حرب اوسيتيا الجنوبية د . هايل ودعان الدعجة يؤكد رد الفعل الروسي الغاضب والعنيف على التدخل العسكري الجورجي في اقليم اوسيتيا الجنوبية ، على ان سياسة جورجيا الاستفزازية قد منحت الدب الروسي فرصة ذهبية طالما تحينها وحلم باقتناصها ، لينقض على هذه الثغرة الغربية في جدار آمنه القومي ، ويكون له موطىء قدم في جورجيا والقوقاز لحماية مصالحه الحيوية . حيث تطورت مواجهته مع جورجيا بوتيرة دراماتيكية خلال فترة زمنية قصيرة جدا الى حرب مفتوحة . ما يشير الى التوقيت المناسب الذي استغله ليعيد نفوذه الاقليمي والدولي بعد الصفعات الموجعة التي تلقاها في مناطق استراتيجية وحساسة بالنسبة لآمنه القومي ، كان آخرها الصفعة التي تعرض لها في اقليم كوسوفو الذي نال استقلاله رغما عن روسيا وبخلاف رغبتها. كذلك فان توقيت التدخل الروسي في حرب اوسيتيا الجنوبية جاء في غمرة انشغال العالم بمتابعة افتتاح دورة الالعاب الاولمبية في بكين ، وانشغال الولاياتالمتحدة بحملة الانتخابات الرئاسية والملف النووي الايراني ، وورطتها في كل من العراق وافغانستان وجميعها تجسد ظروفا مواتية لروسيا للانتقام من جورجيا المدعومة من الغرب . فقد ذكر ميخائيل ساكاشفيلي الرئيس الجورجي بان النزاع مع القوات الروسية لا علاقة له بمنطقة انفصالية داخل جورجيا ، بل بالتقارب بين تبليسي والغرب. ونظرا لاهمية جورجيا الاستراتيجية في الفضاء السوفيتي السابق ، فان الغرب يسعى الى توظيفها في قضم النفوذ الروسي في المنطقة من اجل السيطرة على القوقاز وعلى موارد منطقة قزوين خاصة ان هناك اطماعا امريكية في احتياطات هذه المنطقة التي من شأنها توفير قوة ضغط سياسية لامريكا في المنطقة لمنع روسيا من امتلاك سيطرة اكبر في توزيع النفط والغاز . ما يفسر تبني الولاياتالمتحدة لفكرة ادخال جورجيا في عضوية حلف الناتو. الامر الذي يهدد مصالح روسيا القومية في منطقتها الاقليمية التي تمثل مجالها الحيوي . لذلك فان مثل هذه المحاولات الغربية الرامية الى ضرب المصالح الروسية ، هي التي قادت القيادة الروسية الى الرد وبعنف على خطوة جورجيا الاستفزازية ومحاولتها السيطرة على اوسيتيا الجنوبية . ما يعطي روسيا الفرصة للسيطرة على ممرات الطاقة عبر القوقاز ، بحيث تستطيع ان تعرقل او تتحكم بامدادات الطاقة الى اوروبا من مرافىء جورجيا التي اغضبت روسيا كثيرا عندما فتحت اراضيها لثاني اطول خط انابيب في العالم بطول 1770كم ، وهو خط باكو تبليسي جيحان الذي كرس معقلا مهما للغرب واميركا في القوقاز . اضافة الى انه يمثل الطريق الوحيد لنفط قزوين الى اوروبا ، التي سبق لها ان وضعت خطة لخفض الاعتماد على امدادات الغاز الروسي الى النصف ، تأكيدا على سعي دول اوروبا الى تنويع مصادر الطاقة والحد من تحكم روسيا واحتكارها لهذه المصادر في الاسواق الاوروبية ، خاصة بعد انقطاع امدادات النفط الروسية الى اوروبا بسبب ازمتي اوكرانيا وروسياالبيضاء (بيلاروسيا ) ، حيث يعتبر بعض المسؤولين الاوروبيين ان ازمة الامدادات الروسية تستهدف آمن موارد الطاقة في اوروبا واستقرارها . ان التدخل الروسي في حرب اوسيتيا الجنوبية يعكس تفكير الكرملن الجدي باهمية انبعاث الدولة الروسية الاتحادية بصفتها السابقة كمنافس للغرب ، واستعادة دورها كقوة عظمى بحيث تعطي لنفسها الحق في التدخل عسكريا اذا ما حدثت صراعات او تطورات تضر بالمصالح الروسية . حيث اظهرت حرب القوقاز انتقال روسيا من مرحلة استعادة قدراتها العسكرية والسياسية الى مرحلة التحرك على الارض لتكريس امر واقع جديد ، تدخل من خلاله طرفا اساسيا في المعادلات الاقليمية والدولية عبر التأكيد بانها ما تزال دولة عظمى قادرة على حماية مصالحها القومية والاستراتسجية ؛ ما يعني ان الذي يجري في اوسيتيا الجنوبية في النهاية انما يمثل صراعا خفيا بين روسياوالولاياتالمتحدة يتعدى جورجيا . عن صحيفة الرأي الاردنية 18/8/2008