حالة من الحراك الدائم والحوار المتفاعل والنشاط المستمر تشهده الحياة السياسية في الجزائر بوتيرة عالية, ليس بالضرورة ان تكون نموذجية أو استثنائية, انما سرعتها وسلميتها نقيض مايبدو من بطء في تطورات أحداث الربيع العربي المتجول والمتعثر. هكذا أضحي المشهد الجزائري بين مطرقة الشارع الذي يطالب بالمزيد من الاصلاحات الديمقراطية الكبري وصيحات الجماهير الهادرة في المدن والدول المجاورة التي تريد تغيير الانظمة العربية ومحاكمة قادتها. من المفترض أن تشهد الجزائر اليوم تظاهرات وانتفاضة تقودها حركة17 سبتمبر للمطالبة بالمزيد من الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان. دعوات ذهبت أبعد من ذلك عبر الفيس بوك تطالب بخروج الآلاف الي الشوارع لتغيير النظام. تعزيزات أمنية امتلأت بها الساحات والميادين والشوارع تخشي امتداد الحراك الشعبي العنيف الذي وقع في تونس وليبيا ومصر. الحركة يقودها شاب يدعي مروان الطيب من بلدة تقع علي الحدود بين الصحراء والشمال تسعي الي أن تكون المظاهرات سلمية, والي التمسك برسالة أول نوفمبر1954, في اشارة الي بيان انطلاق حرب التحرير من الاستعمار الفرنسي التي تضمنت اقامة دولة جزائرية ديمقراطية في اطار المباديء الاسلامية. البعض يخشي من فوضي عارمة تجتاح العاصمة, في حين يؤكد عبد العزيز بلخادم وزير الدولة والممثل الشخصي للرئيس بوتفليقه أن الأوضاع مستقرة ولا خوف من التظاهرات لأنها ستكون فئوية ومطالبها محددة, وأن الجزائر سبقت الجميع بالاصلاحات الشاملة منذ سنوات وهي في طريقها لتغييرات دستورية تلبي حاجات الجماهير وأن حكومته تسير وتتمسك برسالة أول نوفمبر.1954 الاهرام حاولت رصد اخر واحدث التطورات علي الساحة السياسية الجزائرية ونقلت الصورة الساخنة بموضوعية وحيادية تامة. زائر الجزائر هذه الايام لاتخطئ عينه مفردات وتفاصيل لوحة بانورامية متوهجة لمشهد يدور حول واقع نقاش وطني واسع ومشاورات اصلاحية مستمرة, ومراجعات دستورية شاملة وإعادة قوانين الممارسة السياسية بطريقة جذرية. شرارة اطلق بدايتها الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة وهو يعلم يقينا ان نظام حكمه ينبغي ان يتحلي بمزيد من المرونة والقدرة علي الانفتاح والتطور والانخراط في طريق الاصلاح قبل وصول عواصف وأعاصير الحراك السياسي العربي إلي شواطئ بلاده. بوتفليقة بدأ اولي خطواته علي هذا الطريق حينما رفع حالة الطوارئ واعتبرها صفحة جديدة علي صعيد المضي في الاصلاحات الشاملة وتعهد بتحذير وتعميق التعددية السياسية والاعلامية والبرلمانية بكل ما تستدعيه تحديات الواقع والمستقبل من أجل تثمين دعائم الامن والاستقرار والنهوض بالرقي الاجتماعي والاقتصادي وما إلي ذلك من مجالات التنمية. لم يتوقف الرئيس الجزائري طويلا بل كانت خطواته اللاحقة تعيين رئيس مجلس الامة عبدالقادر بن صالح رئيسا للجنة ادارة المشاورات مع الاحزاب السياسية والشخصيات الوطنية والعامة في شأن مراجعة دستور البلاد وقوانين الممارسة السياسية, وحدد جدولا زمنيا للاصلاحات يستعجل قوانين الانتخابات والاحزاب, وقال: انه لو تبين ان مشروع مراجعة الدستور معمق فسيناط الشعب بعد البرلمان بالبت في امره بمطلق سيادته من خلال استفتاء شفاف ونزيه, غير انه أكد ان هناك مادة واحدة لن يطولها اي تغيير أو تمس, وهي المادة871 من الدستور وتنص علي الطابع الجمهوري للدولة والنظام الديمقراطي القائم علي التعددية الحزبية( والاسلام) من حيث هو دين الدولة( والعربية) من حيث هي اللغة الوطنية الرسمية والعلم والنشيد الوطني بصفتهما رمزين للثورة والجمهورية4591 .2691 وظني ان تشكيل هذه اللجنة استجابة لاحزاب سياسية كبري انتقدت غياب نقاش وطني موسع في شأن الاصلاحات المتوقعة والجدول الزمني لتطبيقها, لذا فقد سارع( بوتفليقة) وفي شكل رسمي الي تكريس المبدأ الديمقراطي للحوار والتشاور, بل ذهب ابعد من ذلك فوسع دائرة المشاورات إلي خارج اطر الاحزاب السياسية المعتمدة, واستجاب بذلك إلي نداء الشارع وجزء من مطالب قوي المعارضة في المجتمع المطالبة بالتغيير, ومن رحم تلك المطالب رفع الحظر عن انشاء الاحزاب والنقابات وفتح الاعلام السمعي والبصري امام القطاع الخاص وتمكين الجزائريين من اختيار رئيسهم وممثليهم بالبرلمان والمجالس المنتخبة عن طريق تنظيم انتخابات حرة ونزيهة. وحول ما اذا تم ادراج هذه الخطوات الاصلاحية المرتقبة في اطار رياح التغيير التي هبت علي تونس ومصر وتهب علي العديد من البلدان العربية فقد وضح عبدالعزيز بلخادم وزير الدولة والممثل الشخصي للرئيس الجزائري ان موضوع التغيير والاصلاح واحد من المقومات الاساسية التي بنيت عليها البرامج المختلفة التي يجري تنفيذها منذ ما يقرب من العقد من الزمن وأضاف انه لم تكن البرامج الاقتصادية المتعاقبة التي اشتملت علي الاصلاح الاداري والقضائي والمالي وغيرها من المجالات سوي مقدمة لمضمون الاصلاح الشامل الذي يصبو إلي تغيير وجه الجزائر في جميع المجالات. وأكد بلخادم ل( الاهرام) ان التعديل الدستوري آت لامحالة لان الدستور الحالي تم وضعه في ظروف خاصة كانت تمر بها البلاد وهذه الظروف تغيرت الآن. وأشار( بلخادم) وهو ايضا الامين العام لحزب جبهة التحرير الوطني إلي ان حزبه سبق ان طالب بمراجعة جذرية للدستور من اجل توضيح نمط الحياة والحكم وتوسيع صلاحيات التمثيل الشعبي والرقابة البرلمانية, وإضافة إلي تعديل الدستور يجب مراجعة قانوني الاحزاب والانتخابات بما يتيح إضفاء مزيد من الشفافية علي العملية الانتخابية. وحول مايتردد من طرح لحل البرلمان, شدد علي رفضه فكرة حل البرلمان واجراء انتخابات تشريعية مبكرة, مشيرا إلي أنه يفضل ان تخصص الفترة المتبقية علي موعد الانتخابات التشريعية المقررة منتصف العام المقبل لمراجعة قوانين الاحزاب والانتخابات والاعلام. وفي حين تتفق فعاليات سياسية علي خيار تعديل دستور البلاد يبدي مسئولو الهيئات الدستورية مواقف متباينة من اقتراح حل البرلمان, ويقف بلخادم في صف المتحفظين علي الخطوة بحكم حيازته للغالبية في البرلمان. ويقف في الصف نفسه رئيس الوزراء( أحمد اويحيي) الامين العام للتجمع الوطني الديمقراطي اذ يحوز حزبه المرتبة الثانية في البرلمان بينما يقترح أويحيي العودة إلي تقنين عدد الولايات الرئاسية في الدستور بواحدة من خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة, كما يفضل الابقاء علي النظام شبه الرئاسي لتجنيب البلاد الانسداد المؤسساتي وضمان مشاركة سائر التيارات السياسية في تسيير شئون البلاد وطالب بممارسة رقابة برلمانية معززة علي الحكومة وتعزيز دور البرلمان لا سيما من خلال إلزام النواب في الدستور بحضور اجتماعات اللجان والجلسات العامة مع تحديد واضح للحصانة البرلمانية في الأعمال السياسية للنائب ومنع التنقل السياسي للمنتخبين بين الأحزاب. إلي ذلك فقد أفادت مصادر سياسية جزائرية رفيعة أن نقاشات تعديل الدستور بين الرئيس بوتفليقة وكبار مساعديه تتعلق بإمكانية إلغاء الغرفة البرلمانية الثانية( مجلس الأمة).. أثناء التعديل الدستوري المرتقب, ويناقش الرئيس ومساعدوه جملة من البدائل بينها أن يتكيف مجلس الأمة مع متطلبات المرحلة ليتجاوب معها أو منحه الصلاحيات الكاملة حتي يكون مكملا للغرفة البرلمانية الأولي. لكن علي الجانب الآخر يري بعض المحللين أن رفض الحكومة الاستماع للإسلاميين الممنوعين من العمل السياسي الذي قارب إقصاؤهم من الحياة السياسية علي العشرين عاما يعد من أهم الانتقادات الموجهة للنظام, حيث يستحيل أن يظل جزء كبير من المواطنين ممنوعا من العمل السياسي إلي الأبد. وعلي الرغم من أهمية ومشروعية النقاش والحوار الدائر علي الساحة الجزائرية إلا أنه لم يستثن صحة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة مما دعا قطاع في المعارضة إلي أن يتحمل الجيش مسئوليته مع رحيل بوتفليقة.. سؤال طرحته علي عبدالعزيز بلخادم وأيضا حول نيته الترشح للرئاسة المقبلة. أجاب: الأمر مبكر للحديث عن الترشح للرئاسة في4102 ولا يزال أمام الرئيس ثلاث سنوات لانقضاء عهدته الرئاسية.. أما عن نيتي الترشح فلست أنا من يقرر, بل هناك لجنة مركزية هي من تقرر في تزكية مرشحها, غير أنه رفض الخوض في ملف صحة الرئيس والنقاش حول المادة88 من الدستور التي تنص علي تولي رئيس مجلس الأمة منصب رئيس الجمهورية في حالة شغر المنصب بسبب مرض الرئيس وعجزه عن القيام بمهماته. إلا أن بلخادم.. استغرب تماما من دعوة البعض إلي أن يتولي الجيش زمام الأمور مع رحيل بوتفليقة.. وقال: هل هذه هي الديمقراطية التي يريدها البعض؟ يقيني أن النظام في الجزائر يراقب المشهد العربي بدقة ويحاول الاستفادة من الأخطاء وعدم تكرار أحداث اكتوبر8891 والتي أدخلت البلاد في دوامة العنف والعنف المضاد, ولم تؤد في نظر البعض إلي تغيير النظام السياسي بل إلي تدخل المؤسسة العسكرية في العملية السياسية والغاء الانتخابات وإعلان حالة الطوارئ في البلاد واندلاع أزمة سياسية معقدة بدأت بفراغ دستوري وانتهت إلي ديمقراطية الواجهة الشكلية كما تسميها المعارضة. لكنني أعتقد أن النظام السياسي بالجزائر راهن علي الشرعية السياسية التي يمتلكها بوتفليقة.. لاطلاق مبادرة للاصلاح السياسي تمكنه من الإشراف علي عملية الاصلاح وفق خطة محددة الأهداف تجنب الانهيار المفاجئ للحكومة والنظام مهما كانت درجة حدة الضغوط الشعبية ومهما كانت الظروف الدولية والإقليمية الضاغطة.