نائبة: هناك قصور في بعض القوانيين والتشريعات الخاصة بالعمل الجامعي    وزيرة التضامن تستعرض تقريرًا عن أنشطة «ال30 وحدة» بالجامعات الحكومية والخاصة (تفاصيل)    مقترح برلماني بدعم كليات الذكاء الاصطناعي بالجامعات الحكومية    شروط التقديم في رياض الأطفال بالمدارس المصرية اليابانية والأوراق المطلوبة (السن شرط أساسي)    «تشريعية النواب» توافق على تعديل قانون «المرافعات المدنية»    سفير جورجيا يستقبل رئيس جامعة أسوان لبحث سبل التعاون المشترك    تفاصيل مقترحات مصر على تعديل الاستراتيجية الجديدة للبنك الإسلامي| انفراد    وزير العمل: نمضي قدما في رقمنة كافة إدارات الوزارة وخدماتها المقدمة للمواطنين    «أبوظبي الأول مصر» يتعاون مع «الأورمان» لتطوير وتنمية قرية الفالوجا بالبحيرة    البنك المركزي يبيع أذون خزانة ب 997.6 مليون دولار بمتوسط عائد 5.149%    «شكري»: لابد من تحرك دولي للوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة    رئيس الوزراء الإسباني يعلن الاستمرار في منصبه    أمير الكويت يزور مصر غدًا.. والغانم: العلاقات بين البلدين نموذج يحتذي به    الزمالك يطلب حضور السعة الكاملة لاستاد القاهرة في نهائي كأس الكونفدرالية    مفاجأة من العيار الثقيل|محمد صلاح لن يرحل عن ليفربول    صعود سيدات وادي دجلة لكرة السلة للدوري الممتاز «أ»    عضو مجلس الزمالك يعلق على إخفاق ألعاب الصالات    عاجل.. شوبير يكشف آخر خطوة في تجديد علي معلول مع الأهلي    عامل يستعين بأشقائه لإضرام النيران بشقة زوجته بالمقطم    محافظة أسيوط تستعد لامتحانات نهاية العام باجتماع مع الإدارات التعليمية    حكم رادع ضد المتهم بتزوير المستندات الرسمية في الشرابية    «جنايات بنها»: تأجيل قضية «قطار طوخ» إلى يونيو المقبل لاستكمال المرافعة    لقاء تلفزيوني قديم يكشف أسرار عن الحياة اليومية ل نجيب محفوظ    تجليات الفرح والتراث: مظاهر الاحتفال بعيد شم النسيم 2024 في مصر    من هى هدى الناظر مديرة أعمال عمرو دياب ؟.. وعلاقتها بمصطفى شعبان    خالد جلال يشهد العرض المسرحي «السمسمية» بالعائم| صور    الصحة تفتتح المؤتمر السنوي الثالث للمعهد القومي للتغذية    «للمناسبات والاحتفالات».. طريقة عمل كيكة الكوكيز بالشوكولاتة (فيديو)    بث مباشر.. مؤتمر صحفي ل السيسي ورئيس مجلس رئاسة البوسنة والهِرسِك    السكة الحديد تحدد موعد انطلاق قطارات مرسى مطروح الصيفية    «القومي لثقافة الطفل» يقيم حفل توزيع جوائز مسابقة رواية اليافعين    تراجع نسبي في شباك التذاكر.. 1.4 مليون جنيه إجمالي إيرادات 5 أفلام في 24 ساعة    التضامن : سينما ل ذوي الإعاقة البصرية بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    إزالة 22 حالة تعديات على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة بالشرقية    عامر حسين: الكأس سيقام بنظامه المعتاد.. ولم يتم قبول فكرة "القرعة الموجهة"    بشرى سارة لمرضى سرطان الكبد.. «الصحة» تعلن توافر علاجات جديدة الفترة المقبلة    "سنوضح للرأي العام".. رئيس الزمالك يخرج عن صمته بعد الصعود لنهائي الكونفدرالية    مركز تدريب "الطاقة الذرية" يتسلم شهادة الأيزو ISO 2100: 2018    السيسي عن دعوته لزيارة البوسنة والهرسك: سألبي الدعوة في أقرب وقت    فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا.. «البحوث الإسلامية» يطلق حملة توعية شاملة بمناسبة عيد العمال    1.3 مليار جنيه أرباح اموك بعد الضريبة خلال 9 أشهر    515 دار نشر تشارك في معرض الدوحة الدولى للكتاب 33    محمد شحاتة: التأهل لنهائي الكونفدرالية فرحة كانت تنتظرها جماهير الزمالك    «العمل» تنظم فعاليات سلامتك تهمنا بمنشآت الجيزة    إصابة عامل بطلق ناري في قنا.. وتكثيف أمني لكشف ملابسات الواقعة    بالاسماء ..مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    مؤسسة أبو العينين الخيرية و«خريجي الأزهر» يكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين.. صور    إصابة 3 أطفال في حادث انقلاب تروسيكل بأسيوط    ضحايا بأعاصير وسط أمريكا وانقطاع الكهرباء عن آلاف المنازل    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    خلي بالك.. جمال شعبان يحذر أصحاب الأمراض المزمنة من تناول الفسيخ    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    أمين لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الاثنين 29-4-2024 بالصاغة بعد الانخفاض    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون الجزائريون يعودون لصدارة الساحة السياسية في انتخابات ربيع 2012
نشر في القاهرة يوم 27 - 12 - 2011

تموج الساحة السياسية في الجزائر بإرهاصات التغيير في خضم ثورات "الربيع العربي" في البلدان العربية علي خلفية مطالب شعبية لتحقيق النقلة الديمقراطية في المنطقة ، وبناء دولة عربية حديثة تحترم حقوق الإنسان وتوفر حياة كريمة لمواطنيها . وفي هذا الإطار، تتلقي الساحة الجزائرية تأثيرات الحالة الثورية في دولتي الجوار، تونس وليبيا، اللتين شهدتا ثورتين كبيرتين تمكنتا من إسقاط نظامين استبداديين، فضلا عن ثورات كل من مصر وسوريا واليمن، فيما يوصف إجمالا بأكبرموجة للتغيير السياسي تشهدها المنطقة في تاريخها الحديث . كان الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة «74 سنة» قد اعترف بأن " الأمة العربية والإسلامية تعيش مخاضا عسيرا، وأن الجزائر كجزء من هذا العالم الفسيح بطبيعة الحال تؤثر وتتأثر بما يجري حولها من أحداث وتطورات " مشيرا إلي أن الجزائر بدورها علي مشارف تغييرات في منظومتها التشريعية التي تقنن الحياة السياسية، من أجل تحقيق " قفزة جديدة في تجذير المسار الديمقراطي "، ودعم التوازن بين السلطات، وضمان الحريات الفردية والجماعية وحقوق الإنسان . وفي محاولة لمسايرة " الموجة الإصلاحية " فقد طرح الرئيس بوتفليقة في أبريل الماضي "حزمة" من الإصلاحات السياسية تناولت مراجعة الدستور، وقوانين الأحزاب، وقوانين الجمعيات المدنية، والانتخابات، وقانون الإعلام، وأكد بوتفليقة أن الديمقراطية في الجزائر ستتحقق دون احتجاجات، كما كلف الحكومة بالشروع في الإعداد للانتخابات التشريعية، بملاحظة مراقبين دوليين من جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي . وفي الوقت نفسه، تدور في كواليس السلطة الجزائرية مناقشات جادة حول إمكانية منح " الإسلاميين " الجزائريين دورا في الحياة السياسية، في ضوء تداعيات صعود الإسلاميين في البلدان العربية، وإن كانت هذه النقاشات تدور خلف الأبواب المغلقة، وفي سياق التكهنات المطروحة حول من يخلف الرئيس بوتفليقة حين تنتهي ولايته الأخيرة في 2014 وكانت فترة رئاسته الأولي قد بدأت في 1999، وقد عرضت جبهة التحرير الوطني الحاكمة علي الرئيس بوتفليقة الترشح لولاية رابعة في 2014 . آفاق إصلاحية علي خلفية اندلاع الثورات والانتفاضات المطالبة بالإصلاح في الدول العربية، تسارعت في الجزائر مما يمكن اعتباره محاولات للإصلاح ونشر فكرة التغيير السياسي من جانب السلطة، في محاولة للسباق مع الزمن خشية تطور الحركة الاحتجاجية في الجزائر . وكانت البلاد قد شهدت بالفعل مظاهرات للمطالبة بالإصلاح السياسي علي مدي الأشهر الماضية، كما نظمت عدة نقابات إضرابات عديدة شارك فيها محامون وأطباء للمطالبة بمراجعات قانونية وتحسين ظروف الأجور، وفي شهر أكتوبر، اعتقلت السلطات 17 شخصا كانوا يستعدون للمشاركة في تظاهرة في العاصمة لإحياء ذكري الاحتجاجات الدموية التي جرت في عام 1988 في الجزائر للمطالبة بالديمقراطية، وقد دعت منظمة " راج " التي تعني «تجمع حركات شباب» إلي تظاهرة لتوعية الشعب بحقوقه، ولكن السلطة سبقتها باعتقال المشاركين فيها، وكانت مؤسسة " راج " قد تأسست في 1993 بهدف نشر الوعي الديمقراطي، ونشر فكرة المواطنة وحماية الحريات، ولها عشر لجان في سائر أنحاء الجزائر، وتسعي لإحياء ذكري ثورات الحرية في الجزائر. ومنذ طرح الرئيس بوتفليقة حزمة إصلاحاته في شهر أبريل الماضي، فإن البرلمان الجزائري يباشر بحث عدة موضوعات تدخل في سياق الإصلاح، ففضلا عن رفع حالة الطوارئ في 24 فبراير 2011 بعد استمرارها 19 عاما، فقد ناقش البرلمان قانونا يمنع النواب من شغل أي منصب آخر خلال ولايتهم التشريعية، وجعل الوزراء ورؤساء المؤسسات الاقتصادية العمومية أو الخاصة مخيرين بين العضوية في البرلمان أو شغل هذه المناصب، وهناك أيضا قانون الجمعيات الجديد لإضفاء تعديلات علي قانون 1990 الذي صدر بعد انتفاضة 1988 التي مهدت لإنهاء حكم الحزب الواحد في الجزائر، ويوجد في الجزائر حوالي 90 ألف جمعية، وقد صدق نواب المجلس الشعبي الوطني بالأغلبية علي قانون الجمعيات بالصيغة التي عرضتها الحكومة، وصوّت عليه نواب جبهة التحرير الوطني «136 نائبا» من أصل 389 نائبا، والتجمع الوطني الديمقراطي «62 نائبا» والمستقلون «33 نائبا» بينما صوتت حركة مجتمع السلم «51 نائبا» ضد القانون . ويدخل أيضا في موضوعات البحث البرلماني ما يتعلق بقوانين الأحزاب السياسية، والانتخابات، ورفع هيمنة وزارة الداخلية علي الحياة السياسية، وكذلك مراجعة الدستور. وكان آخر تعديل أدخل علي الدستور في نوفمبر 2008 للسماح لبوتفليقة بالترشح لولاية ثالثة . وأنشأ بوتفليقة ما يسمي بهيئة المشاورات حول الإصلاحات السياسية برئاسة عبدالقادر بن صالح، الرجل الثاني في الدولة ورئيس مجلس الأمة «الغرفة العليا بالبرلمان» لإجراء مشاورات حول هذه الإصلاحات لتعزيز مسار الديمقراطية . وعموما تناولت الإصلاحات : مراجعة الدستور، وقوانين الانتخابات، والأحزاب، والإعلام، والولاية، وتمثيل المرأة، وقوانين الجمعيات . ويذكر أنه تم العمل بنظام الغرفتين في المجلس التشريعي اعتبارا من دستور 1996 بهدف أن تكبح الغرفة العليا الغرفة الأخري في حال أفرزت الانتخابات نتائج لصالح أي أحزاب تسعي للسيطرة علي السلطة التشريعية ومحاسبة الحكومة وتهديدها بسحب الثقة، مما قد يؤدي إلي الاستقرار السياسي للحكومة. غير أن الملاحظة الجديرة بالاهتمام هنا هي اختلاف مفهوم الإصلاح والتغيير لدي السلطات الجزائرية، عنه لدي المعارضة السياسية وباقي الفئات المطالبة بإجراء تغييرات حقيقية في صيغة الحكم . وفي ذلك تقول لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال اليساري «26 مقعدا في المجلس» إن الإصلاحات التي أعلنها الرئيس بوتفليقة أفرغت من محتواها في البرلمان، فقد رفض نواب البرلمان مثلا نسبة 33 % التي تقدمت بها الحكومة لتمثيل المرأة في المجالس المنتخبة. كما صادق النواب الجزائريون بالأغلبية علي قانون جديد للأحزاب يتضمن منع الأعضاء السابقين في " الجبهة الإسلامية للإنقاذ " المحظورة من العودة إلي العمل السياسي، بالرغم من الانتقادات التي وجهت له . ومن المعروف أن البرلمان الجزائري يضم ما يعرف ب " أحزاب التحالف الرئاسي " وهي : جبهة التحرير الوطني «136 نائبا»، والتجمع الوطني الديمقراطي «62 نائبا»، و حركة مجتمع السلم الإسلامية «51» نائبا، أي أن التحالف الرئاسي له أغلبية في البرلمان، ويشكل الحكومة، ويعمل علي صياغة الإصلاحات شريطة أن يكون التغيير " تحت السيطرة ". ويقول النائب محمد حديبي عن حزب حركة النهضة إن أحزاب التحالف الرئاسي تعمل علي الحيلولة دون حصول تغيير حقيقي في السياسة الجزائرية وإفراغ التعديلات من معناها، حتي وجد الشعب الجزائري نفسه أمام " آلة سياسية " لا تريد الإصلاح «فالسلطة قضت علي النقاش السياسي وصنعت رموزا سياسية كارتونية، ولا يجد الشعب أحدا يلتف حوله»، ويؤكد حديبي أن الإصلاحات لن تغير من الأمر شيئا ، وسوف يزداد الشرخ بين المواطن والدولة، وتتوسع دائرة الرشوة والفساد . هذا، علما بأن القوانين الخاصة بالإصلاحات السياسية تطغي علي الدورة البرلمانية، وهي آخر دورة في عمر البرلمان، حيث من المقرر إجراء الانتخابات التشريعية القادمة في مايو 2012، بدون الأحزاب التي كانت تنتظر الاعتماد، حيث إن قانون الأحزاب يفرض عليها تقديم طلب جديد وتنظيم مؤتمر تأسيسي، وقد ربط قانون الأحزاب إنشاء أي حزب جديد بموافقة وزارة الداخلية، بما مكن الإدارة من الهيمنة علي الحياة السياسية، ويقول النائب علي براهيمي " كل شيء مقيد في الجزائر ويحتاج تصريحا من وزير الداخلية " . وبوجه عام، فإن المبادرة الإصلاحية التي طرحتها السلطة من أعلي انطوت علي خيار أساسي وهو التحكم في عملية التغيير، والعمل علي تفادي خروج الناس إلي الشوارع بأي ثمن علما بأن عدد الاحتجاجات كبير جدا «في بعض التقديرات حوالي 3 آلاف احتجاج في عام 2011»، ويروج الخطاب الرسمي أن الاحتجاجات تدور حول قضايا حياتية ولها مطالب اقتصادية واجتماعية، وأن الرئيس بوتفليقة يتمتع بشعبية جماهيرية، وأن الشعب الجزائري يثمن حالة السلم والاستقرار التي حققها الرئيس منذ توليه السلطة في 1999، وبالتالي، فإن استمرار الرئيس يعتمد علي " شرعية الانجاز " في نظر الشعب الجزائري وهو ما يتبدي في كثير من الخطوات والإجراءات التي يتخذها، ومنها علي سبيل المثال التوقيع في اكتوبر الحالي علي مرسوم يقضي بإنشاء الديوان المركزي لقمع الفساد، ضمن اجراءات الحكومة لمحاربة الفساد في جهاز الدولة . «وفقا لمنظمة الشفافية الدولية، تصنف الجزائر في المرتبة 112 عالميا من أصل 183 دولة» . النموذج النفطي من الثابت أن عنصر " العدوي " يمثل في الحالة العربية أحد أسباب انتشار الثورات وتكرارها في البلدان العربية، خاصة أن ظروف هذه الدول متشابهة بالنسبة للأسباب الدافعة للاحتجاج وهي التي تتراوح بين المعاناة السياسية وانتهاكات الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان . غير أنه من الثابت أيضا حتي الآن أن هناك لم تشهد اندلاع ثورات أو حركات احتجاج قوية، وإن كانت تنطوي، بدرجة ما علي شواهد معارضة شعبية غير متبلورة، ومن هذه الدول منطقة الخليج، ومثلها حالة الجزائر، حيث يمكن أن يكون لدينا ما نطلق عليه " النموذج النفطي " الذي يتفادي الثورات، وذلك اعتمادا علي عنصرين رئيسيين هما : أولا: الاعتماد علي المال النفطي، واتجاه السلطة لتوزيع الهبات والمكافآت ورفع المرتبات وتوزيع الأموال بسخاء واضح لامتصاص أي مظاهر للنقمة الشعبية، وفي محاولة مستميتة لشراء السلم المدني . وفي الأيام الماضية، أعلن رئيس الوزراء الجزائري أحمد أو يحيي قرار الحكومة برفع الحد الأدني للأجور، بنسبة 20 % ليبلغ 18 ألف دينار «180 دولارًا» . كذلك أعلن وزير المالية أن قرار الحكومة برفع الحد الأدني للأجور يكلفها سنويا 75 مليار دينار «مليار دولار»، كما كشفت المصادر أن الانعكاسات المالية لإلغاء الضريبة علي الدخل العام لمعاشات المتقاعدين تقدر بنحو 112 مليار دينار « 5 . 1 مليار دولار» . ويعلق الأمين العام للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان علي سلوك السلطة بقوله إن تدفق المال النفطي يثبت أن السلطات تريد كسب الوقت، وأن كل ما تقوم به لا يزيد علي "تأجيل انفجار الغضب الشعبي إلي وقت لاحق". وهنا لابد من ذكر حقيقتين: أولا: أن مستوي المعيشة لدي قطاع واسع من السكان قد انخفض حيث يعيش 23 % من الجزائريين تحت خط الفقر، بينما يبلغ احتياطي العملات الأجنبية 157 مليار دولار «2010» بفضل الصادرات، مع استمرار أزمات السكن والتعليم والصحة وبلوغ البطالة نسبة 20 % . ثانيا: حذر الأمين العام لاتحاد العمال الجزائريين من " انفجار اجتماعي " وخروج العمال إلي الشوارع بسبب استمرار تجاهل حل مشكلاتهم . ثانيا: يقوم "النموذج النفطي " في محاولته إبعاد واستبعاد أي احتمال لاندلاع الثورة بين صفوف جماهيره علي إشاعة " الخوف والرعب " بين الناس من حالة الفوضي والانفلات الأمني ودموية المواجهات التي تواكب أو تعقب الحالة الثورية . وهكذا، تركز وسائل إعلام الدول النفطية علي دموية المواجهات وآلاف الضحايا في حالة الثورة السورية، والثورة الليبية، والثورة اليمنية، كما يشار إلي حالة الصدامات والتخبط والمواجهات الدموية التي لا تزال تواكب الحالة المصرية علي وجه الخصوص، مما ينعكس علي الرأي العام في هذه الدول ويجعلها تفضل الاستقرار والسكون علي أي احتمالات للتغيير . وطبعا هذه الرؤية لا تضع في الاعتبار أن الشعوب مهما سكتت علي صيغة الاستبداد فإنها حتما ستنتفض يوما ما للمطالبة بالحرية والديمقراطية، وأن ثمن الحرية غالبا ما يكون غاليا، وأن الدول التي تشهد حالات ثورية، مهما كانت معاناتها، إنما تعبر عن حيوية، وقدرة علي التغيير طموحا لما هو أفضل، وتحقيقا لآمال شعبية غالية لنيل حرياتها . واتساقا مع منطق التهرب من الثورة والتغيير ، وفي الحالة الجزائرية تحديدا نجد الأمين العام لجبهة التحرير الوطني الجزائرية عبدالعزيز بلخادم "يسخر" من الثورات العربية، مشيرا إلي أن تونس ومصر تتخبطان في أزمات ما بعد الثورة، وفي إطار انتقاداته يقول إنه في سوريا واليمن تعطلت آلة الدولة، ويندد بلخادم بما
أطلق عليه " محاولة 17 سبتمبر " في الجزائر وهي الدعوة للاحتجاج التي انتشرت علي الفيس بوك ولم تلق استجابة هناك ، ويشجب بلخادم التدخل الدولي في ليبيا معتبرا أن القانون الدولي يسمح بحماية السكان، لكنه لا يسمح بتغيير الأنظمة، وأخيرا يعتبر المسؤل الجزائري أن ما يجري في المنطقة العربية ما هو إلا "سايكس بيكو" جديد علي غرار اتفاقات الدول الكبري في 1916 لاقتسام أراضي الإمبراطورية العثمانية. غير أن الموقف بالنسبة للحالة الجزائرية له أبعاده الأخري التي تتعلق بخصوصية التجربة في هذه الدولة التي شهدت في سنوات التسعينات حربا أهلية طاحنة راح ضحيتها ما يقرب من 200 ألف مواطن جزائري بعد أحداث صعود الإسلاميين للسلطة علي إثر نجاحهم في الانتخابات ، وتدخل الجيش لإقصائهم بالقوة، وهذا هو العنصر الذي يجعل السلطات تروج لفكرة " الاستثناء الجزائري " واستبعاد الشعب نفسه لفكرة الاحتجاجات القوية أو الثورة، ويري البعض أن الشعب الجزائري يعيش حاليا مرحلة نقاهة، ولا يريد التضحية بالاستقرار مهما كان الأمر، ويقول الباحث الجزائري عصام بن الشيخ إن الاحتجاجات الشعبية في الجزائر تبتعد عن مقولة " الشعب يريد إسقاط النظام " وتقف عند مستوي انتقاد الآداء الحكومي، بالرغم من وجود أصوات مكبوتة تطالب بإسقاط النظام. إسلاميو الجزائر في تطور له مغزاه، أعلن عبد العزيز بلخادم زعيم حزب جبهة التحرير الوطني، والممثل الشخصي للرئيس بوتفليقة أن الأحزاب الإسلامية في الجزائر ستحصل علي نسبة تتراوح بين 35 و40 % من الأصوات خلال الانتخابات التشريعية المرتقبة في ربيع 2012 . وكانت ستة أحزاب إسلامية قد حصلت علي نحو 18 % من الأصوات في الانتخابات التي جرت في 2007، وذهبت حوالي نصف الأصوات إلي حركة مجتمع السلم . هنا، لابد من التساؤل عن ظروف عودة الإسلاميين لصدارة الصورة في الجزائر. ففي سياق ما أطلق عليه " القوانين الإصلاحية " في الجزائر، صوّت نواب المجلس الشعبي الوطني علي المادة الرابعة في قانون الأحزاب والتي تمنع الأعضاء السابقين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ «المحظورة» من العودة إلي العمل السياسي . وتنص المادة الرابعة من القانون علي أن " يمنع من تأسيس حزب سياسي أو المشاركة في تأسيسه أو هيئاته المسيرة علي كل شخص مسئول عن استغلال الدين الذي أفضي إلي المأساة الوطنية " في إشارة إلي المنتمين إلي حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي تم حله بعد اندلاع العنف في التسعينات، كما تنص المادة علي أن " يمنع من حق إنشاء حزب سياسي كل من شارك في أعمال إرهابية أو في تنفيذ سياسة تدعو إلي العنف والتخريب ضد الأمة ومؤسسات الدولة . وعلي نفس المنوال، وبالنسبة لقانون الجمعيات في الجزائر، فقد عرّف القانون الجمعيات علي أنها تجمع لأشخاص يشتركون في توظيف معارفهم ووسائلهم تطوعا ولغرض غير الربح، ويدخل في هذا التعريف الجمعيات الرياضية والمهنية واتحادات الطلبة، ولكن القانون استثني من هذا التعريف (الجمعيات ذات الطابع الديني»، وأحالها إلي "نظام خاص" . وعلي هذا النحو، يبدو النظام السياسي والمناخ العام في الجزائر يعيش " هاجس" عودة الإسلاميين، ويتحسب بكل ما يستطيع لهذه العودة المحتملة، خاصة بعد صعود حزب النهضة الإسلامي في تونس، وصعود الإخوان المسلمين في الانتخابات التشريعية الجارية في مصر، والبقية في الطريق . ولكن، يبقي السؤال الماثل وهو: ما موقف إسلاميي الجزائر إزاء هذه التطورات؟ وما الاحتمالات المرتقبة في هذا الصدد ؟ وللإجابة علي ذلك يمكن الإشارة إلي عدة ملاحظات: يرفض الانفتاح علي الإسلاميين بالرغم من التنازلات التي قدمتها عدة أحزاب إسلامية لدعم الرئيس بوتفليقة ومشروعه للمصالحة الوطنية، وعندما كانت هيئة المشورة تجمع اقتراحات الفعاليات السياسية بخصوص البرنامج الإصلاحي، فقد رفضت الاستماع إلي مطالب الإسلاميين المنتمين للتيار المحظور . وتطرح هذه المواقف تساؤلات حول التطورات المرتقبة، فقد توقع بلخادم أن يحصل الإسلاميون علي نسبة كبيرة من الأصوات في الانتخابات القادمة، كذلك يحاول حزب جبهة التحرير كسب تأييد الأحزاب الإسلامية، وهناك من يردد أن بلخادم قد يكون مرشحا محتملا في انتخابات الرئاسة في 2014، وله علاقات قوية مع الإسلاميين . ثانيا: ردا علي النص القانوني الذي يمنع الأعضاء السابقين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ من العودة إلي العمل السياسي، أعلن رئيس الجبهة المحظورة منذ عام 1992 عباس مدني أنه يعتزم التقدم بشكوي لدي الهيئات الدولية ضد هذا القانون، كما اعتبر النائب محمد محمودي أن القانون لم يأت بشيء جديد غير منع عودة الجبهة الإسلامية . ثالثا: أعلن عبد الله جاب الله، الإسلامي والمرشح السابق للرئاسة الجزائرية اعتزامه تشكيل حزب سياسي جديد تحت اسم " جبهة العدالة والتنمية " بهدف النهوض بالوطن وتنميته اعتمادا علي ثقافة البر والتقوي والعدالة الاجتماعية، علي حد قوله في برنامج التحضير للمؤتمر التأسيسي للحزب . وكان جاب الله قد هزم في انتخابات الرئاسة عامي 1999، 2004 أمام الرئيس بوتفليقة . رابعا: أُعلنت مؤخرا قناة تليفزيونية فضائية جديدة اتخذت من بريطانيا مقرا لها، وتردد أنها تابعة للجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة في الجزائر، وتبث الفضائية الجديدة إلي شمال أفريقيا، وهي الخدمة التليفزيونية الثانية ذات الصلة بالجبهة، بهدف " مد جسور التواصل بين الشعوب المغاربية وللمساهمة في تكريس حق المواطنين في الوصول لمعلومة صحيحة تعتمد الرصانة والموضوعية . وتردد أن القناة التابعة للجبهة يدعمها عدد من رجال الأعمال منهم أسامة عباسي أحد أبناء عباس مدني ،«والمقيم في قطر». خامسا: في إطار هاجس السلطات الجزائرية من صعود الإسلاميين، تقوم هذه السلطات بأكبر وأوسع عملية رصد لنشاط التيارات الدينية، ويقوم جهاز الأمن الوطني منذ عدة أشهر بعملية مسح شامل للمساجد والزوايا والمدارس القرآنية وكليات الشريعة، في إطار رصد من تسميهم السلطة عناصر التكفير، ولرصد نشاط الحركات الدينية، وحتي لمتابعة الأفكار التي يتبناها أو يدعو إليها أئمة المساجد والمصلون . وتقوم الأجهزة الأمنية الجزائرية بتتبع النشاط الديني بشقيه الدعوي والسياسي للتيار الديني وأنصار الحركات الإسلامية والسلفيين والصوفيين وجماعات الدعوة والتبليغ . وفي السياق، تم المسح الأمني للمساجد وأئمتها وموظفيها وتوجهاتهم الفكرية والسياسية داخل كل مسجد وكل مدرسة دينية . سادسا: أيا كان الموقف بالنسبة للإسلاميين، فإن هناك حقائق يصعب نسيانها، فمن ناحية، ارتبط ظهور التيار الإسلامي في الجزائر وصعوده بسنوات الصراع الدموي مما خلف ذكريات مريرة لدي الجزائريين، لذلك يقال إن صورة الإسلاميين تبدو مشوهة لدي الكثيرين، ويعلق أحدهم علي ما وصلوا إليه بقوله " لم يعد الإسلامي بطلا يقف ضد الطغيان، بل يبدو في أعين الناس مسئولا عن سنوات الألم التي عاشوها . ومن ناحية أخري، فإن إسلاميي الجزائر منقسمون إلي معسكرات أيديولوجية، فالسلفيون مثلا الذين تقبلهم الدولة يحرمون معارضة الحاكم والخروج عليه، ويحرمون العمل في السياسة، وإن كان فريق منهم بدأ يطالب بإصلاحات سياسية، ومع عدم توحد كلمة وتوجهات الإسلاميين فإن فرصتهم في الفوز في الانتخابات تبدو محدودة، خاصة وأن أجهزة الأمن والدولة تقف لهم بالمرصاد، وتحاصرهم في كل اتجاه. أسباب كامنة يغلب علي المشهد العام في الجزائر أن البلاد مهيئة لإحداث " طفرة " في التغيير نحو الديمقراطية وممارسة الحريات وتمتع المواطنين بالحقوق المدنية ونظام التعددية والخروج من نطاق الفكر الأحادي، وهناك العديد من الفعاليات السياسية والرموز والشخصيات الجزائرية الذين يؤمنون بأن الجزائر هي من أكثر الدول نضجا لإحداث النقلة الديمقراطية . وفي هذا السياق، هناك من يرون أن طريق التغيير في الجزائر يجب أن يكون سلميا، وعن طريق الحوار، فيقول سي عفيف من حزب جبهة التحرير الوطني إن الجزائريين ليست لديهم الأسباب السياسية القوية للاحتجاج والنزول إلي الشارع، ولكنهم قد يشتكون من البطالة والرشوة والفساد، وتقول خديجة موساوي من الجمعية النسائية في تيزي أوزو إن عملية التغيير السياسي في الجزائر مستمرة منذ سنوات، بعد أن قاوم الجزائريون الإسلاميين خلال سنوات تركت جروحا عميقة في الذاكرة الوطنية . وعلي النقيض من هذا التوجه، يري آخرون أن كل العوامل والأسباب التي أدت إلي انفجار الثورات العربية متوفرة تماما في الجزائر، ولكنها مختفية تحت الرماد، وهي قابلة للاشتعال في الوقت المناسب . ويقول حملاوي عكوشي من حزب حركة الإصلاح الوطني المعارضة إن السلطة تبقي الباب مفتوحا، علي خلفية الخوف من أن تحل بها ما شهدته أنظمة عربية أخري، ويقول كريم طابو الأمين العام لجبهة القوي الاشتراكية الجزائرية المعارضة إن الحكومة تتبع أسلوب تخويف المواطنين الذين يتوقون للحرية والتمتع بحرية التعبير، وتوظف ورقة الحل الأمني كرهان لكبح أساليب النضال الديمقراطي، بما في ذلك افتعال المشاكل والتفنن في المؤامرات ضد المعارضة . ومن ناحيته، يقول المعارض المخضرم سعيد سعدي رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية: إن الحكومة الجزائرية لم تفهم بعد حركة التغيير المحلية والإقليمية والتي تجاوزت الأنظمة القائمة، لذلك يستمر النظام السياسي في الجزائر في عملية التجميل المصطنعة لصورته، وذلك لإخفاء الفشل السياسي والاقتصادي وعدم تحقيق القدر المناسب من العدالة الاجتماعية . وهكذا، علي الجانب المقابل للنظام، هناك معارضة تكشف الحقائق، وتري أن ثورات الربيع العربي تمثل دفعة قوية لفتح باب التغيير في الجزائر علي حد قول رئيس حزب جبهة القوي الاشتراكية المعارضة حسين آيت أحمد الذي يدعو إلي انجاز التغيير سلميا، حتي لا تضطر البلاد إلي دفع تكلفته الغالية، مشيرا إلي أن الاستمرار في تجذير عنصر الخوف في أعماق الجزائريين سيورثهم الشلل والجمود . ويحذر النائب طارق ميرة من أن " القذافي كان يمنع تبلور مجتمع مدني في ليبيا، وبن علي فرض القيود علي الديمقراطية في تونس، وقد سقطا " ويؤكد النائب أن ما يجري في الجزائر يقوم علي فلسفة أن الشعب الجزائري غير مؤهل للديمقراطية. وفي تحليل أورده معهد ستراتفور الأمريكي للدراسات الاستراتيجية جاء أن سياق التجاذبات في التحالف الحاكم في الجزائر محصور في مجموعتين: الأولي بقيادة بوتفليقة وتتركز شمالي غربي البلاد حول تلمسان، في حين يتزعم الثانية قائد الاستخبارات العسكرية الجنرال محمد توفيق مدين، وتتركز في شمالي شرق البلاد، حيث توجد مدن وبلدات ذات أغلبية أمازيجية . وفي إطار ذلك، يظل الجيش الجزائري الذي يتمتع بنفوذ واسع هو الركن الأساسي لاستمرار بوتفليقة في السلطة، ويخلص التقرير إلي أن أي إصلاح سياسي يبقي مرهونا بتفاهم المجموعتين، مع استمرار تذرع السلطة بالعامل الأمني .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.