اعد الدراسة 5 باحثون من مركز فجر للدراسات الاستراتيجية هم : دينا شاكر - د شريفة فتحى - حسين معلوم - د محمودمحمود - ناصرة الشربتلى سيكون السودان خلال الشهور المقبلة أمام عدة استحقاقات ستحدد مصير البلد العربي الأكبر من حيث المساحة وسلة الغذاء المهملة ففضلاً عن الانتخابات التشريعية والرئاسية التي ستشهدها البلاد بعد أسابيع وترشح لها 12 منافسًا علي رأسهم الرئيس عمر البشير، فإن الاستحقاق المصيري سيكون في العام 2011، إذ يشهد السودان في أول شهور العام المقبل الاستفتاء حول مصير جنوب البلاد، وهو ما كفله بروتوكول ماشاكوس الموقع في عام 2002 وبغض النظر عن تأكيدات معظم الأطراف والقوي السياسية في البلاد بتأكيدها علي ضرورة الوحدة فإن الانقسام والفدرلة والبلقنة تبقي احتمالات قائمة.. وعن السودان ومصيره تعرض روزاليوسف هذه الدراسة المعنونة بالمستقبل السوداني بين الانتخابات الرئاسية والإشكالية الجنوبية أين الدور العربي؟ تشريع الانفصال الملاحظة الأهم التي تشير إليها الدراسة هي أنه إذا كانت الانتخابات السودانية القادمة بوجه عام، والرئاسية منها علي وجه الخصوص، سوف يتنافس فيها أكثر من أربعة آلاف مرشح يمثلون 66 حزبًا، إضافة إلي 12 شخصًا يتنافسون علي رئاسة الجمهورية.. فإن الانتخابات سوف تتم بناءً علي اتفاق السلام الشامل الذي وقع عام 2005، بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية؛ والذي جاء استنادًا إلي اتفاق مشاكوس الموقع بينهما في 20 يوليو 2002 . ومن هذا المنظور، وحسب الدراسة، فإن نظرة عابرة إلي أي منهما، وخصوصًا اتفاق مشاكوس، لابد أن توضح أنه لم يكن اتفاقًا عاديًا، بل إنه وضع ليشرع حق انفصال الجنوب عن السودان الأم. إذ إنه تفرد بالحديث عن فترة انتقالية مدتها ست سنوات، تسبقها فترة تمهيدية مدتها ستة أشهر. وبالتالي، فهو أعطي الجنوبيين الحق في الانفصال عن طريق الاستفتاء، الأمر الذي يرسخ الانفصال، ويجعل الحديث عنه وكأنه شيء واقع قبل حدوثه. وتشير الدراسة، في هذا السياق إلي طموحات الحركة الشعبية للدولة المنشودة، والتي تتعدي الجنوب الجغرافي للسودان، وإنما تشمل، كذلك الجنوب وجبال الأنقسنا وإبيي في الشرق، وجبال النوبة في الغرب. وتذكر الدراسة ما تعتبره بعض المآخذ علي اتفاق مشاكوس أولها أن المفاوضات الخاصة به أجريت بدعم أمريكي - أوروبي واضح، وتحت رعاية منظمة الإيغاد والأطراف الإقليمية الفاعلة فيها، وعلي رأسها كينيا، وبينما تباينت مواقف القوي السودانية تجاه المفاوضات، خاصة، أن الاتفاق قد اقتصر علي طرفين من أطراف الصراع في السودان، هما: الحكومة السودانية، والحركة الشعبية لتحرير السودان. استبعد القوي الأخري، سواء كانت شمالية: كحزب الأمة، والحزب الاتحادي الديمقراطي، والحزب الشيوعي السوداني، ومؤتمر البجا، وقوات التحالف الديمقراطي.. أو جنوبية: كحركة استقلال جنوب السودان، والاتحاد السوداني للأحزاب الأفريقية، والحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة كاربينوكوا نجينجوجون، وقوي الدفاع الاستوائية، ومجموعة جنوب السودان المستقلة، والتي تجد جميعها، مساندة من قبائل النوير والشلك، في مواجهة قبائل الدينكا المساندة للحركة الشعبية لتحرير السودان (جون قرنق، والآن سيلفاكير). وبالرغم من تباين مواقف تلك القوي، ورأيها في الخطوات اللاحقة، وخلافه، إلا أنها، وباستثناء الحزب الشيوعي السوداني، وحزب المؤتمر الوطني الشعبي بزعامة الترابي، قد رحبت بشكل عام ببروتوكول مشاكوس، حتي ولو أبدت شروطها وتحفظاتها علي بعض النقاط. تداعيات مشاكوس أشارت الدراسة إلي بعض التداعيات التي ستتبع انفصال الجنوب عن الدولة الأم وأهمها إمكانية نقل عدوي الانفصال والتفكك إلي العديد من بلدان المنطقة، في حال انفصال جنوب السودان؛ خاصة، أن هذه المنطقة زاخرة بالتعددية، وتحفل بالنزاعات الأهلية والحدودية، كما تعاني من التنوع الإثني واللغوي والديني بشكل كبير. كما أن انفصال جنوب السودان، لابد أن يحدث تغيرًا في خريطة القوي الفاعلة في منطقة حوض نهر النيل والقرن الأفريقي، كما أنه سوف يحدث، بالتالي، نوع من الخلخلة وعدم التوازن فيما بين العرب والأفارقة في هذه المنطقة؛ خاصة، فيما بين مصر والسودان من جانب، وبلدان المنبع الثمانية الأخري من جانب آخر. الأمر الذي يؤدي إلي تأزم العلاقات العربية - الأفريقية وحذرت الدراسة من استبعاد بعض بلدان الجوار الهامة للسودان، سواء عن الاتفاق أو عن مفاوضات الفترة الانتقالية؛ واقتصار المشاركة علي إريتريا، إثيوبيا، جيبوتي، كينيا، أوغندا من شأنه تغييب خيار الوحدة لصالح خيار الانفصال من جانب القوي الدولية، وعلي رأسها الولاياتالمتحدة؛ خاصة، وأن مصر وليبيا هما دولتا المبادرة المشتركة، التي انطلقت في عام 1999، وكانت تؤكد علي ضرورة وحدة السودان. وبلغت الدراسة تحذيرها إلي حد توقع أن يشكل انفصال جنوب السودان وإقامة دولة مستقلة فيه، إلي مساندة بعض الأطراف الحركة الشعبية لتمكينها من السيطرة علي السودان بالكامل في مرحلة تالية، وطمس هوية البلد العربية - الإسلامية؛ خاصة، أن هذا يتماشي مع التصور الأمريكي للسودان منذ بداية التسعينيات، والذي يتجه إلي اعتبار السودان أحد بلدان القرن الأفريقي الكبير. مصالح النفط الأمريكي توضح الدراسة أن التعامل مع مشكلات القرن الأفريقي تناوب عليه رؤي مختلفة أبرزها رؤيتان.. الأولي: فرنسية.. عبر عنها أوليفيه ستيرن، وزير الدولة الفرنسي للشئون الخارجية السابق، عندما قام منذ ما يقارب ربع قرن من الزمان في عام 1981 بتوجيه الدعوة إلي كل من السعودية واليمن، إضافة إلي بلدان القرن الأفريقي التقليدية، لحضور مؤتمر إقليمي يهدف إلي حل مشكلات المنطقة. والثانية: أمريكية.. عبر عنها المشروع الذي تبنته إدارتا الرئيسين السابقين بيل كلينتون وجورج بوش، وهو ما يطلق عليه مشروع القرن الأفريقي الكبير، الذي يهدف إلي إقامة تجمع في المنطقة، يشمل إلي جانب بلدان القرن الأربعة، كلاً من: أوغندا، الكونغو، رواندا، بوروندي، والسودان، وهو مشروع يتضمن إقامة بنية أساسية وطرق نقل إلي سواحل المحيط الهندي، بواسطة شركات أمريكية لحساب شركات التعدين والنفط الأمريكية.. أيضا. قوس الأزمة تنتقل الدراسة إلي ما أطلقت عليه قوس الأزمة وهو الإقليم الذي يمتد من وسط آسيا إلي أواسط أفريقيا، ويتمدد علي جانبي ما يمكن أن نطلق عليه: وتر غرب آسيا- شرق أفريقيا، أو بالأصح: وتر الخليج العربي- القرن الأفريقي، الذي توليه الاستراتيجيات الكبري وعلي رأسها الاستراتيجية الأمريكية، أهمية فائقة. فالخليج العربي، بما يتضمنه من احتياطي هائل للنفط، فضلا عن كونه من أكثر مناطق العالم إنتاجا له، هو أحد المرتكزين الرئيسيين لهما الوتر، وفي الوقت نفسه، يمثل نقطة مفتاحية: سواء بالنسبة إلي جنوب آسيا وشبه القارة الهندية، أو إلي وسط آسيا ومنطقة بحر قزوين، أو إلي خط التماس بين آسيا وأوروبا. أما القرن الأفريقي وبما يتضمنه أيضا من اكتشافات نفطية مهمة الصومال، وجنوب السودان فهو المرتكز الرئيس الآخر، وفي الوقت نفسه، يمثل نقطة مفتاحية: سواء بالنسبة إلي منطقة البحيرات العظمي وأواسط أفريقيا، أو إلي الشمال الأفريقي وجنوب البحر المتوسط تحديدا، إضافة إلي كونه نقطة مفتاحية رئيسة بالنسبة إلي البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي في آن واحد. وتشير الدراسة إلي المدي الذي يتحكم به، ومن خلاله القرن الأفريقي في واحد من أهم طرق التجارة العالمية، وخاصة تجارة النفط القادم من منطقة الخليج العربية إلي أوروبا والولاياتالمتحدة وهو ما ظهر في أحداث خطف السفن قبالة سواحل الصومال، والأهم القيمة الفعلية التي يمثلها هذا القرن، كواحد من الممرات المهمة، لأي تحركات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولاياتالمتحدة في اتجاه الخليج العربي. الإسلام السياسي وتتطرق الدراسة إلي بروز القوي الإسلامية في كثير من بلدان القرن الأفريقي، ومطالبتها بتطبيق الشريعة الإسلامية (السودان، الصومال، إقليم الأوجادين)، ثم ما تردد حول التلاقي والتنسيق بين تنظيم القاعدة وبعض هذه القوي وهو ما يوحي بأن الاهتمام الأمريكي بمنطقة القرن الأفريقي هو وليد التداعيات الناتجة عن أحداث 11 سبتمبر. فتش عن القوي الكبري تحاول الدراسة الإجابة عن السؤال: هل تقف القوي الكبري وراء أي أزمة فيما يحدث في السودان بصفة عامة وفي إقليم دار فور علي وجه خاص؟! وقالت إنه عقب صدور بيان من الكونجرس الأمريكي، يعتبر أن ما يحدث في إقليم دارفور هو حرب إبادة عرقية طالب أعضاء الكونجرس إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بالتحرك لاستصدار قرار من مجلس الأمن، يفوض الأممالمتحدة استخدام قوة متعددة الجنسيات للتدخل في الإقليم من أجل: المدنيين المشردين وعمل الإغاثة هناك. وأضافت أن مشروع القرار الذي سعت الولاياتالمتحدة إلي استصداره من مجلس الأمن، مدعومة في ذلك من ألمانيا وبريطانيا واستراليا، بحجة أنا ما يجري في دارفور هو: عملية إبادة جماعية، والذي يقضي بفرض عقوبات علي السودان، قد صدر بعد ذلك بأيام قلائل، ومفاده: التهديد بعمل دبلوماسي، أو اقتصادي، ما لم تنزع الحكومة السودانية أسلحة ميليشيات الجنجاويد المتهمة بارتكاب جرائم ضد سكان دارفور، وتقديم أفرادها إلي المحكمة. وساقت الدراسة بعض الدلالات الأخري كالاستعداد الذي أبدته بريطانيا بإرسال خمسة آلاف جندي، وبمشاركة استراليا، إلي دارفور، وذلك قبل تقديم مشروع القرار الأمريكي إلي مجلس الأمن.. وهو ما أكد أن التوجه إلي التدخل العسكري في غرب السودان، هو توجه واضح، وأن تمرير مشروع القرار الأمريكي في مجلس الأمن، لم يكن ليمثل سوي الخطوة الأولي لإنجاز هذا التوجه. استهداف الجنوب وتقول الدراسة إنه بالرغم من أن الحكومة السودانية كانت قد بادرت، بالفعل، إلي إلقاء القبض علي بعض العناصر من ميليشيات الجنجاويد، بل قدمت عدداً من منهم إلي المحاكمة، وصدرت أحكام إدانة ضدهم.. إلا أن المتمردين مدفوعين، في ما يبدو بالتأييد الأمريكي والبريطاني- لم يجدوا في هذا التحرك إجراءً كافياً لمعالجة الأزمة، ومن ثم تم تجاهل التحرك السوداني، واستمرت الولاياتالمتحدة في سعيها إلي استصدار قرار من مجلس الأمن.. إلي أن صدر. وشكل قانون الكونجرس الأمريكي المسمي: قانون سلام السودان علي الحكومة السودانية في مفاوضاتها مع حركة قرنق ولولاه لما تم التوصل إلي جميع الاتفاقات بين الحكومة والحركة: بالشكل الذي انتهي به والذي تعتبره أطراف قريبة من الحزب الحاكم تمتلئ بكم من التنازلات من جانب الحكومة. وتضيف: صحيح أن السودان يعاني مشكلات خاصة بالإثنيات والعرقيات المتعددة، في داخله، التي يصل عددها إلي 572 عرقية، وصحيح أن السودان يوجد به أكثر من 30 حركة تمرد، تسعي جميعها للانفصال وتكوين دويلات مستقلة، أو أن تتمتع بالحكم الذاتي علي أقل تقدير.. إلا أنه يبقي من الصحيح أيضاً، ضرورة التساؤل حول تخصيص الحركة الشعبية وحدها بالتفاوض مع الحكومة السودانية، دون الحركات الموجودة في الجنوب، حتي إن قرنق بعد توقيع اتفاق السلام أصبح نائباًَ للرئيس السوداني، بعد إتمام المرحلة الأخيرة من التسوية، وكذلك الحال فيما يخص حركة تحرير السودان، دون الحركات الموجودة في الغرب. ونلخص إلي أنه النفط أولاً، ثم الموارد المعدنية ثانياً فضلاً عما تتمتع به المنطقة، منطقة القرن الأفريقي، من أهمية جغراستية (جغراستراتيجية)، ثالثاً. يتمتع إقليم دارفور بمميزات تجعل من محاولات التدخل العسكري الغربي فيه أمراً مفهوماً، عن أي دوافع إنسانية.. فهذا الإقليم يتمتع باحتياطي ضخم من الفوسفات يضاهي الصحراء الغربية.. هذا، فضلاً عن اليورانيوم، والكوبالت، كما أن إقليم يلامس في موقعه الجغرافي كلاً من مصر وليبيا وتشاد. وتعود الدراسة إلي تعبير فتش عن القوي الكبري في كل أزمة لكنها تؤكد أنه غير كاف لتأكيد المحاولات الأمريكية، المستميتة لفدرلة السودان أو إعادة هيكلته بما يتناسب مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية وتوضح أنه بعيداً عن نظرية المؤامرة وبعيداً عن الموقف النفسي الناتج عن الممارسات الأمريكية علي طول الأرض العربية وعرضها فإن السؤال الأهم حسب الدراسة هو: ما المصالح الأمريكية هناك، في السودان عامة، وفي جنوبه بشكل خاص (؟!) وتسرع بالإجابة عنه فقرة من تقرير جون سي دانفورث (مبعوث الرئيس الأمريكي إلي السودان) قدمه في 26 أبريل 2002، يقول فيها: إن اكتشاف احتياطي نفطي مهم، بالأخص في الجنوب، وبدء الإنتاج الجدي له في عام 1999، أعاد تكوين شكل الحرب الأهلية في السودان (يملك السودان - والكلام ما يزال لدانفورث - احتياطي نفطي يتجاوز بليون برميل، مع احتمالات وجود احتياطي إضافي يتراوح بين بليون وأربعة بلايين برميل)، ولا يمكن التوصل إلي تسوية دائمة للحرب في السودان، ما لم تتم المعالجة الفعالة للمسألة النفطية. هذا هو أحد أهم النصوص الواردة في تقرير جون سي دانفورث، حول السلام في السودان.. وهو يغني - حسب الدراسة عن أي تعليق حول: المصالح الأمريكية في جنوب السودان. اهتمام افريقي وغياب عربي وتراجع الدراسة مواقف القوي المختلفة حيال الأزمة وتشير إلي أنه في مقابل الدور الكثيف لدول الجوار الإقليمي الأفريقية في الأزمة السودانية، فإن بلدان الجوار العربية، والبلدان العربية بصفة عامة، لم تلعب سوي دور محدود في الصراع الأهلي في السودان. إذ بينما كانت البلدان الأفريقية معنية بشكل خاص بالصراع في جنوب السودان، فإن البلدان العربية كانت معنية بدرجة أكبر بطبيعة الحكم في العاصمة الخرطوم، فكانت تدعم النظام القائم في الخرطوم، أو تضغط عليه بناء علي رؤيتها لمدي ملاءمة السياسات التي يتبعها هذا النظام لمصالح البلدان العربية المعنية، خاصة سياساته في المحيط العربي، وارتباطاته الدولية. بعبارة أخري، بينما كانت بلدان الجوار الأفريقي تتعامل مع قضية جنوب السودان كقضية أفريقية، فإن البلدان العربية كانت تتعامل مع حكومة السودان كأحد أطراف التفاعلات السياسية في العالم العربي والشرق الأوسط، ومع الصراع في جنوب السودان باعتباره إحدي القضايا المؤثرة علي الأوضاع في العالم العربي والشرق الأوسط. وتضيف: في الوقت نفسه فإنه طول فترة نشوب الصراع في السودان، لم يثبت وجود أي علاقة مهمة بين هذا الصراع ومسار ومصير التطورات الرئيسية في الشرق الأوسط والعالم العربي.. فأثر الصراع في جنوب السودان كان هامشياً، إلي حد كبير، علي التطورات الجارية في المنطقة، الأمر الذي لم يحفز البلدان العربية الرئيسية أو مؤسسات النظام العربي علي القيام بأي دور مهم في هذا الصراع. وتتهم الدراسة العالم العربي بالتقصير في المساهمة في حل الصراع السوداني الداخلي، وبالأخص في الجنوب، مرة بسبب الفهم الخاطئ لطبيعة هذا الصراع، ومرة أخري بسبب الأثر المحدود لهذا الصراع علي القضايا ذات الأولوية التي ينشغل بها العالم العربي. اعتبرت أن التوجهات السائدة في العالم العربي والتي اتسمت بالتوجس علي حد قولها من الحركات الإقليمية والإنفصالية باعتبارها جميعاً حركات شعوبية فإن البلدان العربية مالت بشكل غالب لأخذ جانب الحكومة السودانية، وإن كان لم يترتب علي ذلك قيام البلدان العربية بدعم صريح للحكومة السودانية في حربها ضد المتمردين الجنوبين، وهو الموقف الذي يمكن توصيفه بالامتناع عن التدخل في الصراع في السودان. استثنت من هذا الاتجاه العام الغالب، ولو بشكل نسبي، موقف مصر، إضافة إلي ليبيا، باعتبارهما دولتي الجوار العربي المباشر للسودان. أين الجامعة؟ وتطرقت الدراسة إلي موقف جامعة الدول العربية من الصراع في جنوب السودان وقالت إنه اتسم بعدة سمات أهمها تبني وجهة نظر الحكومة السودانية تجاه الصراع في جنوب السودان، والامتناع عن التدخل، أو حتي التعليق علي الأوضاع الداخلية في السودان، وهو الموقف الذي يمكن اعتباره امتداداً للسياسة الثابتة للجامعة العربية، التي تقضي بالامتناع عن التدخل في الشئون الداخلية للدول الأعضاء. حسب الدراسة، لم يتعرض هذا الموقف للتعديل إلا في أعقاب توقيع بروتوكول مشاكوس بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، والذي رأي فيه عدد من البلدان العربية، خاصة مصر، تهديداً لوحدة السودان، الأمر الذي خلق داخل الجامعة رأياً عاماً مستعداً للتدخل في الأزمة السودانية، وهو الأمر الذي استفادت منه الحكومة السودانية، عبر محاولة خلق دعم عربي لها سواء لمساندة موقفها في مفاوضات السلام التي جرت في كينيا، أو لتوفير موارد يمكن استثمارها لتنمية السودان، بحيث يمكن المحافظة علي وحدة البلاد في نهاية السنوات الست الانتقالية التي حددها بروتوكول مشاكوس. لكن الدراسة تعود وتقول: إذا قلنا: إن محدودية دور جامعة الدول العربية، فضلاً عن ضعف التأثير العربي علي مجريات ومسارات الأزمة السودانية، كانا ضمن الأسباب التي ساهمت فيما نراه راهنًا من ملامح لهذه الأزمة. وتنتهي بمطالبة البلدان العربية عامة، وكل من مصر وليبيا علي وجه الخصوص بممارسة دور عربي إيجابي، من أجل إيجاد حل سلمي وشامل في إطار الحفاظ علي وحدة الأراضي السودانية.