أصداء سبتمبر.. فشل في الحرب وفي الحرية صلاح الدين حافظ ولما كان اليوم هو الثاني عشر من سبتمبر/ ايلول، بدأت السنة السابعة منذ الهجمات الدموية على برجي التجارة في نيويورك، وعلى مبنى البنتاجون في قلب العاصمة الأمريكيةواشنطن. مضت ستة أعوام، منذ ذلك الحدث الرهيب، الذي أصبح الساسة والمؤرخون والإعلاميون، يؤرخون به لبداية عصر جديد في السياسة والعلاقات الدولية، عصر عنوانه الهيمنة العسكرية الأمريكية، تنفيذا لنظرية “القرن الأمريكي"، التي وضع أسسها غلاة المحافظين الجدد المتطرفين، الذين أحاطوا بالرئيس الأمريكي “المندفع" جورج بوش، حتى أوصلوه إلى البوار والخسران، وأوصلوا بلادهم إلى الكارثة الراهنة. الفشل هو العنوان الذي رأيناه مناسبا لفترتي الرئاسة لبوش، فقد بدأها محاربا يطلب الثأر، حين شن “الحرب الصليبية على التطرف الإسلامي" كما قال بعد شهر واحد من هجمات سبتمبر ،2001 وها هو ينهيها محبطاً مهزوماً يطلب الإنقاذ، الذي يسعى من أجله بكل الجهد الجهيد، في عامه الأخير، حتى يخرج سالما مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الجديدة في نوفمبر/ تشرين الأول 2008. أين وكيف فشل هذا الرئيس الذي يحب كثير من المعلقين والسياسيين الأمريكيين تلقيبه بالأحمق؟.. لقد فشل في ثلاثة: * أولا: فشل في إحراز نصر حاسم، أو حتى جزئي، في الحرب “العالمية" الجديدة التي بدأ خوضها في أكتوبر/ تشرين الأول 2001 انطلاقا من أفغانستان، ثم في 2003 بغزو العراق، بهدف فرض السيطرة العسكرية الواسعة للإمبراطورية الأمريكية وفق مبادئ مشروع “القرن الأمريكي"، ومعها ترسيخ نظام العولمة الذي يزيد من قدرة الاقتصاد الأمريكي، ويدعم النفوذ السياسي للإمبراطورية، ويزيح من أمامها الأحلام “الاستعمارية" القديمة لأوروبا الجديدة والموحدة، مثلما يجهض الحلم الصيني الصاعد. لقد راهن بوش ومن خلفه عصابة المحافظين الجدد اليمينية الصهيونية، على القوة المسلحة القاهرة الباطشة، لفرض المشروع التوسعي الأمريكي “مشروع القرن الأمريكي" فأفرط في استخدام قواته المسلحة، وجذب إلى صفوفه بعض معاونيه من أوروبا تحديداً، وعمد من الناحية الواقعية إلى تخريب الميزانية الأمريكية الهائلة، عن طريق زيادة الإنفاق العسكري المتصاعد. يقول التقرير السنوي لمعهد أبحاث السلام في استكهولم “سبري" الصادر قبل أيام: إن الولاياتالمتحدةالأمريكية تحتل المرتبة الأولى في الإنفاق العسكري السنوي العالمي، طبقا لميزانيات عام ،2006 فقد بلغ نحو 529 مليار دولار، من نحو 2.1 تريليون دولار هو مجموع الإنفاق العسكري لكل دول العالم، أي أن أمريكا وحدها في ظل حروب بوش الخائبة، قد احتكرت نحو نصف الإنفاق العالمي، وتحديدا 46 في المائة، مقارنة ببريطانيا ونصيبها 5 في المائة فقط، ومثلها لفرنسا، و4 في المائة لكل من اليابان والصين. ورغم هذه الأرقام الهائلة في الإنفاق العسكري، فإن حروب بوش فاشلة، وهو اليوم يبحث عن مخرج يكفل الحد الأدنى من الانسحاب المنظم من ميادين المعارك، التي اندفع لخوضها على مدى السنوات الست الماضية! *** * ثانيا: فشل الرئيس الأمريكي، الذي وصف نفسه بُعيد هجمات سبتمبر، بالمبعوث الإلهي لنشر الخير وقهر الشر، في حملته الحربية لمحاربة “العنف والإرهاب الإسلامي". ومن المصادفات الغريبة، أن يفاجأ الرئيس الأمريكي قبل أيام، بعودة صورة أسامة بن لادن قائد تنظيم القاعدة المتطرف، تطل عليه عبر شريط مصور، بينما أمريكا طالما روجت عبر إعلامها الجبار، أن “ابن لادن" قد مات بفعل المرض أو على أيدي القوات الأمريكية في أفغانستان. بعد ست سنوات، نتذكر الآن وقفة بوش العنترية، في عام 2001 مؤكدا أنه يتعهد للشعب الأمريكي ولكل العالم المتحضر، بإحضار “ابن لادن" داخل قفص حديدي، ليواجه المحاكمة فوق الأرض الأمريكية.. لكن ها هو “ابن لادن" يتحداه علنا ويعيره بالفشل المذل. للأسف، لقد أدت حرب بوش واندفاعاته السياسية ومغامراته العسكرية على مدى ست سنوات، إلى زيادة العنف والتطرف والإرهاب، ليس فقط تهديدا لأمريكا من جديد، ولا تفجيرا للأمن الأوروبي في لندن ومدريد وغيرهما، ولكن زيادته في الدول العربية والإسلامية من شواطئ المغرب والجزائر غربا حتى جبال أفغانستان شرقا، مرورا بالعراق المشتعل. لقد فشل بوش في حربه ضد الإرهاب واستئصال جذوره وتجفيف منابعه، لكنه في الحقيقة نجح في تصعيد أوار الإرهاب والعنف المسلح وفي استفزاز قوى كثيرة لتواجه بالقوة والعنف، ما تعتقد أنه هجوم “صهيو صليبي" تقوده أمريكا ضد الإسلام. وقد كان جراء هذه المواجهات المسلحة، أن اختلط الحابل بالنابل، ونعني اختلاط الإرهاب الأعمى، الذي لا يفرق بين استهدافه للمدنيين وبين محاربته لقوات العدو، من المقاومة الوطنية المشروعة التي تستهدف تحرير بلادها من محتل ومستعمر أجنبي، هكذا تورط بوش وجيشه في كل من العراق وأفغانستان، وأنفق على حربه الخاسرة “ضد الإرهاب" فيما بين 300 و400 مليار دولار على الأقل، وفق التقارير الأمريكية.. والنتيجة كما ترون، فشل يقود فشلا، بينما الإرهاب لا يزال يحتمي بالمقاومة، ويتحدى الإمبراطورية العظمى. * ثالثا: ثالثة الأثافي، تتجلى في فشل الرئيس الأمريكي بوش في رسالته التبشيرية التي أعلنها مع مساعديه في عام ،2002 وخلاصتها فرض الديمقراطية على الدول العربية والإسلامية “منبع التطرف والإرهاب كما وصفها". لقد تعهد بوش بتحقيق ما سموه “الشراكة مع الشرق الأوسط" بنشر القيم الديمقراطية الأمريكية، بالذوق أو بالعافية، وتعهد بتغيير الأفكار والرؤى التي تحكم العرب والمسلمين، من التقاليد العشائرية المستبدة، إلى أسس الدين الإسلامي التي تدعو للجهاد والقتال.
*** وفي سبيل ذلك شنت الإدارة الأمريكية والكونجرس والإعلام الجبار حملة شرسة، ليس فقط ضد نظم الحكم المستبدة في المنطقة العربية، وهي نظم حليفة صديقة لأمريكا، ولكن أيضا ضد الإسلام ذاته، باعتباره دينا عدوانيا كما تصفه الأدبيات الغربية المتعصبة. رفعت أمريكا شعار تحديث الإسلام ودمقرطة نظم الحكم العربية وإسقاط استبدادها، الذي أخطأت أمريكا بالتغاضي عنه على مدى ستين عاما، كما قالت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية.. ونعترف بأن أمريكا نجحت جزئيا في فرض إصلاحات وتغييرات محددة على النظم العربية الحاكمة خصوصا في تعديل بعض مناهج التعليم، وفي إجبارها على التسامح المحدود مع الحريات العامة، بل في تخفيف الجرعات الدينية في مناهج الدراسة وبرامج الإعلام، وفي اختراق الصحافة والثقافة، وفي تجنيد المتأمركين العرب. لكن المحصلة النهائية، ورئاسة بوش تدخل عامها الأخير “عام البطة العرجاء"، تقول إن الحملة التبشيرية بفرض الديمقراطية، وإجبار النظم الحاكمة على الإصلاح والانفتاح تشهد الآن نهايتها الفاشلة وختامها المأساوي. دعاوى الإصلاح الديمقراطي تهاوت كأوراق شجر الخريف، ورهان المتأمركين العرب على الدبابة الأمريكية لفرض الإصلاح قد تآكل إلى درجة الإحباط، وحديث بوش وعصابته عن نشر القيم الديمقراطية قد خفت بل ضاع أدراج الرياح بضياع الحملة التبشيرية إياها سعيا وراء المصالح. لقد عاد بوش إلى سياسة مهادنة النظم المستبدة، التي كان يناطحها ويهددها بفرض الديمقراطية بالقوة، عاد إلى تدعيم التحالف مع المستبدين طالبا دعمهم ومؤازرتهم له في ورطته بالعراق، وبالتالي عادوا هم سيرتهم الأولى، وتبادل الطرفان نخب الانتصار في دعاوى الإصلاح والديمقراطية فأجهضا معا كل الأحلام الشعبية بانتصار ديمقراطي حقيقي نابع من أرض الوطن. لقد بدأ بوش مراهنا على الانتصار في الحرب من ناحية، وعلى فرض الديمقراطية من ناحية أخرى، وها هو ينتهي خاسرا في الحرب وفاشلا في الديمقراطية. ولنا الله من قبل ومن بعد، إذ علينا أن نبدأ من جديد لكي نعيد العمل من أجل إنجاز مشروع وطني للإصلاح الديمقراطي بأيدينا لا بأيدي بوش الغارب إلى النسيان! عن صحيفة الخليج الاماراتية 12/9/2007