انتصار آسيا وهزيمة بغداد عبد الرحمن الراشد كل الناس احتفلت بانتصار المنتخب العراقي، حتى من غير أهل العراق، ومن غير العرب أيضا. هناك شبه اجماع دولي على انها كانت بطولة مستحقة لشعب يحتاج الى ما يجمع ويضمد ويسعد. لكن ها هو أسبوع مر وعادت بغداد عاصمة الشحيح من الماء، والقليل من الكهرباء، والكثير من القتلى والجرحى والتفجيرات. هل تبخرت المناسبة الرائعة، التي جمعت العراقيين في المهاجر والملاجئ والمدن والأرياف والحكومة والمعارضة؟ نعم، يبدو ان المناسبة راحت كحلم قصير، ما لم تتدراك القوى العراقية الراغبة حقا في انقاذ البلاد قبل الطلقة الأخيرة الموعودة في سبتمبر، وقبل ان ينهار الكيان السياسي الهش. فعليا مثل المنتخب عفويا كل العراقيين، حتى انه في احدى مبارياته سجل ثلاثة لاعبين، شيعي وسني وكردي، اهدافه الثلاثة، وهذا التمثيل العريض سبب اجماع العراقيين عليه، جعل كل مواطن يعتبره يمثله. والسؤال هل تتعظ الحكومة فتكون لكل العراقيين لا لبعضهم، ولحزب واحد من البعض؟ قد تعيش الحكومة عشر سنوات مقبلة بدون بضعة نواب سنة انسحبوا، وبدون النواب الصدريين، وحتى بلا نواب حزب الفضيلة، لكن ما هي قيمة حكومة هزيلة لا تمثل الا حزبا واحدا وفريقا صغيرا من شعبها؟ لقد اثبتت السنتين الماضيتين ان الاجماع السياسي هو أهم من كل مكونات الدولة الاخرى، بما فيها الجيش والأمن والاستخبارات، واهم من القوات المتعددة بما فيها الاميركية. وقد تسبب فقدان الاجماع السياسي في تخريب مشروع الدولة، وإن بدت الدولة واقفة لكنها في الحقيقة تترنح كل هذه الفترة الطويلة. الاجماع العراقي تمثل في أبهى صوره بعد الفوز التاريخي للمنتخب العراقي، وجاء عن سبق اصرار من قبل اللاعبين الذين قالوا انهم سافروا الى هناك وفي رأسهم رغبة ملحة في ان يفوزوا من اجل العراق. ومهما بدا هذا الكلام شعرا، فان الصورة كانت واضحة للجميع، لا قيمة للعراق مفككا ومتقاتلا. والسؤال الذي يحيرنا جميعا لماذا يعجز الكابتن نوري المالكي، رئيس الوزراء، عن تقديم حكومة تمثل كل العراقيين؟ لماذا ينجح العراقيون في جاكارتا ويفشلون في بغداد؟ هنا يصبح القائد مسؤولا عن النجاح والفشل، وحتى الآن لم نر مخرجا للأزمة السياسية العراقية داخل المنطقة الخضراء الصغيرة. لا نلوم المالكي على العجز الأمني او استمرار الارهاب فهذه مسؤولية الجميع لا الحكومة وحدها. اللوم يقع عليه شخصيا بسبب عجزه عن تحقيق الاجماع العراقي المأمول الذي يجعل حكومته حكومة كل العراقيين لا حكومة حزب الدعوة. ومهما كانت الخلافات الداخلية فإن امكانية اصلاح العلاقة مهما كانت مجروحة ربما اسهل اليوم من الغد. أمام المالكي مثل المنتخب العراقي وصورة الاجماع العراقي حوله، وهو الشخص الوحيد الذي يستطيع ان يفعلها ان اراد خارج الحزبية والطائفية، التي يريد البعض ان يدفعه باتجاهها، اليوم المالكي هو الذي يتحمل المسؤولية التاريخية. عن صحيفة الشرق الاوسط 6/8/2007