رغم الانتقادات المتصاعدة من الدول الغربية لقرارها بطرد أكثر من 10 منظمات إنسانية من العمل فى إقليم دارفور، بعد أن اتهمتها بأنها خالفت الهدف الذى جاءت له، رفضت الخرطوم العدول عن قرارها، مؤكدة فى الوقت نفسه أنها مستعدة لملئ فراغ «تلك المنظمات لو انسحبت من الإقليم». وفيما يعقد مجلس الأمن التابع اجتماعًا، الجمعة، لمناقشة قرار الخرطوم ومذكرة المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس السودانى، عمر البشير، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، كشفت الخرطوم عما سمته «مساومات» تقوم بها دول غربية دائمة العضوية بمجلس الأمن على رأسها أمريكا لاحتواء أزمة المحكمة الجنائية الدولية. وقال على أحمد كرتى، وزير الدولة للشؤون الخارجية، فى تصريحات نقلتها صحيفة «الرأى العام» السودانية أمس، إن «مساومات تجرى حالياً بشأن قرار المحكمة الجنائية الدولية مع الخرطوم». وأضاف «إنه بعد صدور القرار يأتينا الكثيرون لتقديم العروض وإجراء المساومات، لكننا لن نتنازل عن أى شىء فى سبيل سحب هذه القضية لأننا نعلم أنها سياسية». وأضاف «إن الأطراف التى تساومنا هى أمريكا وفرنسا وبريطانيا، الدائمة العضوية فى مجلس الأمن، وقد علمنا أنها اصدرت هذا القرار لتكون المساومة تحت ضغط معين على السودان ليكون بين المطرقة والسندان، لكن هذا لن يثنينا عن مواقفنا». وحول طبيعة المساومة قال كرتى «إنه يتعلق بنشر القوات فى دارفور وفتح الأبواب للمنظمات وعدم مضايقتها». مشيراً إلى أنها تدور حول ملفات سياسية لا علاقة لها بالقانون. من ناحيتها شرعت وزارة الخارجية السودانية فى تحركات دبلوماسية، واستدعت سفراء المجموعات العربية والأفريقية والآسيوية والمجموعة الأوروبية وسفراء الأمريكيتين كل على حدة، وأشارت إلى رصدها حشوداً عسكرية على الحدود مع تشاد، كما رفضت وزارة الخارجية طلب الأمين العام للأمم المتحدة بالتراجع عن طرد المنظمات، وقال الناطق باسم الخارجية إن الحكومة لن تفرط فى الأمن القومى. وفى السياق ذاته أكد حسبو محمد عبدالرحمن مفوض العون الإنسانى بوزارة الشؤون الإنسانية والمنظمات الدولية وجود إجراءات عاجلة لسد الفجوة التى تتركها المنظمات المبعدة.. وأكد استمرار المفوضية فى توفير الدعم والتسهيلات لكل شرفاء العمل الإنسانى، لافتاً إلى أن سلوك القلة الشاذ لن ينعكس سلبًا على الغالبية من الناس. كان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كى مون، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى طالبوا الخرطوم العودة عن قرارها الذى يهدد وصول المساعدة الإنسانية الضرورية إلى مئات آلاف المدنيين. وقال بان كى مون إن عمليات الإغاثة التى تديرها المنظمة الدولية فى دارفور سيلحق بها ضرر جسيم إذا نفذت الحكومة السودانية قرارها بطرد منظمات الإغاثة. وقالت كاترين براج، نائبة منسق الإغاثة الطارئة بالأممالمتحدة، إن المنظمة الدولية تلقت تقارير عن تعرض بعض موظفى المنظمات غير الحكومية لمضايقات، والاحتجاز على يد قوات الأمن السودانية، وأضافت أن قرار السودان إبعاد منظمات غير حكومية من دارفور مخالف للتأكيدات التى قدمتها الخرطوم بأن المساعدة الإنسانية لن تتأثر إذا ما صدرت مذكرة توقيف ضد البشير. وأوضحت أن الأممالمتحدة اتخذت بعض الإجراءات الوقائية إذا ما أرغمت منظمات غير إنسانية على المغادرة، لكنها أقرت بأن حجم التدبير الذى قررته الخرطوم قد فاجأ المنظمة الدولية. بينما اتهمت منظمة العفو الدولية الحكومة السودانية بأنها تأخذ سكان إقليم دارفور «رهائن»، وأكدت أن السودان مسؤول، طبقا للقانون الدولى، عن ضمان وصول المساعدات للأشخاص الذين يحتاجون إليها، مشيرة إلى أن مذكرة الاعتقال الصادرة بحق الرئيس عمر البشير «ليس لها علاقة إطلاقا بهذه المسألة». وفيما دعت كندا، الخرطوم لإعادة النظر فى قرار إبعاد منظمات غير حكومية من دارفور، وصفت بريطانيا وأيرلندا هذا القرار بأنه «إجراء انتقامى يعرض أرواح ملايين الأشخاص للخطر». وفى غضون ذلك، وصل مسؤولون من سوريا وإيران وحركة حماس إلى الخرطوم لإجراء مباحثات مع الرئيس السودانى، حيث التقى رئيس مجلس الشورى الإيرانى على لاريجانى ورئيس مجلس الشعب السورى، محمود الأبرش، ونائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، موسى أبومرزوق والرئيس البشير. وفى المقابل، أكد الرئيس السودانى، عمر البشير، أن مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية لن تغير شيئًا فى سياسات حكومته. وأكد البشير فى حديث إلى أعضاء فى حزبه والمعارضة خلال اجتماع عقد فى وقت متأخر، مساء أمس الأول، نشرته وكالة الأنباء السودانية ،أمس، التزامه بتنظيم «انتخابات حرة ونزيهة» فى السودان. ومن المقرر تنظيم انتخابات عامة العام الجارى فى السودان لكن تاريخها لم يحدد بعد، ويتوقع المراقبون أن يترشح البشير (65عامًا) لولاية جديدة. وفيما يتعلق بجلسة مجلس الأمن، توقع دبلوماسيون غربيون ألا يتخذ مجلس الأمن أى إجراء، وأكدوا أن المجلس سيتلقى إفادة من مسؤول الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة عن الوضع على الأرض فى دارفور التى يعتمد فيها نحو 4.7 مليون نسمة على المعونات. وأشار دبلوماسى ليبى، طلب عدم ذكر اسمه، إلى أن وفدًا عربيًا سينقل طلبات الجامعة العربية والاتحاد الأفريقى من مجلس الأمن بمناقشة تأجيل إجراءات المحكمة الجنائية لمقاضاة البشير.وقال إن ليبيا التى تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن لهذا الشهر تأمل فى أن ترتب لعقد اجتماع للمجلس مع مسؤولين من الاتحاد الأفريقى والجامعة العربية. وفى هذا السياق اعتبر عبدالدائم زمراوى، وكيل وزارة العدل السودانية، أن اعتراض أى جهة لطائرة الرئيس عمر البشير حال سفره إلى أى مكان سيكون جريمة وفق القانون الدولى،مؤكدا أنه لايمكن تعريض أرواح الآخرين للخطر من أجل القبض عليه. وأوضح زمراوى فى تصريحات نقلتها الصحف السودانية، قالها على هامش مشاركته فى أعمال الدورة العاشرة لمجلس حقوق الإنسان، أن الدول التى يمكن أن تمر الطائرة فى أجوائها دول ذات سيادة وتقوم بشكل طبيعى وبصرف النظر عن هذا الموضوع بحماية سمائها والسيطرة على أجوائها.