شهدت الجزائر انتخابات تشريعية هادئة الى حد ما مقارنة بالسنوات السابقة حيث جاءت هذه الانتخابات بعد فترة هدوء سياسى نسبى خلال العامين الماضيين بسبب النجاح المستمر لمبادرة ميثاق السلم و المصالحة التى صاغها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 2005 ، وحظيت بموافقة 97 % من الشعب الجزائرى فى الاستفتاء الجماهيرى . كما أجريت تحت شعار "من أجل الجزائر" حيث تراهن السلطة والأحزاب السياسية المؤتلفة فيها على أن تمثل خطوة جديدة في السعي نحو مصالحة دائمة في الجزائر. وقد حققت الأحزاب المؤيدة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة انتصارا في الانتخابات التشريعية الجزائرية التي جرت الخميس الموافق 17 مايوحيث احتفظت أحزاب التحالف الرئاسي وهي، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم، بالاغلبية المطلقة في المجلس الشعبي الوطني( 249) مقعدا من إجمالي مقاعد البرلمان البالغ عددها 389 مقعداًحسب النتائج الرسمية. وشهدت هذه الانتخابات نسبة قياسية في الامتناع عن التصويت اذ لم يصوت اثنان من كل ثلاثة ناخبين.. فيما ذهبت بقية المقاعد لمستقلين وأحزاب صغيرة أخرى. ولم تسفر نتائج كهذه عن تغيير يذكر في الخريطة السياسية للأحزاب الجزائرية حيث كانت الاحزاب الثلاثة هي المهمينة على البرلمان المنتهية ولايته. النتائج بالنسب كما أظهرت النتائج الرسمية للانتخابات البرلمانية في الجزائر حصول 23 من بين 24 حزباً سياسياً في الجزائر، على مقاعد في المجلس الشعبي الوطني ،وهو المجلس التعددى الثالث منذ 1997،وبينما فاز حزب "جبهة التحرير الوطني"، وهو أحد الأحزاب الثلاثة المشاركة في الائتلاف الحاكم، بأكبر عدد من مقاعد المجلس الشعبي الوطني بفوزه ب136 مقعداً ، إلا أنه لم يحصل على الأغلبية الكافية التي تؤهله لتشكيل الحكومة الجديدة خلال الايام القليلة المقبلة ،حيث فقد 38 مقعدا بالمقارنة مع الاقتراع السابق عام 2002 لصالح حليفيه التجمع الوطنى الديمقراطى (ليبرالى ) الذى جاء في المرتبة الثانية ب61 مقعداً، تلاه حزب "حركة مجتمع السلم الإسلامية"، الذي فاز ب52 مقعداً،ورغم هذه النتيجة سيحتفظ حزب جبهة التحرير الوطني، من خلال التحالف الرئاسي مع حزبي التجمع الوطني وحركة مجتمع السلم، اللذين يدعمان الأجندة السياسية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.ولكن من المفترض أن يؤدى التغيير فى النتائج داخل الائتلاف الرئاسى الى اعادة توزيع الحقائب على حساب جبهة التحرير الوطنى فى الحكومة المقبلة . الجدير بالذكر ان جبهة التحرير الوطنى قادت حرب المقاومة من اجل الاستقلال عن فرنسا خلال الفترة من 1954 حتى 1962 ، وحكمت البلاد اثناء حكم الحزب الواحد من 1962 حتى 1989 ، ويتزعمها الان عبد العزيز بلخادم رئيس الوزراء والحليف الوثيق لبوتفليقة . وجاء حزب "الأحرار" في المرتبة الرابعة برصيد 33 مقعداً، متقدماً على حزب "العمال" الذي فاز ب26 مقعداً ،وأصبح أول قوة سياسية ممثلة في المجلس وراء احزاب التحالف الرئاسي ، فيما حصل حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" (علمانى )على 19 مقعداً مستعيداً بذلك تمثيله البرلماني بعد مقاطعة الانتخابات التشريعية عام 2002 ، متبوعاً بحزب "الجبهة الوطنية الجزائرية" ب13 مقعداً.وحصل حزب "الحركة الوطنية من أجل الطبيعة والتنمية" على سبعة مقاعد، بينما فاز حزبا "حركة النهضة"، و"الحركة من أجل الشباب والديمقراطية" بخمسة مقاعد لكل منهما، فيما فازت أحزاب "التحالف الوطني الجمهوري" و"حركة الوفاق الوطني" و"التجديد الجزائري" بأربعة مقاعد لكل حزب منها. وحصلت أحزاب "حركة الإصلاح" و"حركة الانفتاح" و"الجبهة الوطنية للأحرار من أجل الوئام"، على ثلاثة مقاعد، بينما فازت أحزاب "عهد 54" و"الوطني للتضامن والتنمية" و"الحركة الوطنية للأمل" و"التجمع الوطني الجمهوري" على مقعدين لكل منها.. فى حين حازت أحزاب "التجمع الجزائري" و"الجبهة الوطنية الديمقراطية" و"الحركة الديمقراطية والاجتماعية" على مقعد لكل واحد، وارتفع عدد النواب المستقلين الى 33 مقعدا بعدما كان 30 فقط فى البرلمان السابق .. تراجع نسبة التصويت: وكانت نسبة إقبال الناخبين الجزائريين على الإدلاء بأصواتهم لاختيار أعضاء مجلس النواب، للخمس سنوات القادمة، بلغت نحو 35 في المائة من الناخبين المسجلين الدين يزيد عددهم عن 18 مليون وسبعمئة ألف ناخب. في محافظات البلاد وتجاوزت نسبة الأصوات الباطلة بين الناخبين 10بالمئة. مما يعد تراجعاً عن الانتخابات التي جرت في العام 2002، والتي بلغت نسبة المشاركة فيها نحو 46 في المائة. وهون يزيد زرهونى وزير الداخلية في مؤتمره الصحفي من تراجع نسبة الإقبال على الانتخابات التي روجت إليها الحكومة باعتبارها تتويجا لمسيرة المصالحة في الجزائر مشيرا الى ان المواطنين يشعرون ان الاحزاب السياسية لا تعالج المشاكل اليومية . وأن منصب الرئاسة هو الأقوى نفوذا في البلد التي يورد النفط والغاز لأمريكا الشمالية وأوروبا.ويميل الجزائريون للاعتقاد أن البرلمان موجود للموافقة على قرارات السلطة التنفيذية دون مناقشة. بينما فسر المراقبون ذلك بأن الانتخابات التشريعية لاتثير اهتمام الشعب الجزائرى بقدر اهتمامه بالانتخابات البلدية و الرئاسية لأن المشاكل الاجتماعية لا تزال الشغل الشاغل للجزائريين، مع وصول نسبة البطالة بين من تقل أعمارهم عن 30 سنة إلى 75 في المائة . شكاوى من التجاوزات: وتميزت عمليات الاقتراع بشكاوى من جانب اللجنة السياسية الوطنية المكلفة برقابة الانتخابات أشارت فيها إلى حدوث تجاوزات شملت عدة مكاتب في جميع أنحاء البلاد، فيما تحدثت أحزاب سياسية عن عدة تجاوزات أيضا. وتعقيبا على مسألة وجود تجاوزات ، أعلن الأمين العام للهيئة التنفيذية لحزب جبهة التحرير الوطنى الجزائرى عبد العزيز بلخادم إن للمجلس الدستورى وحده حق الفصل فى وجود تجاوزات أثناء العملية الانتخابية من عدمه ومن جهة أخرى أشار بلخادم فى تصريح مقتضب الجمعة قبيل إعلان النتائج الرسمية لنتائج الانتخابات التشريعية إلى أن حزبه سجل بعض الخروقات فى عدد من مراكز الاقتراع وتم تحرير طعون ستسلم إلى المجلس الدستورى بشأنها. وكشف بلخادم أن أول ما سيعرضه حزبه فى المجلس الشعبى الوطنى الجديد هو تعديل قانون الانتخابات بالإضافة إلى قانونى البلدية والولاية . يينما قال الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، أحد أطراف الائتلاف الرئاسي" أحمد أويحيى إنّ حزبه "لاحظ أمورا غير عادية هنا وهناك" غير أنّه رفض "القيام بقراءة مبالغ فيها يمكن أن تشير إلى أنّ الأمر يتعلق برغبة منهجية من إدارة الدولة لمصادرة اختيار المواطنين." أما رئيس حركة مجتمع السلم أبو جرة السلطاني، وهو أحد أطراف الائتلاف الرئاسي أيضا، فقد اعترف بموجود "تجاوزات" .ودعا نور الدين يزيد زرهونى وزير الداخلية و الجماعات المحلية المجلس الشعبى الوطنى الجديد الى اعادة النظر فى قانون الاحزاب السياسية من خلال تقديم الاقتراحات اللازمة لتجنب جوانب القصور التى تؤثر على سير كل عملية انتخابية مشيرا الى أنه يساعد على تشتيت التنظيمات السياسية ، وهذا يتطلب تعديل الكثير من مواده حتى يساير التطورات التى يشهدها المجتمع الجزائرى فى مختلف المجالات . وتعد ثالث انتخابات تجرى منذ اندلاع ثورة إسلامية، بعد إلغاء الانتخابات العامة في يناير 1992، التي كان من المتوقع أن يفوز فيها حزب أصولي إسلامي حظرت الحكومة نشاطه الآن، وقتل زهاء 200 ألف شخص في أعمال العنف السياسية منذ ذلك الحين. ورغم تراجع مستوى العنف بشكل كبير في السنوات الأخيرة، فقد هددت تفجيرات نفذتها جماعات إسلامية مسلحة مساعي البلاد لإعادة بناء نفسها.وأدت ثلاثة تفجيرات انتحارية، أعلن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي مسؤوليته عنها، إلى مقتل 33 شخصا في العاصمة الجزائر يوم 11 أبريل الماضى ، وقتل شرطي عندما انفجرت قنبلتان صغيرتان في مدينة قسنطينةالشرقية الأربعاء، الأمرالذي أثار المخاوف من عودة البلاد مرة أخرى إلى دوامة العنف التي عصفت بها خلال التسعينيات وعرضت الجزائر في أغسطس الماضى عفوا للجماعات المسلحة مدته ستة أشهر شرط استسلامهم إلا ان اقل من 300 عنصر استجابوا لهذا العرض. تجدر الاشارة الى أن هذه الانتخابات ،سجلت عدداً قياسياً من المرشحين، تجاوز 12229 مرشحاً، يمثلون 24 حزباً و1144 قائمة انتخابية، يتنافسون فيما بينهم على 389 مقعداً في مجلس النواب. وقد حشدت السلطات الجزائرية جهودا أمنية مكثفة لتأمين سير العملية الانتخابية تحسبا لوقوع أية اعمال إرهابية خاصة في الجزائر العاصمة ومحيطها حيث انتشرت تعزيزات من الشرطة يقدرعددها ب15 ألف شخص. والان يتنظر الشعب الجزائرى تغيير الحكومة خلال الفترة القادمة لاجراء الاصلاحات الشاملة ، وتحقيق الاستقرار و الامن فى ظل المصالحة الوطنية. 18/5/2007