حسابات خاطئة ل تشافيز في صفقته مع بكين جويل برينكلي خبر لم يحظ بقدر كبير من الاهتمام قبل أسابيع قليلة عندما أعلنت فنزويلا عن اتفاق لبناء مصفاة كبيرة في مقاطعة جوانجدونج الصينية قادرة على تكرير النفط الثقيل وهو النوع الوحيد من النفط الذي تنتجه فنزويلا. وللوهلة الأولى تبدو الأخبار سيئة للغاية بالنسبة للولايات المتحدة. ففي الوقت الحاضر تقوم فنزويلا بتكرير جميع إنتاجها من النفط تقريبا والذي يبلغ نحو 1.2 مليون برميل في الولاياتالمتحدة كما تبيعه هناك أيضا. فماذا يمكن أن يحدث إذا قطعت فنزويلا يوما ما هذه الإمدادات؟ على أقل التقديرات سيتسبب ذلك في اضطرابات شديدة في السوق ما سيؤدي الى قفزة كبيرة في أسعار الغاز. وهذا هو الهدف المعلن الذي يصبو الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز إلى تحقيقه. فقد ظل تشافيز يبحث عن سوق بديل لكي ينهي اعتماده على الولاياتالمتحدة ، وليس هناك ما يمكن أن يرضيه أكثر من أن يتسبب في إزعاج الرئيس بوش الذي ينعته ب " الشيطان". كما أن سياسة تشافيز الخارجية تعتمد اعتمادا كبيرا على ذم واشنطن التي يسميها " الأمبراطورية" ولا يهم في ذلك من الذي يجلس في البيت الأبيض. وكانت فنزويلا والصين قد أعلنتا في مايو عن اتفاق مبدئي لبناء مصفاة ضخمة جديدة على جزيرة جاولين في مقاطعة جواندونج الجنوبية، واتفقت الدولتان على تقاسم التكاليف والملكية. ومنذ ذلك الحين تجري مناقشات بين أوساط خبراء النفط الأميركيين والمثقفين في أميركا اللاتينية حول اتفاق إنشاء المصفاة. ولا يبدو أن أحدا يجزم بأن الصين ستقوم بعملية الإنشاء بالفعل. وهم في ذلك يقولون إن الأمر ببساطة ليس له معنى. وبادئ ذي بدء هناك تساؤل : لماذا يتم شحن النفط الى النصف الآخر من الكرة الأرضية وبتكاليف باهظة في الوقت الذي توجد اثنى عشر من المصافي على مسافة قريبة من فنزويلا في دول الخليج مجهزة بشكل خاص لمعالجة النفط الفنزويلي الثقيل المرتفع الكبريت. وفي الوقت الحالي لا توجد الكثير من المصافي القادرة على تكرير الكمية الكبيرة من النفط الفنزويلي. وكما أخبرني جان ستيوارت الاقتصادي الدولي في "يو بي اس" : في الوقت الحالي لا يوجد بديل للنفط الفنزويلي، ولكن لماذا تدفع الصين الكثير مقابل النفط الفنزويلي الى جانب التكلفة المرتفعة لبناء مصاف خاصة وشحن ما يربو على مليون برميل من النفط يوميا في الوقت الذي يتوفر فيه نفط خام انقى بأسعار معتدلة في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط ؟ والواضح أن تشافيز عاقد العزم تماما على تنفيذ ذلك. فمن وجهة نظره يعتقد أن الصينيين المتعطشين تماما للنفط هم أفضل من يساعدوه في سعيه لمعاقبة واشنطن. وأعتقد أن تشافيز يخطئ في قراءة النوايا الصينية، فهو يريد أن يعقد صفقة غير منطقية لأسباب أيديولوجية. وربما لا تهم مسألة الضمير عند الصينيين بيد انهم واقعيون بكل تأكيد. وفي شهادته امام الكونجرس الشهر الماضي قال دانيال إريكسون وهو من أحد المشاركين البارزين في الحوار الداخلي الأميركي في: لم تظهر الصين قدرا كبيرا من الحماسة للمشاركة في تحقيق الهدف الأكبر لتشافيز بتحقيق التوازن المقابل للنفوذ الأميركي في النصف الغربي من الكرة الأرضية. ( وبالمثل لم يجد تشافيز خلال زيارته الأخيرة قبل أيام الى موسكو رغبة في أن تلعب دورا في مخطط تشافيز) وكان الهدف الأول للصين خلال زيارة الى كاراكاس هو بيع معدات استكشاف للنفط غير أن فنزويلا قفزت الى الفكرة لأنها لا تنفق سوى النذر اليسير على تحديث المعدات ، فقد ملأ تشافيز وزارة النفط بموظفين غير أكفاء من أقربائه فيما يمنح حلفائه الايديولوجيين ملايين البراميل من النفط. وبالنسبة للمصفاة الجديدة كما يقول ستيوارت فقد ثبت بمرور الوقت ان هناك صعوبة لقيام الصين بالاستثمار في مثل تلك المشروعات المكلفة مثل تلك المصافي العالمية من الدرجة الخامسة أو السادسة المطلوب بناؤها لتكرير النفط الفنزويلي. كما ان عملية تمويل المصافي تمثل مهمة شاقة للغاية حيث أن بناء واحدة منها يتطلب خمس سنوات. وفي شهادته امام الكونجرس أيضا قال فرانسوا جوزاليس الخبير الأميركي الجنوبي في جامعة جون هوبكينز: من الناحية الاقتصادية أن تقوم فنزويلا بشحن كميات كبير من النفط الخام الى الصين يبدو الأمر فاقدا لأي معنى كما أنه سيظل كذلك في أي وقت طالما ظل النفط سلعة قابلة للاستبدال. وأكثر من ذلك فإذا اختارت الصين ان تقوم ببناء مصفاة كبرى جديدة لتشافيز فسوف تعتبر الولاياتالمتحدة أن ذلك عملا عدوانيا. وحتى الآن تبدي الصين حرصا على عدم الإساءة الى واشنطن ثاني اكبر شريكا تجاري لها في سعيها لعقد صفقات في أميركا اللاتينية. والصورة كما أفهمها فإن الصين تحاول الاستفادة من تشافيز وذلك أنها قد أبرمت عقدا مربحا لخدمات النفط تماما كما فعلت في العديد من البلدان الأفريقية والآسيوية. وفي هذه الصفقة تحركت الصين بشكل سريع. فبعد أسابيع قليلة من التوقيع عليها وصلت ثلاثة حفارات للنفط الى ميناء ماراكايبو في فنزويلا ، وهناك أربعة وعشرون حفارا في طريقها الى هناك. فالصين تدرك ان تشافيز يسعى بتعجل الى مجابهة واشنطن وربما يكون الصينيون قد أومأوا رؤوسهم وأبدوا ابتسامة فيما كان تشافيز يتحدث عن الاتفاق ثم قدم عرض المصفاة. والآن فلنتوقع ان تكشف بكين عن أوراقها. نشر في صحيفة " انترناشونال هيرالد تربيون " ونقل من صحيفة " الوطن العمانية " 26/7/2008