مرحلة جديدة من الضغط الدولي على السودان نصوح المجالي يواجه السودان مرحلة جديدة من الضغوط الدولية تستهدف هذه المرة تجريم النظام السياسي السوداني ممثلا برئيسه، والتشكيك في شرعيته، الامر الذي يقوي ويُدَعّم القوى الانفصالية المنشقة عليه، سواء في الجنوب او في دارفور، ويقوي خصومه السياسيين. فالضغوط على السودان من الدول الغربية تحديداً لم تنقطع منذ وصول الرئيس البشير الى السلطة، وتثوير جنوب السودان ودعم المنشقين فيه بالمال والسلاح والدعم السياسي كان جزءاً من لعبة تقسيم السودان وتقاسمه، واضعاف دولته ومنعه من التوحد والتماسك. وعندما عَبَرَ السودان ازمة الثورة في الجنوب باتفاق سلام يرضي الطرفين، ويؤسس لعلاقة تكاملية في المستقبل أُسقط في يد القوى التي تستهدف السودان، ومباشرة تم تفجير الاوضاع في اقليم دارفور، وتحويل قضية دارفور التي تختلط فيها القضايا العرقية، والمصالح الدولية الاقتصادية الى قضية رأي عام دولية، للتشهير بالسودان والنظام السوداني. كان تدويل قضايا السودان سواء قضية الجنوب او دارفور، هدفا اساسياً للولايات المتحدة ودول الغرب الامر الذي تبنته الاممالمتحدة، وقاومه النظام السوداني وناور طويلا لتعطيل أي اجراء يؤدي الى تدويل القضايا السودانية الداخلية، وعندما اشتدت الضغوط على الرئيس البشير لقبول قوة دولية في دارفور اصر ان تكون القوة بدعم لوجستي دولي، وقوات افريقية الامر الذي فوت فرصة التدخل الدولي المباشر والوصاية الدولية على دارفور. وذهب الرئيس البشير بعيدا بالتفاوض مع القوى المنشقة في دارفور والتي يتم تسليحها وتوجيهها من قوى خارجية تشجع الانفصال في دارفور ووقع اتفاقية ابوجا للسلام مع اكبر الفصائل الانفصالية في دارفور وبرعاية اميركية الا ان القوى الانفصالية الاخرى رفضت الاتفاقية وبدل ان تدعم الولاياتالمتحدةوالاممالمتحدة والدول الغربية السودان الذي قبل اتفاق ابوجا للسلام تم التوجه لتدعيم القوى الانفصالية لان مرونة النظام السوداني اعجزت دول الغرب واعاقت خطط الطامعين في اختراق السودان وتدويل قضاياه. ثم تعرضت العاصمة السودانية مؤخرا الى هجوم للمتمردين مدعوم من الخارج، لكنها استطاعت ان تهزم القوة المتمردة، وجر ذلك مزيداً من النقد للسودان. غير ان ما يجري على الارض في دارفور هو نقطة الضعف الحقيقية، فسكان اقليم دارفور سوادهم الاعظم من المسلمين، وهم موزعون بين زنج وعرب، وليس في الاسلام فضل لعربي على زنجي او اعجمي، فالاسلام لا يميز بين الاعراق ولا بين الناس الا بالايمان والتقوى. واضح من سياق الاحداث ان حكومة السودان قد تكون ساندت الجنجاويد حتى تبقى مصادر الثروة، من ارض ومياه في ايدي القبائل العربية، مما ادى الى حرب داخلية ضروس غير متكافئة، نهبت ودمرت فيها مئات القرى، وقتل فيها عشرات الالاف، وهُجّر ملايين البشر من السودانيين، حتى امكن القول ان العدالة كانت غائبة عن اقليم دارفور ووقع انحياز ضد جزء من المواطنين مما ادى الى مأساة انسانية استغلتها الدول الغربية، لاختراق السودان والتدخل في شؤونه الداخلية، وما قرار توجيه الاتهام الى الرئيس السوداني في المحكمة الجنائية الدولية، الا استثمار لاخطاء الحكومة السودانية، وفشلها وتلكؤها في حل قضية دارفور لسنوات طويلة رغم انها في الاساس نزاع بين فئات مسلمة من الشعب السوداني، وقع ظلم فادح على احد اطرافها. صحيح ان الغرب يستهدفنا بالتآمر ويصدر لنا الأزمات، لكن الاخطر اننا نوفر للقوى التي تتآمر علينا جميع الظروف والادوات التي تسهل مهمتهم، ونرتكب من الاخطاء ما يعينهم علينا وعلى بلادنا، حدث ذلك في العراق، ويحدث الآن في دارفور. اننا نحترم قرار الرئيس البشير بعدم تسليم أي سوداني للمحكمة الجنائية، ولكن مثل هذا القرار يصبح له معنى سيادي، عندما يشفع بقرار رئاسي سوداني بعدم السماح لاية جهة بالتجاوز على حياة أي سوداني، او حقوقه من المواطنة والعيش بسلام، وهذا ما لم يحدث في دارفور، فقد وقع تقصير في حماية مواطني دارفور مما اطال امد الازمة، حتى اصبحت مشاعاً لكل راغب في التدخل في شؤون السودان، حتى جاء الوقت الذي استهدفت القوى المعادية للسودان، رأس النظام السوداني، في اشارة واضحة ان العد العكسي لانهاء النظام السوداني ومحاصرته حتى اسقاطه قد بدأ في دوائر الغرب؛ وان ازمة دارفور السودانية، تستغل لازالة نظام السودان واضعافه بعد ان اصبح عقبة في طريق كافة المشاريع الخارجية التي استهدفت السودان. اخطاء السياسة والقادة احياناً، قد تتحول الى ذخائر حية واسلحة فتاكة تستخدمها الخصوم ضد الانظمة الوطنية، وهذا ما نخشاه في حالة السودان، الذي اهمل قضية دارفور طويلاً، وتركها عائمة تتفاعل بدون حل؛ فمهما كان الثمن الذي يقدمه السودان لحل مشكلة دارفور، فسيكون اقل كلفة، من تجزئة السودان او اسقاط كيانه الوطني او فرض الحلول عليه بالقوة. عن صحيفة الرأي الاردنية 17/7/2008