الاحزاب الكردية وعقدة الدولة القومية جمال محمد تقي اعلن رزكار علي ممثل الكتلة الكردية في محافظة كركوك ورئيس مجلس المحافظة في اجتماع علني حضره ممثلو الاكراد فقط الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني انضمام كركوك الى اقليم كردستان مشيرا الى ان قراره هذا قد اتخذ بايعاز من قيادة الاقليم بعد ان فشلت الجهود المبذولة للاتفاق بشأن قانون انتخابات المحافظات واقرار فقرته المتعلقة بكركوك دون موافقة الكتلة الكردية وقال مدافعا عن شرعية قراره هذا: انه قرار قانوني استنادا على الفقرة 127 من الدستور العراقي والمتعلقة بالمحافظات خارج الاقاليم وحسب قوله يكون من حق مجلس اي محافظة خارج الاقاليم بتقديم طلب رسمي الى الرئاسة العراقية للانضمام الى اقليم والرئاسة بدورها تحيله للبرلمان من اجل التصويت عليه كقانون نافذ وتغافل السيد رزكار ان يذكر ان النص الدستوري في هذه الفقرة يذكر: على ان قرارات مجالس المحافظات بهذا الخصوص يجب ان تكون باكثرية الثلثين وبما ان مجلس محافظة كركوك الحالي مكون من 41 عضوا وان الموقعين على القرار هم 21 فقط فان القرار باطل لعدم استيفاء الشروط الدستورية هذا اضافة الى ان مجلس المحافظة قد تجاوز مجلس الرئاسة العراقي والبرلمان العراقي عندما تقدم بالطلب الى الاقليم اولا وبالتالي فهو قرار ناقص يعكس رغبة ارادوية لفرض اجندة غير وطنية تصادر حقوق الاخرين اضافة الى تأويلها للنصوص الدستورية بطريقة لا تخلو من التحايل والتعامل غير الشريف مع الحقائق الشاخصة علاوة على ان خضوع جهاز المحافظة الرسمي لهيمنة اقليم كردستان ومنذ احتلال العراق وبدون اي مسوغ قانوني او دستوري يؤكد سوء النية المبيتة في الاستقواء بالامر الواقع في حالة فشل محاولات ضم المحافظة بترتيبات توافقية ان تزوير الحقائق ومحاولات تكريد المحافظة بالكامل هي ممارسات شائعة ساهمت ولحد بعيد في فضح الادعاءات الفارغة بتمسك الحزبين الكرديين بوحدة العراق وشعبه . أن بناء دولة عراق اليوم على اسس طائفية وعرقية هو أم المشاكل الحقيقية الطافحة على وجه بلادنا مهما حاول المدعون تجميل هذا القبح الوبائي بعبارات مزوقة وبراقة كالفدرالية والتعددية واللامركزية اما الاب الروحي لها فهو المحتل ومشروعه الشرق اوسطي الجديد الداعي لتفتيت دول المنطقة الى ملل ونحل يسهل سوقها واخضاعها فتمزيق النسيج الوطني العراقي بحجة اعادة حياكة خيوط مكوناته وفق رغبات كل مكون على حدة يقع في صميم المقاصد الحقيقية الكامنة وراء اعادة الغزل على اسس طائفية وعرقية ووضعها ككتل نوعية متقابلة لا يجمعها جامع الا اطار شكلي رخو يحل محل الرابطة الوطنية التي تمزج في نسيجها كل الانواع وذلك ليتمكنوا لاحقا من فصلها عن بعضها ودون عناء . تدعي الاحزاب العنصرية الكردية ان اقليم كردستان ليس باقليم قومي وانما هو اقليم جغرافي واداري يستوعب كل الاقليات القومية والطائفية التي تقطنه ويمنحها كامل الحرية للمشاركة الفعالة في مختلف مجالات الحياة فيه وهو لا يفرض عليها اية استحقاقات اضافية غير استحقاقات المواطنة العامة لكن واقع الحال يخالف هذه الادعاءات التي تبتغي ذر الرماد في العيون وكما يقال فان المكتوب يقرأ من عنوانه وعنوان هذا الاقليم هو كردستان أي بلاد الاكراد وبالتالي فان الاكراد هم من يسيرون دفة الاقليم والاخرون يسيرون على ذلك المسار لغة الاقليم الرسمية هي الكردية والعطل الرسمية بمناسبات كردية والعلم كردي وكذلك القوات المسلحة وعقيدتها القتالية حصرا كردية البيشمركة ونشيد الاقليم هي رقيب هو نشيد البيشمركة والذي يقول انه الفدائي الكردي الذي يقاتل من اجل قومه وعشيرته حتى الموت وبالمعنى القبلي الشائع انصر اخاك ظالما او مظلوما اضف الى ذلك فان هناك صراعات قديمة بين الكثير من العشائر الكردية ومن جاورها من التركيف والاشوريين والتركمان والشبك واليزيدية تتعلق بحيازة الاراضي والرعي وفرض النفوذ لذلك كان هناك دور مطلوب على الدوام لتحكيم جهة مركزية لها نفوذ على الجميع وعلى هذا الاساس نرى ان اغلب الاقليات الاخرى في العراق تعارض التحاقها باي اقليم قومي او طائفي لانه سيضيق الخناق عليها وعلى ثقافتها وعليه نراها تتمسك بانتمائها للعراق كاقليم جغرافي واداري وتاريخي واقتصادي وحضاري واحد غني وواسع وتعددي لا تطغي عليه غير ثقافته العربية الاسلامية التي تعكس في روحها ثقافة الجميع مسلمين ومسيحيين عربا وكردا وتركمانا وشبك وصابئة ولريين كلحمة متحققة عمليا لكل هذه الانسجة الاجتماعية في بوتقة واحدة هي المواطنة العراقية . ليس من المعقول ان يقبل الاكراد لغيرهم ما يرفضونه لانفسهم فهم يدعون انهم يرفضون ان يكونوا جزءا من وطن لا تسوده ثقافتهم القومية وعليه راحوا يطرحون موضوعة الوطن الكردي الصغير 'دولة كردستان العراق' باتجاه الوطن الكردي الكبير 'كردستان الكبرى' علما ان العراق ليس وطنا قوميا خاصا بالعرب فقط على الرغم من كونهم يشكلون نسبة اكثر من ثلاثة ارباع السكان وانما هو وطن متعدد الاعراق فالعراق شعب واحد بقوميات وطوائف متعددة ولم يقل احد يوما ان العراق بلاد للعرب فقط ولم يرتهن الاسم الرسمي لدولة العراق القديمة والحديثة باسم القومية العربية وعليه كانت معظم الاقليات تساهم لتقوية عراقية المواطن على حساب الانتماءات الاخرى وهذ يشمل الاكراد ايضا حيث تمتعوا بحقوق تعتبر مكاسب بالمقارنة مع اقرانهم في الدول الاخرى ورغم كل الاساءات السياسية التي تعرضوا لها كباقي ابناء الشعب العراقي وبكل مشاربه لكنها تبقى طارئة وشاذة اما القياس عليها وتأويلها لصالح الاجندة الانفصالية التي تريد تدمير الوطن العراقي برمته فهو سلوك تآمري يتحايل على الواقع لتجيير مستقبله لصالح حفنة من المنتفعين والمتاجرين زورا وبهتانا باسم الوطن القومي للاكراد نعم لا يوجد وطن قومي يوجد وطن لشعب متعدد الاعراق وهذا هو قدر الوطن العراقي نحو مشروع أمة عراقية جديدة بثقافة عربية اسلامية اما وطن قومي للاكراد فلن يقبل من العرب والتركمان كوطن لهم ولا غيرهم من الاقوام والطوائف الاخرى لانه حدد نفسه بنفسه ثم ما ذنب هذه القوميات لتلتحق بوطن قومي كردي لديه مشروع كردستان الكبرى يثير لها جميعا متاعب وحروبا هي في غنى عنها . هناك ازمة حقيقية في الخطاب المتنفذ للحزبين الكرديين انه متناقض ويعاني من الازدواجية والانفصام وهذه الازمة تعبر عن قصور في اتساق ما هو ذاتي وموضوعي في صيرورة حركة التطور الاجتماعي الاقتصادي في شمال العراق التي يغلب عليها طابع العلاقات البدائية ما قبل الحواضر الصناعية علاقات رعوية وانتاج زراعي يتصف بالعزلة مما يجعل من العشيرة والانتماء المناطقي هو النمط السائد في التجمعات السكانية وهذا الواقع سوف لن يكون عونا لقيام دولة قومية على الرغم من وفرة نخب كردية تتطلع لتجاوز ماهو موضوعي بالارادوية التي سوف لن تجلب لاصحابها غير الخيبات فاكراد العراق لا يجتمعون على لغة واحدة ولا حتى على ثقافة واحدة وهذا ما يلاحظه اي مطلع حصيف في الفروقات بين مناطق سوران وبادينان ناهيك عن التباينات في مستوى تطور الانتاج وعلاقاته انه خطاب يحاول تقليد خطاب الحركة القومية العربية القديم في جزئية الوحدة القومية والذي تم تجاوزه نحو آفاق رحبة جديدة لا مكان فيها للعنصرية القومية انها آفاق التكامل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي نحو أمة السوق الواحدة والثقافة الواحدة عربية اسلامية بعروق قومية متعددة الملفت ان بعض القيادات النخبوية الكردية تجد ضالتها بنماذج دول الريع النفطي في الخليج حيث تعتقد ان وفرة الريع النفطي سيكون حافزا مستجدا يخفف من ضغوطات عجز العوامل الموضوعية متناسين ان دول الريع النفطي الخليجي قد تم قيامها بتعمد تقسيمي غربي لضمان ارتباطها به طلبا للحماية واذا افترضنا جدلا ان الغرب اراد فعلا تكرار تجربة دول الخليج في مناطق الريع النفطي لديهم فمعنى هذا ان ما يسمى بكردستان ستكون عبارة عن امارات ودويلات ريعية واحدة في دهوك والاخرى في طقطق واخرى في اربيل وكركوك وهكذا ليضمن الغرب تبعيتها من خلال فرض حمايته عليها فاي دولة قومية تنتظرها مثل هذه النخب؟ لقد اثبتت التطورات الجارية موخرا في العراق ان الحزبين الكرديين يحاولان دائما تأجيل الاجابة على اسئلة الاستحقاقات الحقيقية لتطلعاتهما وما التجريب السياسي الذي يمارسانه الا وسيلة من وسائل هذا التأجيل الذي اصبح سنة لديهما وكان وما يزال الموقف من كركوك وما يتقدمان به حولها ثم يتراجعان عنه الا مثال حي على تجريبيتهما التي تعكس هشاشة موضوعية فيهما . عن صحيفة القدس العربي 5/8/2008