«المنظمات الدولية هى التى نقلت أزمة دارفور من كونها نزاعا قبليا على مصادر الماء والعشب، وصدرتها دوليا باعتبارها أزمة دولية وصراعا بين العرب والأفارقة لتحقيق أهداف سياسية ودينية».. هكذا اتفق دبلوماسيون وخبراء فى الشأن الأفريقى والسودانى على وصف الدور الذى لعبته المنظمات الإنسانية والإغاثة الدولية فى تصعيد أزمة دارفور. فقد عملت تلك المنظمات وفق 3 محاور كما يرى خالد حنفى الخبير فى الشأن السودانى والأفريقى. المحور الأول، هو تدويل الأزمة والضغط على الحكومة السودانية، حيث استطاعت المنظمات من خلال تقارير دورية عن حالة حقوق الإنسان فى دارفور أن تثير الرأى العام العالمى ضد الحكومة السودانية، واتهامها بتسليح ميليشيات الجنجاويد العربية ضد القبائل الأفريقية، بينما أنشأت منظمة العفو الدولية مشروع «عين على دارفور»، الذى استهدف إلقاء الضوء على «الجرائم»، التى ترتكب فى دارفور. وفى سياق الضغط على الحكومات الغربية للتدخل فى دارفور، جاء ظهور ما يسمى تحالف «أنقذوا دارفور» وهو أبرز تجمع للمنظمات الدولية الضاغطة من أجل التحرك الدولى لوقف ما تطلق عليه «الإبادة الجماعية فى دارفور»، وهو تحالف مكون من أكثر من 180 منظمة حقوقية ودينية، ويهودية، تم إنشاؤها عام 2004 بتوقيع بيان وحدة بين هذه المنظمات، يطالب بالأمن والسلام فى دارفور. وقام التحالف بخطوات تصعيدية عديدة ضد «ممارسات» الحكومة السودانية فى دارفور، مثل حملة «مليون صوت من أجل دارفور»، وأسفرت عن تسليم مليون بطاقة إلى الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش تطالبه بدعم نشر قوة دولية قوية لحفظ السلام وحماية سكان دارفور. ولم تقتصر جهود «أنقذوا دارفور» على المؤتمرات والتجمعات فقط، بل تعدت ذلك إلى ممارسة الضغوط المالية على السودان لتغيير سياساته و»إحلال السلام» فى دارفور، خلال زيادة الضغوط على الشركات الأمريكية التى تمتلك الحصة الأكبر فى شركة النفط الصينية «بتروتشاينا»، ومطالبتها بسحب استثماراتها من الشركة. وبالفعل سحبت إحدى الشركات المساهمة فى بتروتشاينا كل أسهمها. ويقول الخبير فى الشأن السودانى خالد حنفى إنه لم يكن تحالف «أنقذوا دارفور» وحده الضاغط من أجل القضية، فقد كانت هناك مجموعة أخرى من المنظمات الحقوقية تلعب دورا مهما، وهى منظمة «اتحاد العالم من أجل دارفور». وفى هذا السياق، يقول هانى رسلان الخبير فى الشأن السودانى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن منظمات مثل تحالف «أنقذوا دارفور» ارتبطت بمنظمات يهودية صهيونية مهدت لاختراق إسرائيل للسودان. وأشار رسلان إلى أن وزير الأمن الداخلى الإسرائيلى آفى ديختر أعلن فى 2003 رسميا عن تواجد إسرائيل فى السودان عن طريق دارفور، وزار محمد النور زعيم حركة تحرير السودان (الجناح الرافض للتسوية) إسرائيل أكثر من مرة والتقى العديد من المسؤولين الإسرائيليين فى السفارة الإسرائيلية فى إثيوبيا. ويقول حنفى إن بعض تلك المنظمات الدولية على علاقة مباشرة مع متمردى دارفور حتى إن الحكومة السودانية أعلنت أن لديها أدلة دامغة على وجود منظمات قدمت لمتمردى دارفور البنزين. كما اتهمت الخرطوم منظمات إنسانية بالتمييز عبر تقديم المساعدات الطبية والغذائية للنازحين فى معسكرات اللاجئين التى يسيطر عليها متمردو دارفور فى حين كانت تمتنع عن تقديم أى مساعدات للنازحين للمعسكرات التى تسيطر عليها القوات السودانية. ويتفق هانى رسلان وخالد حنفى على أن المنظمات الدولية والأجنبية لعبت دورا مفصليا فى تصعيد أزمة دارفور بالمساهمة فى قرار المحكمة الجنائية الدولية، حيث وقعت منظمة الإنقاذ الدولية مذكرة تفاهم مع المحكمة الجنائية الدولية، قدمت فيها المساعدة للمحكمة. وفى هذا السياق، أعدت منظمة NRC النرويجية تقارير بأسماء وبيانات النساء المغتصبات بولاية جنوب دارفور واستعانت المحكمة بهذه الشهادات كأدلة على تورط البشير فى ارتكاب جرائم حرب. وكان هذا سببا فى طعن الخرطوم وبعض الدول العربية التى انتقدت تقرير المدعى العام للمحكمة لويس أوكامبو، حيث قالوا إنه لم يزر السودان ولم يستمع إلى الشهادات الحقيقية، وأن طلبه استند إلى شهادات سمعية من جهات ومنظمات مختلفة دون قرائن. أما المحور الثالث فتمثل فى تكريس الصورة الذهنية للصراع على أنه نزاع بين العرب والأفارقة وليس صراعا بين قبائل على موارد فى الإقليم لأن منظمة هيومان رايتس ووتش التى اتهمت فى العديد من تقاريرها القوات الحكومية بالعمل جنبا إلى جنب مع الميليشيات العربية استخدمت تعبير «الأفارقة» و»العرب» لوصف الصراع فى دارفور مع أن ذلك لا يعكس التنوع العرقى فى دارفور والعلاقات الدقيقة بين هذه الجماعات حيث يوجد أكثر من 28 قبيلة متداخلة عرقيا وراحلة على طول الحدود مع تشاد. وفى هذا السياق، أوضح خالد حنفى الخبير فى الشأن السودانى أن أزمة دارفور أدت لتوتير العلاقة بين الأديان فى المناطق العربية الأفريقية، حيث ضبطت الحكومة السودانية منظمات تبشيرية بحوزتها كتب إنجيلية فى دارفور فى حين أنه لا يوجد مسيحيون فى الاقليم بعكس جنوب السودان الذى تنشط فيه هذه المنظمات لمساعدة الأغلبية المسيحية. واتهمت السلطات السودانية تلك المنظمات بممارسة عمليات تنصيرية فى دارفور، عبر توزيع كتب على المواطنين فى محاولة لتنصيرهم وإبعادهم عن الدين الإسلامى.