أنا على دين محمد أقول ما يقول .. جملة مفيدة وفي غاية الروعة والجمال والإتقان والإيمان ، قالها دات يوم الصحابي الجليل ، أسد الإسلام وشهيد غزوة احد (( حمزة بن عبد المطلب )) عم رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى اله وصحبه أجمعين وسلم ، حينما دخل مكة على صهوة جواده ، راجعا من احد جولاته بصحراء الجزيرة العربية الشاسعة صائدا متنزها وباحثا عن الحقيقة ، فوجد أبى جهل وشرذمته يسمون الرسول الكريم ومن تبعه حينها على دين الحق من أهل مكة سوء العذاب والهوان ، حتى تلك اللحظة الرهيبة وبعدها بسنين لم يكن تمت هناك من نهج للمؤمنين المسلمين غير نهج رسول الله محمد يتبعونه ، ويلتزمون به، فلا فرق ولا طرق ولا طوائف ولا مذاهب ولا أحزاب ولا دروب ولا أفكار ولا معتقدات ولا عقائد ، غير نهجا واحدا ، وعقيدة واحدة ،النهج المحمدي والعقيدة الإسلامية السمحاء ، شريعتها القران الكريم الذي انزله الله على نبيه بلسان عربيا مبين ، غير ذي عوج ، يستحيل على الإنس والجن أن يأتوا ولوا بأية من مثله ولو اجتمعوا على ذلك جميعا ، محفوظا من التزييف والتحريف والزيادة والنقصان بأمر الله ، القائل في محكم كتابه العزيز(( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) صدق الله العظيم .. وسنة نبيه الكريم ..
وأما اليوم وبعد مضي أربعة عشر قرن من الزمن تفصلنا عن اللحظة التي اخبرنا فيها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بما قد أوحي إليه بأنه (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) وقوله عليه الصلاة والسلام (( لقد تركت فيكم ما أن تمسكتم به فلن تظلوا بعدي أبدا.. كتاب الله وسنة نبيه ))، فان المسلم البسيط قليل الدراية والحيلة يقف اليوم تائها حائرا في أمره وأمر دينه ودنياه أمام كل هذه التراكمات والمتاهات التي كانت نتاج طبيعي للفوضى العارمة التي اجتاحت الأمة الإسلامية والعربية من أفكارا ومعتقدات ما انزل الله بها من سلطان ، بسبب الصراعات والتطاحنات على الإمارة والخلافة وحب التسلط والهيمنة والاستحواذ ، ودخول بعض العجم للإسلام قسرا متسترين به عما يجول ويصول في نفوسهم من أحقاد وعداء للعرب وللإسلام والمسلمين، وكذلك بسبب اختلاف الثقافات والألسن واللغات واللهجات والعادات والتقاليد بين من دخلوا للإسلام من باقي الأمم الأخرى اثر الفتوحات الإسلامية التي جعلت من الأمة الإسلامية إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس بالفعل ،
تمتد من حدود الصين شرقا إلى حدود فرنسا غربا ، وبانتقال الإسلام فتحا بالسيف تارة ، وبالتبشير تارة أخرى إلى أواسط أوروبا شمالا ، والى أدغال أفريقيا جنوبا عن طريق القوافل التجارية ورحلات الحجيج ، وبطبيعة الحال وتغير الأحوال وتعاقب الأزمنة ، ظهرت على الساحة الدنيوية أمور عدة وجماعات شتى ، ومناهج وطرق وفرق ودروب ومسالك ، كل منها يدعي الصدق والمصداقية والأحقية والأفضلية ، وانه من أهل الحق والجنة ، وغيره ولو كان من بين أهله وذويه فانه من الفرق الضالة ، فكل من له اليوم معتقد في شخص يتبعه ويعتقد فيه ، يسمي منهجه وطريقته باسمه ، فيقول أنا مسلم على الطريقة الفلانية أو على نهج فلان ،أو النهج الفلاني ، أو ذاك الحزب الإسلامي ، أو التنظيم العلاني ، وهذا يتشيع لذاك وذلك يتشيع لغيره ، وهذا يكفر ، وهذا يلعن ، وهذا متطرف والأخر معتدل ، وكل بما لديه فرح ، ناسيين أو متناسيين بان الدين عند الله الإسلام ، وان القران واحد ، وان الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء والمرسلين ، لا نبي بعده ، ولا رسول ، وليس له من ولي عهد ، ولو حق له ذلك ، لكان له من الأبناء الذكور ما يسد عين الشمس ، ولكن لحكمة لا يعلمها إلا الله في حينها ، وتسنا لنا اليوم وبفضل الله عز وجل أن نعلمها ، وندرك سرها ، بان لا يكون للرسول الكريم من أبناء ذكور من صلبه ولا حتى بالتبني ،
وقصة تبنيه ( لزيد ) معروفة للجميع، فلقد أمره الله سبحانه وتعالى أن يدع أمر( زيد) لسبيله ولأهله ، بل ولم يكن له إخوة أيضا، كي لا يتفرق شمل الأمة بين هذا وذاك ، ويحدث مالا يحمد عقباه ، بتنازع ورثته على خلافة المسلمين ، وربما على حق النبوة نفسها بعد ذلك ، لهذا كان الرسول الكريم واحد وحيد موحدا للواحد الأحد الصمد ، وحتى من يتقولون اليوم زورا وبهتانا بأنهم من أهل البيت ، وهم ليس لهم في البيت من حق ، أكثر مما لغيرهم من المؤمنين المسلمين الأتقياء فيه، فهناك فرق وبون شاسعا جدا بين أن تكون من سلالة آل البيت عليهم سلام الله ورضوانه ، وبين أن تكون متشيعا لأحدهم ، ليس من باب الورع والتقوى وحب الله ورسوله وأل بيته ، إنما بدافع ديوسياسي محض ، ولرغبة في نفس يعقوب ، و لكي تثبت أن لفلان من الصحابة حق الولاية قبل غيره ، وهو أمر لو أرد الله أن يفصل فيه في حينه ، لكان أمر ذلك عليه هين ، إنما يقول من يقول هذا من باب الفتنة ليس إلا ، ولكي يسود من خلال تعصبه لرائه هذا على غيره من المسلمين ، ويجمع من حوله أتباع ومناصرين ومليشيات ، لا لكي يدافع بهم عن الأمة، ويتصدى لأعدائها ، ويعلي بهم كلمة الله وينصره ، وإنما لكي يسفك بأيديهم دماء المسلمين الآخرين المخالفين له في الرأي والنهج ، ولو كانوا على حق ،
نعم هكذا هو حال الأمة الإسلامية اليوم ، فرقة وتشرذم وخلافات وتمزق وصراعات وتتطاحن ، وجحودا وجمودا وركودا وخوفا دائم مستمر ، ليس من الخالق الباري ، ولكن إن لم يكن من الأعداء المتربصين بالأمة من كل جانب والمحتلين المغتصبين لبعض أجزائها ، فهو الخوف من الفتنة ، التي هي اشد وطأة وفتكا ، ربما لا يكاد يجمعهم اليوم ، سوى نطق الشهادتين والاتجاه بالصلاة للقبلة ، أما فيما عدا ذلك ، من سيرة وفقه وعبادات ومعاملات وحقوق وواجبات، فعن الخلافات بينهم فيها حدث ولا حرج ، ناهيك عن إهمالهم وتجاهلهم للجوانب الايجابية والأحداث المشعة المضيئة للعصر الذهبي للأمة الإسلامية ، وعن السيرة العطرة للرسول الكريم وللصحابة والتابعين والفاتحين ، وعن المواقف المشرفة والفتوحات العظيمة والمعارك والغزوات الخالدة ، كاليرموك وبدر وحطين وموته وذات الصواري وتبوك ،
وعن التقدم الاجتماعي والأدبي والفكري والعلمي الذي وصلت له الأمة الإسلامية بفضل تمسكها بالنهج الإسلامي القويم ، في زمن كان العالم فيه بأسره يتخبط في بحر الظلم والظلام والظلمات ، فلقد نسوا كل ذلك العز والمجد ، لأنهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، فهم اليوم لا حديث لهم إلا عن جوانب الفرقة ومواطن الخلاف بينهم ، وكل منهم يدعي بأنه من الفرقة الناجية ، وغيره في ظلال مبين ، يتبادلون الشتائم ، ويكفرون بعضهم البعض ، ويستذكرون الفتن والحروب التي وقعت بين أسلاف المسلمين حول الخلافة والإمامة ، ويندبون ويلطمون على مقتل فلان ، ويتباكون وينوحون على عدم مناصرة الحاضرين من المسلمين بداك الوقت لفلان ، متوعدين بالانتقام في عشرينيات وأربعينيات وسنويات ابتدعوها لأناس قضوا مند زمن بعيد ، لا تربطهم بهم صلة إلا الإسلام ،
واختفت بذلك مظاهر الوحدة بينهم حتى في العقيدة ذاتها، إذ أن منهم من يتهم غيره بإخفاء أجزاء من القران الكريم ، بالوقت الذي يؤمن فيه بان الله حافظا له من كل سوء ، ويصر على أن مكانة الإمام علي كرم الله وجه ورضي عنه وأرضاه للرسول الكريم محمد ، بمثابة النبي هارون للنبي موسى ، ومنهم من يقول على أن كلمة خاتم الأنبياء ليس المقصود منها أخرهم وإنما ، خاتمهم ، بإشارة للخاتم الذي يوضع بإصبع الرجال للزينة ، مما يجعل أمر نبوة غيره واردة , وظهور المهدي المنتظر بكراماته ، ومعجزاته التي ما منحت مثلها لخير الخلق أجمعين حبيب الله ورسله المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام ، وهلم جر من الخزعبلات والأكاذيب والاعتقادات الزائفة التي مزقت الأمة شر ممزق ، وجعلتها لقمة سائغة وفريسة سهلة لكل الطامعين ، فلهذه الأسباب وبناء على ما سلف ذكره وبيانه ، فأنني وبكل صدق وأيمان وعقلانية ، أعلن بأنني أنا أيضا يشرفني ويسعدني أن أكون على دين الرسول الكريم محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام ، أقول ما يقول ، ملتزما إنشاء الله تعالى بشرط الإيمان المطلق (( بالله ورسله وكتبه وملائكته وبالغيب وباليوم الأخر وبقدره خيره وشره )) وليس مطلوبا مني الإيمان بأكثر من ذلك ، جاهدا بكل ما أتاني الله من قوة واستطاعة أن أكون متشبثا بالعروة الوتقى التي لا انفصام لها ، ولا علاقة لي البتة ، بالصراعات القديمة المتجددة على الإمامة والخلافة ،
ولا شأن لي مطلقا بمن له الأفضلية من الصحابة على غيره في الخلافة أو الإمامة أو المكانة ، فكلهم في مقياسي سواء ، فهم السلف الصالح ، أكن لهم كل الحب والاحترام والتقدير ، وانهل بنهم مما قد وصلني صافيا من علمهم وحكمتهم ، واتعظ بسيرهم العطرة ، واعتز وافخر بمواقفهم وبطولاتهم المشرفة دون أي تمييز أو تحيز أو تشيع ، كما أنني لا ارتبط بأي من الطرق والدروب والمسالك والتنظيمات والأحزاب والفرق والطوائف والمذاهب وكافة المسميات الأخرى والتي تتخذ من الإسلام شعارا لها ، بأي نوع من أنواع الارتباط ، سوى بالتوحيد ونطق الشهادتين والتوجه للقبلة عند الصلاة ، وما قد أخذوه واتفقوا عليه من صحيح سنن الرسول الكريم ولم يختلفوا حوله ، أما في خلاف ذلك ، فها أنا اكرر مرة أخرى ، أنا على دين الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ،أقول ما يقول .. ومن المؤمنين بربه وبه وبقرانه والمصدقين كل التصديق بأنه خاتم الأنبياء والمرسلين لا نبي ولا رسول بعده ، ومن أتباعه ومناصريه ومن المتشيعين له وحده ولدينه ومن الطامعين بشفاعته يوم القيامة ..