اختزلت القوى الدولية الأزمة الإنسانية فى إقليم دارفور السودانى التى ظلوا يتحدثون عنها طوال السنوات الماضية فى شخص الرئيس عمر البشير، المغضوب عليه منذ أدار ظهره للولايات المتحدة فى حربها على العراق، لدرجة تؤكد أن دعاوى المحكمة الجنائية الدولية بحرصها على تحقيق العدالة ليست فى النهاية سوى حسابات سياسية متسترة بالعدالة لبسط النفوذ الخارجى على تلك الدولة الممزقة بفعل الحروب الأهلية، والتى لن تحتمل توتراتها الداخلية بأى حال تداعيات قرار اعتقال البشير، الذى تسعى الجامعة العربية والاتحاد الأفريقى حاليا إلى عقد اجتماعات فى مجلس الأمن، لبحث مجرد «تعطيله». وبالنظر إلى مجمل المواقف العربية طوال الأزمة على مدار السنوات الماضية، يتضح أن القوى الغربية الراغبة فى الاختراق بنفوذها السياسى ستشق طريقها بسهولة، فى ظل عوامل عدة، أولها، فتح باب الصراعات فى الجنوب والغرب السودانيين، وثانيها، فراغ السلطة المتوقع، وثالثها، الغياب العربى الفعلى عن الساحة السوادنية، حتى وإن كانت الأنظمة العربية تملأ الدنيا ضجيجا بتصريحات المساندة والتأييد للبشير، الذى لا تكمن أهمية اعتقاله فى شخصه بقدر ما تكمن فى كونه «القنبلة الموقوتة»، التى من شأنها تفجير التماسك السودانى. وليس أدل على عجز المواقف الإقليمية طوال الأزمة من موقف الجامعة العربية نفسها، والتى لم تتخذ موقف واحد أبعد مما يمكن أن توافق عليه حكومة البشير، أو تستطيع من خلاله استثمار وضعها التنظيمى كوسيط لشد فتيل الأزمة، ففى حين أكدت رفضها الكامل فى أغسطس 6002 لنشر قوات حفظ سلام دولية فى إقليم دارفور دون موافقة حكومة الخرطوم، تماشيا مع الموقف الرسمى للرئيس البشير آنذاك، رحبت فى 7002 بقبول الخرطوم نشر قوات مختلطة من الاتحاد الأفريقى والأمم المتحدة «يوناميد». وعندما قدمت الجامعة العربية مبادرتها للسلام فى دارفور، واجهتها تفاعلات الصراع السودانى الداخلى، فانتقدتها العديد من حركات التمرد وعلى رأسها حركة «العدل والمساواة» وأجنحة حركة تحرير السودان، وانتهت باتهامها بالسعى «لإنقاذ البشير من براثن العدالة الدولية»، على حد تصورهم. ثم دخلت قطر طرفا، ودعمت الجامعة العربية جهودها لاستضافة محادثات سلام دارفور، وفى ديسمبر 8002 أعلنت الأمانة العامة للجامعة عن اجتماع مشترك للجنة العربية الأفريقية المعنية بعملية السلام، والوساطة بين الحكومة السودانية وحركات التمرد فى دارفور فى الدوحة. إلى جانب ذلك، كانت هناك المنظمات الإنسانية التى لعبت الدور الأكبر فى تقديم الإغاثة الغذائية والطبية لأبناء دارفور، وبخلاف قطر، التى سعت للعب دور سياسى فى عملية السلام بين المتمردين وحكومة الخرطوم، اقتصر الدور الخليجى، على البعد الإنسانى للأزمة، بما فى ذلك إقامة المشاريع التنموية. أما ليبيا، فتستضيف عددا من أهالى دارفور، الذين فر بعضهم إليها هربا من البطالة والجفاف مذ التسعينيات، ومع حرب مارس 3002 فى الإقليم، وجد آخرون طريقهم لليبيا عبر الحدود التشادية، ولكن جميع لاجئى دارفور، لا يحظون بدعم خاص فى ليبيا ويعاملون كوافدين، ومؤخرا خرج الرئيس الليبى معمر القذافى، الرئيس الحالى للاتحاد الأفريقى، لتوجيه انتقاداته اللاذعة ل»قوى أجنبية»، بينها إسرائيل، بالمسؤولية عن الصراع السودانى. فمنذ المحاولات المصرية التى جرت قبل عقود لتحقيق السلام بين المتناحرين فى السودان وحتى قمة ديسمبر 8002 القريبة لمحور صنعاء، الذى يضم السودان واليمن وإثيوبيا وجيبوتى، مرورا بسائر المحاولات العربية الأخرى، لم ينجح أيها فى إخراج السودان من براثن التربص الغربى لها، والذى تتفاوت درجته من حين لآخر حسب أولوية التحولات السياسية فى المنطقة.