لهذه المؤسسة بالابتعاد عن الدور الفاعل في السياسة الجزائرية ومنها قوله “لقد حان الوقت لكي يدخل الجيش الوطني مجال الاحتراف ويواكب التطور الحاصل في العالم"، كما أكد في اكثر من مناسبة على خصوصية المؤسسة العسكرية، وعلى دورها النضالي في حرب التحرير باعتبار ان هذا الجيش هو وريث جيش التحرير الجزائري الذي قاد التحرير والاستقلال عن فرنسا، لذلك فهو-أي الرئيس الجزائري- يحرص على طرح الأمور بصورة جديرة بالتقدير والموازنة والحكمة بتأكيده على أن: “المؤسسة العسكرية تمتاز بانضباطها واحترامها للدستور وهي حريصة أكثر من غيرها على تكريس المسار الديمقراطي وتنميته وتعقيمه". لقد عادت التفجيرات إلى المدن الجزائرية بشكل لافت، بعد أن حققت الجزائر منذ سنوات استقراراً وانقطاعاً في العمليات العسكرية واستسلام الكثير من الجماعات المسلحة أنفسهم للسلطات، لكن بعض الجماعات المتطرفة لا تزال تمارس العنف من خلال عمليات يائسة ومرفوضة وليس لها قبول شعبي، وهذه العمليات لن توقف اتجاه الجزائر إلى الاستقرار أو المصالحة والوئام المدني لأنه البلسم الشافي لعودة الجزائر الى مكانتها ودورها العربي الرائد . عن صحيفة الخليج الاماراتية 13/9/2007