منذ الانسحاب الأمريكى من العراق فى ديسمبر الماضى والصراع يحتدم بين أطراف ما يسمى « العملية السياسية» حتى انتهى إلى المطالبة بسحب الثقة من نورى المالكى رئيس الوزراء وقد وجهت الأطراف المشاركة فى تلك العملية السياسية لبعضها البعض كل الاتهامات الممكنة بدءا من سرقة المال العام، مروراً بالديكتاتورية، وانتهاء بالخيانة العظمى. ومنذ برزت على السطح قضية طارق الهاشمى نائب الرئيس السابق والقيادى فى «الكتلة العراقية» واتهامه بقضايا إرهاب جعلت القضاء العراقى يصدر أمراً بالقبض عليه، والأزمة السياسية فى العراق تتصاعد، حتى توحدت أطراف متعددة ومتناقضة من وسط العملية السياسية، لتشكل جبهة قوية لمواجهة نورى المالكى الذى تتهمه أطراف هذه الجبهة بخرق الدستور وإقصاء شركائه السياسيين وحصر كل أمور الدولة فى يده، حتى وصل الأمر إلى التهديد الحقيقى بسحب الثقة من حكومته. وقد بدأ العداء بين « الكتلة العراقية» ونورى المالكى يزداد بعد قضية الهاشمى وكذلك قضية صالح المطلك نائب رئيس الوزراء الذى منعه المالكى من حضور جلسات مجلس الوزراء، بسبب تهجمه عليه ووصفه ب «الديكتاتور» لكن «العراقية» لم تكن قادرة على فعل شىء يهدد المالكى. لكن ما أن بدأ مسعود البرزانى رئيس إقليم كردستان يشن هجوماً على المالكى نتيجة قيام الأخير بالإيعاز إلى نائبه لشئون الطاقة حسين الشهر ستانى بكشف عمليات تهريب النفط من كردستان، حتى حولت «العراقية» اجتماعاتها من بغداد إلى أربيل وبدأت العراقية فى التنسيق مع القيادات الكردية وخصوصاً بعد أن بدأ البرزانى يؤكد فى تصريحاته أن لا عودة للتفاوض مع المالكى. كما استمالت «العراقية» اجتماعاتها من بغداد إلى أربيل وبدأت «العراقية» إلى جانبها زعيم التيار الصدرى مقتدى الصدر، وهى تعتقد أنها بهذا التحالف الجديد تستطيع أن تسحب الثقة من الحكومة بسهولة. لأن باستطاعتها جمع16 صوتاً داخل البرلمان البالغ مجموع مقاعده «325» مقعداً. لكنها بدلاً من أن تذهب إلى البرلمان لسحب الثقة، عقدت اجتماعين فى أربيل وآخر فى النجف.لكن اجتماع أربيل والنجف كشفا للمالكى أن الساعين لسحب الثقة من الحكومة لا يستطيعون حشد الأصوات المطلوبة داخل البرلمان، والسبب فى ذلك تغيب البرزانى وإياد علاوى عن اجتماع النجف،نقطة أخرى صبت فى صالح المالكى هى نجاح العراق فى استضافة القمة العربية فى مارس الماضى، واستضافة بغداد لاجتماع «5 + 1» الخاص بمناقشة الملف النووى الإيرانى، مما أسهم فى تدعيم مكانة المالكى دولياً. المالكى يتفهم طبيعة المشهد السياسى العراقى جيداً، ومدى تركيبته الصعبة التى لايمكن تغييرها بسهولة ومن هنا تأتى ثقة المالكى بأنه يستطيع الاستمرار فى منصبه رغم حدة الإتهامات التى توجه إليه، شفرة الواقع السياسى العراقى عبارة عن معادلة صعبة أطرافها أكثر من كتلة شيعية وسنية وأحزاب كردية، ومحافظات تريد الاستقلال، وعشائر وقبائل، وكلنا نذكر الصعوبات التى واجهت تشكيل الحكومة العراقية، والوقت الطويل الذى استغرقه تشكيل الحكومة، ولذلك تفكر كل الأطراف بعمق قبل اتخاذها خطوات سحب الثقة من المالكى، لأن بديل المالكى غير معروف، والمعادلة التى تحكم المشهد السياسى العراقى فى غاية التعقيد، فالضغط على المالكى والحصول على تنازلات منه أفضل بكثير لجميع الأطراف السياسية من سحب الثقة، ولكن حتى الآن فكل الخيارات مفتوحة وقائمة، لكن أفضلها بالنسبة للعراق هو عقد اجتماع وطنى برعاية الرئيس جلال طالبانى والخروج بمقررات جديدة تضع نهاية للأزمة السياسية فى العراق. ورغم إجماع مختلف القوى السياسية على إقالة المالكى فإن رفض رئيس الجمهورية جلال طالبانى التصويت لصالح القرار جاء صادماً لمختلف الأطراف. وترددت أنباء عن تعرض طالبانى لضغوط إيرانية بلغت حد التهديد بتنفيذ اعتداءات ضد إقليم كردستان أجبرته على اتخاذ موقفه، ومعروف علاقة طالبانى الوثيقة بإيران وهو ما دفعه إلى الرضوخ للضغوط الإيرانية للإبقاء على المالكى حليف إيران القوى فى العراق. وتؤكد المصادر من داخل حزب طالبانى أن الأخير يحاول مسك العصا من الوسط فى هذه الأزمة حفاظاً علىدوره كحكم لا كخصم على أمل اقتناع الجميع بعقد المؤتمر الوطنى. وكانت القوى السياسية المعارضة لبقاء المالكى اتهمت الرئيس طالبانى بأنه تراجع عن تعهداته بتوقيع قرار إقالة المالكى حال اكتمال العدد المطلوب من النواب المؤيدين للقرار وهو 164 صوتاً. وكان طالبانى قد أشار إلى أن سحب 13 نائباً تواقيعهم فى اللحظة الأخيرة هو ما خفض التوقيعات عن النصاب المطلوب وأكدت القوى السياسية أن رفض طالبانى تقديم طلب سحب الثقة لا يعنى نهاية المطاف، وأنها ستتجه إلى طريقة دستورية أخرى لسحب الثقة وهى الاستجواب البرلمانى. وأمام هذا الهجوم لجأ ائتلاف المالكى إلى التلويح بملفات فساد وإرهاب ضد شخصيات سياسية من خصومه.. وهدد بأن الاستجواب البرلمانى قد يؤدى لفتح هذه الملفات.وقد ردت بعض القوى السياسية على تهديدات المالكى بأنه إذا كان لدى رئيس الوزراء ملفات فساد ضد أى حزب أو شخصية ولم يعلنها من قبل، فهذا يعنى أنه يتستر على الفساد والفاسدين وهذه إدانة له ومازال السجال دائراً ومحاولات القوى السياسية سحب الثقة من المالكى ولكن حتى هذه اللحظة فمازال المالكى هو الرجل القوى فى العراق ولاشك أن رحيله سيزيد من حالة عدم الاستقرار السياسى التى يعانى منها العراق والتى قد تقوده إلى مسارات أكثر تعقيداً وخطورة.