هدد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بالدعوة لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة وحل البرلمان قبل انتهاء دورته الحالية عام 2014 في حال رفض الأحزاب السياسية التفاوض من أجل إنهاء الأزمة السياسية في البلاد، وقال البيان الصادر عن مكتبه " إن الأحزاب الأخري إذا رفضت الجلوس علي مائدة المفاوضات وأصرت علي خلق أزمة بعد أزمة فإن رئيس الوزراء سيجد نفسه مضطرا للدعوة لانتخابات مبكرة". وقال المالكي إن البرلمان بحاجة إلي إصلاحات عاجلة، واتهم رئيس مجلس النواب والقيادي بالقائمة العراقية أسامة النجيفي بإدارة البرلمان لصالحه وصالح قائمته. أزمة سحب الثقة ويواجه المالكي منذ فترة أزمة سياسية علي خلفية محاولة بعض القوي السياسية سحب الثقة من حكومته، كما يواجه منذ ديسمبر الماضي صراعا سياسيا بعد أن اتهمت حكومته نائب الرئيس العراقي، طارق الهاشمي، بتهم تتعلق بالإرهاب. يذكر أن طارق الهاشمي هو عضو بالقائمة العراقية وتضمنت الاتهامات الموجهة إليه تهما بإدارة وتمويل فرق للموت، وهي اتهامات ترفضها القائمة العراقية وتعتبرها اتهامات سياسية للنيل من القائمة. كما تفاقمت شدة الخلافات بين المالكي وبين القائمة العراقية إثر انضمام الزعيم الكردي مسعود البارزاني لها بسبب الخلافات القائمة بين حكومة الإقليم الكردي وحكومة المالكي حول قانون النفط والغاز. ويتمثل الجانب الأكبر من الصراع السياسي الذي يواجهه المالكي في الاتهامات الموجهة له من الكتل السياسية بالمحاصصة والانفراد باتخاذ القرارات وتهميش الكتل السياسية الأخري وسوء إدارة الملف الأمني. وتصاعدت حدة الأزمة السياسية في العراق عند مطالبة ثلاث كتل سياسية رئيسية هي القائمة العراقية والتيار الصدري والتحالف الكردستاني بسحب الثقة من نوري المالكي. وقوبل هذا الطلب بالرفض من رئيس الجمهورية جلال الطالباني بسبب عدم توفر العدد المطلوب من توقيعات النواب المطالبين بسحب الثقة، أي 163 صوتاً، وهو ما يعادل نصف أعضاء البرلمان زائد واحد. وكان نواب من ائتلاف دولة القانون قد قدموا طلباً لهيئة رئاسة مجلس النواب العراقي لاستجواب رئيس البرلمان أسامة النجيفي وتوضيح عدد من الخروقات التي اتهموه بارتكابها أثناء فترة رئاسته للمجلس. بدورهم، أعلن معارضو المالكي عن إصرارهم علي سحب الثقة من المالكي ومن بينهم رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني وزعيم الكتلة العراقية إياد علاوي ورئيس البرلمان أسامة النجيفي وممثلون عن الزعيم الشيعي مقتدي الصدر. وقال النائب عن التيار الصدري جواد الحسناوي إن طلب سحب الثقة عن المالكي يحظي بإجماع الكتل السياسية، وأضاف "هذا المشروع سنمضي فيه إلي البرلمان، رغم محاولات المالكي تفادي هذا الطلب من خلال الطعن والتشكيك وتوجيه الاتهامات". وقال القيادي في ائتلاف العراقية صالح المطلك إن سحب الثقة هو سعي من أجل إنهاء حقبة من الديكتاتورية، وطالب القوي السياسية ب"ضرورة تحمل المسئولية الأخلاقية والدستورية، والوقوف صفاً واحداً من أجل سحب الثقة عن المالكي، وإنهاء الكتاتورية المتنامية في العراق". غير أن النائب عن دولة القانون عدنان السراج أشار إلي أن الحديث عن سحب الثقة هو تعطيل للمصلحة الوطنية، وحذر من أن عملية تغيير رئيس الوزراء ستزيد من الأزمات التي تمر بها البلاد. الصدر يطالب بتدخل أممي ومن جهته وعد الزعيم الشيعي الصدر الكتل السياسية بتأمين الأصوات المطلوبة داخل مجلس النواب لسحب الثقة من المالكي، واستبعد حدوث فوضي في البلاد إذا تم سحب الثقة من حكومة المالكي. من جانبه، أكد النائب في القائمة العراقية أحمد المساري إن قائمته مصرة أيضاً علي سحب الثقة من المالكي. كما طالب زعيم التيار الصدري مقتدي الصدرالأمم المتحدة بالتدخل لمعالجة الأزمة السياسية في العراق، وبعث رسالة إلي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يطالبه بالتدخل لحل الأزمة الراهنة وخصوصا في مجال "انعدام الشراكة والتفرد بإدارة الدولة والتعدي علي الحريات وإجراءات المعتقلات". واتهم الصدر في رسالته حكومة المالكي بانتهاج نهج غير ديمقراطي وبالتدخل في مؤسسات الدولة العراقية. وقوبل تهديد المالكي بحل البرلمان باستخفاف من القوي السياسية التي اعتبرته مجرد محاولة لعقد صفقات جديدة و إعادة الثقة. ووصف ضياء الأسدي، أمين عام كتلة الأحرار التي يقودها مقتدي الصدر، الموقف بأنه فشل حكومة المالكي في إيجاد التوافقات السياسية الكفيلة بتأمين حوار وطني فعال. ودعا المتحدث باسم القائمة العراقية، حيدر الملا، المالكي إلي احترام الدستور واعتماد الديمقراطية. وقال مستشار القائمة العراقية هاني عاشور في بيان "إن دعوات الإصلاح إذا ما انطلقت من وجهة نظر طرف واحد من دون أن تمس مطالب الشعب وتتبناها ستكون أشبه بصفقات ومحاولات مؤقتة للخروج من الأزمة، كما أنها لن تكون أكثر من مضيعة للوقت ولن تغير شيئاً في طريق تطوير بناء الدولة". ورفضت جميع أطراف التحالف الوطني التي تضم ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي فيما عدا التيار الصدري سحب الثقة عن الحكومة وفضلت تبني الدعوة للحوار التي بادر بها الرئيس العراقي جلال الطالباني. وقال طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي الذي يحاكم غيابياً إن العراق بحاجة للتغيير والإصلاح وأكد أن "الفشل في الإصلاحات بالعراق ناتج عن عدم حكم الشعب لنفسه. لا شيء حصل في البلاد بعد حركة التغيير في 2003". تدهور الوضع الأمني وانعكست الأزمة السياسية في العراق سلبياً علي الوضع الأمني حيث قتل 11 شخصاً وجرح العشرات في هجمات متفرقة ببغداد، كما قتل ثمانية أشخاص وأصيب 21 شخصاً عقب انفجار عبوتين ناسفتين في منطقة المدائن جنوب بغداد. وأشارت مصادر أمنية إلي مقتل نحو 187 شخصاً في الفترة الأخيرة في هجمات متفرقة. واستهدفت عمليات تفجيرية زوار الروضة الكاظمية وأفراد الأجهزة الأمنية، مما أدي إلي مقتل نحو سبعين شخصاً وإصابة العشرات. واستنكر الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي أعمال العنف والتفجيرات وطالب القوي السياسية للتصدي لهذه الجرائم التي تستهدف الشعب العراقي. واتهم المتحدث باسم القائمة العراقية حيدر الملا رئيس الوزراء بالتسبب في تدهور الأوضاع الأمنية في العراق بسبب فشل الأجهزة الأمنية في ضبط الأمن. كما اتهم الملا تنظيم القاعدة بتنفيذ هذه الهجمات، وأشار إلي أن هناك من يستغل الأزمة السياسية وضعف أداء الأجهزة الأمنية لإثارة فتنة طائفية وقومية في العراق. ونظراً لتفاقم الأزمة السياسية في العراق، وجه الرئيس العراقي جلال الطالباني كلمة إلي الشعب حذر فيها من أن تؤدي الخلافات إلي تعطيل البلاد وزيادة الاحتقان الشعبي في بلد لا يزال يعاني الانقسامات الطائفية والعقائدية والقبلية والعرقية. ودعا الرئيس العراقي كل الكتل السياسية للحوار والقبول بحلول وسط لحل الأزمة. فشل الحوار وكانت محاولات متعددة للحوار قد فشلت بسبب تأزم العلاقة بين كتلة المالكي وبين الكتل السياسية المعارضة له. و تبادل الطرفان الاتهامات بالتعسف. ورفضت كتلة المالكي طلب المعارضة بعدم ترشحه لفترة ولاية ثالثة ووصفته بأنه مطلب غير دستوري حيث إن الدستور العراقي يحدد فقط مدة الولاية الرئاسية بفترتين علي الأكثر و لا يحدد مدة لرئاسة الحكومة. ورفضت كتلة المالكي أيضاً طلب البعض بالتقدم بتعديل الدستور لتحديد فترة رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان بحد أقصي ولايتين. وعقدت عدة جولات للحوار منها الاجتماع الذي تم في مدينة النجف في التاسع عشر من مايو الماضي في منزل الزعيم مقتدي الصدر. ومنها أيضا جولة المشاورات التي عقدت في مدينة أربيل بين قادة الكتل السياسية، وشارك في هذه المفاوضات كل من رئيس القائمة العراقية إياد علاوي، وصالح المطلك نائب رئيس الوزراء ورئيس الجبهة العراقية للحوار الوطني، ورئيس مجلس النواب أسامة النجيفي. وحدد المجتمعون في مدينة النجف مهلة انتهت في الخامس والعشرين من مايو الماضي ليقوم التحالف الوطني الذي يرأسه إبراهيم الجعفري بإيجاد بديل عن رئيس الوزراء نوري المالكي وترشيح شخصية أخري من بين أعضائه لتولي منصب رئاسة الوزراء. كما تقدّم المجتمعون برسالة ثانية إلي رئيس الجمهورية جلال الطالباني تطالبه بسحب الثقة من المالكي. الأزمة السياسية الراهنة في العراق هي امتداد للحرب المشتعلة بين حزب الدعوة والكتلة العراقية منذ إجراء الانتخابات البرلمانية الأخيرة وأزمة تشكيل الحكومة التي تلتها. تلك الأزمة التي انفرجت مؤقتاً بفضل مبادرة مسعود البارزاني الذي نجح وقتها في عقد اتفاق أربيل الذي وقع في نوفمبر 2010، وتم بموجبه تقسيم مناصب رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، وتأسيس مجلس السياسات الاستراتيجية العليا. اليوم يبدو أن الدائرة تدور مرة أخري ضد سياسات المالكي بحيث أصبح السيناريو الأقرب هو توقع قرب الإطاحة بحكومته. لكن سيظل السؤال هو: هل ستستطيع الكتل السياسية المعارضة للمالكي إدارة عراق ما بعد الانسحاب الأمريكي بنجاح وتوافق وطني طال الطموح إليه؟